المدن الصناعية الجديدة تنعش سوق العقارات في مصر

نقل أصحاب الحرف أبرز التحديات

مدينة بدر التي تجاور «الروبيكي» (شرق القاهرة) تستوعب العاملين بالمنطقة
مدينة بدر التي تجاور «الروبيكي» (شرق القاهرة) تستوعب العاملين بالمنطقة
TT

المدن الصناعية الجديدة تنعش سوق العقارات في مصر

مدينة بدر التي تجاور «الروبيكي» (شرق القاهرة) تستوعب العاملين بالمنطقة
مدينة بدر التي تجاور «الروبيكي» (شرق القاهرة) تستوعب العاملين بالمنطقة

سعياً لتنشيط الصناعة، وزيادة الصادرات، ودعم سوق العقارات بمنشآت منتجة تجاور الوحدات السكنية بالمجتمعات العمرانية الجديدة، تواصل الحكومة المصرية إنشاء مدن صناعية متخصصة في حرف محددة، حيث يجري العمل حالياً على إنشاء مدينة الروبيكي للجلود، بجوار مدينة بدر (شرق القاهرة)، ومدينة الأثاث في محافظة دمياط (شمالي القاهرة)، بالإضافة إلى مدينتين للنسيج بمدينة بدر، وتسعى مصر لتحويل هذه المدن الجديدة إلى منافذ صناعية كبرى، ورغم محاولات توفير كل الخدمات في هذه المدن الجديدة، فإن نقل أصحاب الحرف إليها لا يزال أكبر التحديات التي تواجه السلطات المصرية حالياً.
الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أكد «أهمية المدن الصناعية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر في أشد الحاجة إلى هذا النمط من المدن، لأنها تستوعب آلاف العمال، لكن عدم توظيف مثل هذه المدن بشكل جيد في الماضي أدى إلى ضعفها».
وأضاف عبد العظيم أن «إنشاء مدن صناعية مجمعة من شأنه أن يسهم في علاج جزء كبير من مشكلة البطالة، كما سيوفر موارد للدولة عبر تصدير منتجات هذه الصناعة، إضافة إلى أنه سيشجع الاستثمار الأجنبي، ويخفف من الكثافات السكانية بالقاهرة».
وتعد مدينة الروبيكي واحدة من أشهر المدن الصناعية، التي تعكف الحكومة المصرية على تنفيذها حالياً، وهي مدينة صناعية متخصصة في دباغة الجلود وصناعتها، على مساحة تقدر بنحو 1629 فداناً. ووفقاً لتصريحات الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، فإن «الهدف من مشروع مدينة الجلود بالروبيكي، هو الحفاظ على صناعة الجلود وتطويرها والارتقاء بها».
المهندس ياسر المغربي، رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للتطوير والاستثمار، المنفذة لمشروع مدينة الروبيكي، قال، في تصريحات صحافية، إن «المرحلة الأولى من المشروع انتهت بنسبة 100%، كما تم الانتهاء من أعمال المرافق بالمرحلة الثانية بنسبة 100% أيضاً، وبدأت عجلة الإنتاج تدور في ورش المرحلة الأولى، حيث تتم عمليات التصدير من داخل المدينة»، مشيراً إلى أنه «نظراً إلى الطلبات المتزايدة على المدابغ، ورغبة الناس في الانتقال إلى المدينة الجديدة، بدأ إنشاء منطقة امتداد جديدة بالمرحلة الأولى وجزء بالمرحلة الثانية»، وتتضمن المرحلة الثالثة من المشروع، وفقاً للمغربي، «إنشاء مجمع صناعي للصناعات الجلدية المتطورة مع الشركات العالمية والمحلية، وإنشاء مدارس فنية لتدريب العمالة المتخصصة في هذا القطاع، ونقل المعرفة والتكنولوجيا الحديثة لهذه الصناعة، وتقع على مساحة 221 فداناً».
