غياب المعركة يقلّص إقبال ناخبي طرابلس لأدنى مستوى

TT

غياب المعركة يقلّص إقبال ناخبي طرابلس لأدنى مستوى

امتنع القسم الأكبر من ناخبي مدينة طرابلس في شمال لبنان أمس، عن الاقتراع في الانتخابات الفرعية لملء المقعد السني الخامس الشاغر بعد إبطال المجلس الدستوري نيابة ديما جمالي التي خاضت الانتخابات أمس، إلى جانب 7 مرشحين مستقلين، تفوقت عليهم بدعم سياسي وفره تحالف «تيار المستقبل» وأحزاب وقوى فاعلة في المدينة، أبرزهم تيار «العزم» برئاسة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، إضافة إلى تياري اللواء أشرف ريفي والنائب السابق محمد الصفدي. وأرجع سكان طرابلس المقاطعة إلى ظروف الناس الاقتصادية والاجتماعية، فيما برزت بشكل لافت مقاطعة العلويين و«جمعية المشاريع» للانتخابات.
ومن أصل 248 ألف ناخب، لم تتخطَّ نسبة الاقتراع 13 في المائة، قبيل إقفال صناديق الاقتراع. وسجلت هذه الانتخابات أدنى مشاركة منذ عام 1992، التي شهدت مقاطعة واسعة وسجلت أدنى مستوى للإقبال على صناديق الاقتراع في ذلك الوقت، حتى بالمقارنة مع الانتخابات الفرعية الأخرى. وأكدت وصول النسبة إلى أدناها «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات - لادي».
ولم يفاجئ الإقبال الضعيف على صناديق الاقتراع، القوى السياسية التي كانت تتوقع مشاركة هزيلة، استناداً إلى عدة عوامل؛ أبرزها غياب دافع سياسي في ظل منافسة ضعيفة في وجه مرشحة «المستقبل» ديما جمالي، فضلاً عن أن الأحزاب والقوى السياسية الأخرى لم تخض الانتخابات، واقتصر التنافس على مرشحين مستقلين. وتعزز ذلك بكون الانتخابات فرعية، وليست عامة، وعادة ما تنخفض نسبة الاقتراع في الانتخابات الفرعية لغياب المعارك السياسية، علماً أن نسبة الاقتراع في الانتخابات العامة في مايو (أيار) الماضي بلغت 30 في المائة.
وأسهمت مقاطعة قوى «8 آذار»، والناخبين العلويين والمسيحيين و«جمعية المشاريع» للانتخابات في تقليص نسبة الاقتراع، وبرزت أسباب غير سياسية دفعت الناس للإحجام عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، أبرزها الأسباب الاقتصادية، وفشل الدولة في تأمين فرص العمل وظروف معيشية أفضل، بحسب ما قال مواطنون من أهل طرابلس في يوم الانتخابات. وتحدث بعضهم عن غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والطبابة، وارتفاع نسبة البطالة، رغم الوعود السابقة بالإنماء.
وانطلقت العملية الانتخابية عند الساعة السابعة صباحاً. ولوحظ إقبال كبير لمناصري تيار المستقبل منذ ساعات الصباح الأولى لإعادة انتخاب ديما جمالي.
وسجلت نسبة الاقتراع ظهراً أدنى مستوياتها، إذ بلغت 5 في المائة فقط، فيما وصلت نسبة الاقتراع قبيل إقفال صناديق الاقتراع بثلاث ساعات ونصف الساعة في التبانة إلى 7 في المائة في أقلام الناخبين السنة، و1 في المائة في أقلام الناخبين العلويين، وفي البداوي وصلت إلى 6 في المائة، أما في وادي النحلة فوصلت إلى 12 في المائة. وقبيل إقفال صناديق الاقتراع، كان واضحاً انخفاض نسبة المقترعين في الأقلام التي يقترع فيها العلويون مثلاً، حيث بلغت في التبانة 2 في المائة، فيما بلغت لدى أقلام السنة في التبانة 15 في المائة، فضلاً عن تدني نسبة الاقتراع في الأقلام المسيحية.
ودعت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن من عاصمة الشمال الطرابلسيين إلى «أن يشاركوا في الانتخابات حتى لو لم نكن نريد الالتزام بأي مرشح، وهذا مؤشر على النظام الديمقراطي في لبنان»، مشيرة إلى أنه «لا أجواء لمعركة سياسية». ودعت المواطنين إلى «ممارسة حقهم الديمقراطي». وقالت الحسن: «الوضع مستتبّ وأنا مرتاحة لسير العملية الانتخابية، وما دامت العملية الانتخابية شفافة ونظيفة فلا نستطيع أن نقول إنها انتخابات فاشلة، ففي النهاية هذا حقّ المواطنين في الاقتراع أو عدمه».
وانسحبت الدعوات للاقتراع، على المرشحين أنفسهم، إذ دعت المرشحة ديما جمالي الطرابلسيين للاقتراع، لأنها «فرصتهم للتعبير». وقالت جمالي لدى تفقدها أحد مراكز الاقتراع: «لم أترك طرابلس قبل الانتخابات ولن أتركها بعد صدور النتائج»، في إشارة إلى المعلومات عن أن نفوسها مسجلة في بيروت، بينما تخوض الانتخابات في طرابلس.
بدوره، دعا النائب السابق مصباح الأحدب «جميع الناخبين إلى الإدلاء بأصواتهم لنحاسب»، قائلاً: «نحن في وضع صعب جداً في المدينة، ومقبلون على حالة تقشف ستطال الطبقة الفقيرة أكثر من غيرها».
وكان لافتاً تصريح المرشح نزار زكا المعتقل في طهران منذ 2015، وترشح إلى الانتخابات عبر وكلائه القانونيين للفت النظر إلى قضيته. وقال زكا في اتصال مع قناة «إل بي سي» من داخل سجنه في إيران: «لا أحد يستحق أن يظلم كما ظلم». وتابع: «لم يصدر أي مسؤول لبناني بياناً رسمياً بخصوص اعتقالي». وسأل: «كيف لهم أن يقبلوا أن يكون مواطناً لبنانياً مسجوناً ولا يسألوا عنه؟ لا أعرف ماذا يحصل ولِم يسكت المسؤولون عن اعتقالي؟ فليقولوا إذا كانوا خائفين من حزب الله أو غيره». وعن ظروف اعتقاله، قال زكا: «أنا أقبع تحت الأرض مع 50 شخصاً، وأرى الشمس ساعة في النهار».
وخلال ساعات النهار، لم يسجل أي إشكال أمني، إذ أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن العملية الانتخابية جرت بشكل هادئ، ولم يسجل أي إشكال أمني أو إداري، في ظل إقبال خجول من قبل الناخبين.
وقال محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا للوكالة الوطنية للإعلام، إن «الوضع الأمني مستتب وإن العملية الانتخابية تجري بسلاسة».
وتولى الجيش مهمة ضبط الأمن في المدينة، وسُجّل انتشار كثيف لعناصره في الأنحاء خصوصاً في محيط مراكز الاقتراع، كما سيرت دوريات مؤللة جابت شوارع المدينة، كما ثبت الجيش نقاطاً ثابتة عند مداخل الأحياء والشوارع الرئيسية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».