تشكيلية مصرية تخلق تواصلاً بين شخصيات البورتريه والجمهور

لوحات معرض «رتوش» تستدعي روح المدرسة التأثيرية

أشكال «بورتريهات» متنوعة في معرض «رتوش»
أشكال «بورتريهات» متنوعة في معرض «رتوش»
TT

تشكيلية مصرية تخلق تواصلاً بين شخصيات البورتريه والجمهور

أشكال «بورتريهات» متنوعة في معرض «رتوش»
أشكال «بورتريهات» متنوعة في معرض «رتوش»

أبدع قدماء المصريين في فن «البورتريه» بجميع أشكاله، مخلّدين قواعد هذا الفن بما شكل حالة متفردة في تاريخ الفن الإنساني، كما تمكنت وجوه الفيوم أو «بورتريهات الفيوم» التي تعود إلى العصر الروماني من تصوير الشخصيات تصويراً واقعياً وطبيعياً، والتي وصفها خبراء ونقاد الفن بأنها تفيض بالمشاعر الإنسانية، وبعمق المعنى، وقوة التأثير، والقدرة على إثارة الخيال.
لا يختلف الأمر في الوقت الحالي مع زيارة معرض «رتوش»، للفنانة العشرينية دعاء محمود، الذي تحتضنه دار الأوبرا المصرية، فمن خلاله يمكن القول إن الإبداع في فن البورتريه لا يزال مستمراً بمرور القرون واختلاف الأزمنة والأمكنة.
التجول في المعرض الذي يستمر حتى يوم 17 أبريل (نيسان) الحالي، يجعل الزائر بين جميع أشكال «البورتريهات»، التي تجعله يقف أمامها متأملاً ملامحها وتفاصيلها، سواء بورتريه الوجه، الذي تظهر فيه ملامح الوجه والكتفين أو جزء منهما، أو بورتريه نصف الجسد، الذي يظهر فيه الوجه والكتفان ونصف الجسم الأعلى، أو البورتريه الجسدي الكامل، وفيه يظهر الجسم كاملاً، سواء لشخص أو عدة أشخاص.
يضم المعرض 25 لوحة، تعتمد على الألوان الزيتية، وقليل منها رسم بالرصاص والفحم، وبجانب البورتريه رسمت صاحبة المعرض المناظر الطبيعية واللوحات التأثيرية، التي تنقلها وتضيف إليها رتوشها ولمساتها الإبداعية، مستمدة في معظم لوحتها روح المدرسة التأثيرية (الانطباعية)، التي تعطيها مزيداً من الحرية في التعبير عن مشاعرها سواء كان ذلك من خلال الفرشاة أو السكين.
تقول الفنانة دعاء محمود لـ«الشرق الأوسط»: «لدى كل فنان أسلوبه الخاص، لا سيما تجاه فن البورتريه، وهذا الأسلوب يكون نابعاً من إحساس داخلي، لذلك أعتبر هذه البورتريهات ترجمة لإحساسي ومشاعري، بل لا أبالغ إن قلت إنها جميعاً تشبهني، فأحياناً كثيرة يعجز الفنان عن التعبير عن مشاعره من خلال الكلمات لمنطوقة فيكون الرسم هو الترجمة الحقيقية لما يدور بداخله».
تضع الفنانة رتوشها على اللوحة عبر أصابعها، ومن هنا كان اختيارها لاسم المعرض «رتوش»، كما أنه اسم يدل على التنوع الفني في المعرض، توضح: «لا أناقش موضوعاً معيناً، ولكن كل لوحة بموضوع مختلف، فأنا أرسم إحساسي وألمس اللوحات بأصابعي لأضع هذه الأحاسيس فوقها، فهو أسلوب ألجأ إليه لإعطاء تأثيرات بعينها وإيصال مشاعر الشخصية».
يستطيع المتلقي أن يكتشف الحالة الجمالية في اللوحات، وما تعكسه من إحساس صاحبتها، الأمر الذي يشعر معه أن شخصيات البورتريه تتحدث، وأن عيونها تحديداً تنقل له شيئاً ما، بما يجعلها بمثابة «روح» اللوحة، تماماً مثلما آمن المصري القديم بأن الروح تتعرف على صاحبها عن طريق العيون، لذلك كان اهتمامهم بنحت العيون سواء في التماثيل والتوابيت بأساليب إبداعية.
«عندما أنظر في عيون شخصياتي أشعر أن بيننا حواراً وتواصلاً»، تقول صاحبة المعرض. وتضيف: «أميل إلى رسم الفتيات، فلديهن القدرة الأكبر عن التعبير، ومن خلال نظراتهن تحديداً أحاول نقل مشاعرهن، ولكوني فتاة أفهم هذه النظرات وأحاول أن أعبر عنها وأن تلمس إحساساً ما داخل المتلقي، بما يخلق حالة من التواصل بينه وبين الشخصية، لذا أركز دائماً على لغة العيون التي تنقل حواراً داخلياً تحمله شخصيات البورتريه».
لا تكتفي دعاء بذلك، فهي تسمي شخصياتها، فهذه «زينة» التي تعبر عن جمال المرأة، وتجاورها «صفية»، التي تعكس ملامحها سلاماً نفسياً وصفاء الروح، أما «ساكورا» فهي تحمل اسم زهرة الكرز أو «الساكورا» في الثقافة اليابانية رمز الجمال والهدوء.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.