وصناعة الجلود في مصر صناعة قديمة تعود لأكثر من 100 عام، واشتهرت بها منطقة سور مجرى العيون بوسط القاهرة، على مدى عقود، ونظراً إلى التلوث الناتج عن هذه الصناعة بدأ التفكير منذ سنوات في نقل مدابغ الجلود إلى مدينة جديدة، ومنذ بداية الفكرة، في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت هناك مقاومة كبيرة لنقل أصحاب هذه الحرفة خارج المنطقة التي اعتادوا العمل بها، بسبب بُعد المدينة الجديدة عن السوق التجارية، ومكان سكن أصحاب المدابغ، وهو ما يؤكده المغربي بقوله: «معظم الحكومات فشلت في نقلهم، رغم ما يسببونه من تلوث للبيئة، وواجهنا صعوبات كبيرة مع 80% ممن تم نقلهم بالفعل، وسيتم نقل الباقي».
وأكد عبد العظيم أن «المقاومة أمر طبيعي»، وقال: «اعتدنا في الدول النامية على هذه المقاومة، وعلى إصرار المواطنين على البقاء في أماكنهم، وتكرر الأمر أكثر من مرة عندما تم نقل العاملين في إصلاح السيارات إلى منطقة الحرفيين (شرق القاهرة)، كذلك عندما تم نقل سوق السمك، وسوق روض الفرج». وأضاف: «الأمر يحتاج إلى قرار سيادي لنقل هؤلاء الأشخاص للمنفعة العامة، وهم فيما بعد سيدركون ميزة المكان الجديد وفوائده عليهم وعلى الصناعة وعلى البلاد أيضاً».
ويرى عبد العظيم أن «قيمة المدن الجديدة العقارية ستزداد مع بدء التشغيل، وسترتفع قيمتها السوقية، وأسعارها مما سيسهم في تنشيط السوق العقارية».
ورغبةً في استغلال شهرة محافظة دمياط في صناعة الأثاث، بدأ إنشاء مدينة الأثاث بدمياط، بهدف تعظيم فرص الاستثمار الأجنبي، وجعل المدينة بوابة لتصدير الأثاث إلى أفريقيا والدول العربية المجاورة، وتنفيذاً لهذا الهدف كلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «بإدارة واستثمار مدينة دمياط للأثاث بالصورة المثلى لدعم صناعة الأثاث الوطنية، لتكون المدينة أكبر مدينة صناعية متكاملة لصناعة الأثاث والصناعات الخشبية المغذية لها في أفريقيا والشرق الأوسط».
ويجري إنشاء المدينة على مساحة 331 فداناً، ووفقاً للتقديرات الرسمية «يُتوقع أن ترفع المدينة عائدات تجارة الأثاث من 12 مليار جنيه مصري سنوياً إلى 35 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.3 جنيه مصري)، وزيادة الصادرات من 360 مليون دولار سنوياً إلى ملياري دولار، إضافة إلى توفير ما يقرب من 100 ألف فرصة عمل».
ولا يقتصر الأمر على تنشيط الصناعة والاقتصاد، حيث تسعى الحكومة المصرية من خلال هذه المدن الصناعية الجديدة إلى تنشيط سوق العقار، فمع إنشائها سينتقل الكثير من العمالة من أماكنهم وورشهم الأصلية إلى المدن الجديدة، وهذا بالتالي سينشط حركة البيع والشراء في المدن الجديدة والقديمة أيضاً، وسينعش المنطقة الجديدة اقتصادياً إضافةً إلى نقل كثافات سكانية من القاهرة والجيزة إلى تلك المدن.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك طفرة كبيرة في الآونة الأخيرة في أسعار العقارات في مدينة دمياط، فسعر ورشة الأثاث يصل إلى مليوني جنيه، بينما يبلغ سعر الورشة في مدينة دمياط للأثاث نحو 50 ألفاً»، مشيراً إلى أن «هذا الفرق في الأسعار ربما يتسبب في مقاومة لدى البعض، فكيف يتخلى عن ورشة مرتفعة القيمة مقابل أخرى أقل قيمة».
وتضم مدينة دمياط للأثاث 1348 ورشة على مساحة 130 ألف متر مربع، ومن المقرر إقامة أكبر مركز تجاري في أفريقيا والشرق الأوسط في المدينة على مساحة 130 ألف متر. كما يجري العمل على إنشاء مدينتين للنسيج بمدينة بدر في امتداد محافظة القاهرة، مساحة كل مدينة منهما مليون متر مربع، وذلك بهدف إحياء صناعة النسيج التي اشتهرت بها مصر.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».