إعلام تركيا يعيش أزمة مصداقية بعد أسبوعين على الانتخابات

وسائل التواصل الاجتماعي قهرته بعدما أضحى منبراً لموالاة إردوغان

تغريدة لأكرم إمام أوغلو من حسابه الشخصي الذي يتبعه أكثر من 1.5 مليون حساب يشدد بها على «القيادة الشفافة» بعد فوزه  -  أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة الفائز في إسطنبول نجح في توظيف وسائل التواصل ونشر آرائه على «يوتيوب»
تغريدة لأكرم إمام أوغلو من حسابه الشخصي الذي يتبعه أكثر من 1.5 مليون حساب يشدد بها على «القيادة الشفافة» بعد فوزه - أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة الفائز في إسطنبول نجح في توظيف وسائل التواصل ونشر آرائه على «يوتيوب»
TT

إعلام تركيا يعيش أزمة مصداقية بعد أسبوعين على الانتخابات

تغريدة لأكرم إمام أوغلو من حسابه الشخصي الذي يتبعه أكثر من 1.5 مليون حساب يشدد بها على «القيادة الشفافة» بعد فوزه  -  أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة الفائز في إسطنبول نجح في توظيف وسائل التواصل ونشر آرائه على «يوتيوب»
تغريدة لأكرم إمام أوغلو من حسابه الشخصي الذي يتبعه أكثر من 1.5 مليون حساب يشدد بها على «القيادة الشفافة» بعد فوزه - أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة الفائز في إسطنبول نجح في توظيف وسائل التواصل ونشر آرائه على «يوتيوب»

لم تكن الانتقادات التي وجهتها مجموعة تابعة للمجلس الأوروبي راقبت الانتخابات المحلية التي شهدتها تركيا في 31 مارس (آذار) الماضي لفرض قيودٍ على حرية تعبير المواطنين والصحافيين إلا تعبيراً عن واقع مقلق. هذا الواقع رصدته منظمات دولية معنية بحرية الصحافة إلى جانب المعارضة التركية، حيث تشتكي المعارضة غياب نوافذ إعلامية يمكنها الوصول عبرها إلى الجماهير، على غرار ما يحظى به حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي بات يسيطر بشكل مباشر أو غير مباشر على أكثر من 95 في المائة من الصحف والقنوات التلفزيونية في البلاد بحسب إحصائيات من مصادر متعددة. لذا بعد أسبوعين على الانتخابات، ننظر إلى الدور الذي لعبه الإعلام قبلها، وخلالها، لنقيم الخطوات المتوقعة المقبلة.
تحدث رئيس بعثة المراقبة التابع لكونغرس السلطات المحلية والإقليمية في مجلس أوروبا أندرو دوسون صبيحة الانتخابات عن ضرورة قدرة الناس على التعبير عن آرائهم دون خوف من انتقام الحكومة. وقال: «نحن غير مقتنعين تماماً بأن تركيا تتمتع حالياً بأجواء انتخابية حرة ونزيهة، وهو أمر لازم لانتخابات ديمقراطية حقة تتماشى مع المعايير والمبادئ الأوروبية».
النتائج الأولية للانتخابات كشفت عن أبعاد جديدة فيما يتعلق بتأثير الإعلام على الرأي العام في تركيا يزداد فيها حضور وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في أوساط الشباب وفي المدن حيث فقد الحزب الحاكم مدناً ظل يحتكرها منذ ظهوره على الساحة السياسية منذ 17 عاماً أهمها أنقرة وإسطنبول وإزمير ثم إنطاليا وأضنة وغيرها من المدن الكبرى.
وفي إطار سلسلة الاستحقاقات الأخيرة التي بدأت مع الاستفتاء على تعديل الدستور للانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في 16 أبريل (نيسان) 2017. ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة في 24 يونيو (حزيران) 2018 وصولاً إلى الانتخابات المحلية في نهاية مارس الماضي برز أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت هي «الإعلام البديل» لأحزاب المعارضة ومرشحيها في مختلف الاستحقاقات وظهر تأثيرها واضحاً، لا سيما في الانتخابات المحلية الأخيرة، مع حالة السأم التي باتت تشعر بها جموع الناخبين من تكرار رسائل الحزب الحاكم وزعيمه الرئيس رجب طيب إردوغان وبعض مرشحيه على مختلف الشاشات وصفحات الصحف، مما دفع إلى البحث عن الجانب الآخر (المعارضة) عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي انتبهت إليها الأحزاب منذ الانتخابات المحلية قبل الأخيرة التي أجريت عام 2014. حيث كان قد بدأ اتجاه من الحزب الحاكم إلى زيادة مساحة سيطرته على وسائل الإعلام حتى غير المملوكة للدولة من خلال تدخل رجال أعمال كبار مقربين من الحكومة للسيطرة على الصحف والقنوات الخاصة وتغيير سياساتها الإعلامية وتوجهاتها.
يعتقد كثير من الخبراء أن اهتمام الأحزاب السياسية التركية بوسائل التواصل الاجتماعي يرجع إلى النجاح الذي حققته المعارضة في حشد جماهير المتظاهرين خلال فترة الاحتجاجات الشهيرة التي شهدتها حديقة «جيزي بارك» في «تقسيم» بوسط إسطنبول في نهاية مايو (أيار) عام 2013.
وكانت تلك الاحتجاجات بدأت بسبب خطط لتطوير الميدان الأشهر في إسطنبول لكنها سرعان ما توسعت في أنحاء البلاد وانقلبت إلى احتجاجات على سياسات حكومة رئيس الوزراء في ذلك الوقت رجب طيب إردوغان.
وبعد هذا النجاح، فطنت غالبية الأحزاب التركية إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كنمط حديث للإعلام يتجاوز الإعلام التقليدي الذي بات في معظمه نشرات مكررة لأخبار الحكومة ويخلو من التنوع وتغيب فيه أخبار المعارضة بشكل شبه تام.
بل إن تجربة أحزاب المعارضة، دفعت حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى أن يتحول بسرعة كبيرة إلى الاستفادة من تجربة خصومه في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال التوسع في استخدامها وتشكيل فرق متخصصة فيها بعد أن لجأ لفترات إلى سياسة الحجب التي طالت «تويتر» و«يوتيوب» وغيرها خلال فترة احتجاجات جيزي بارك وما بعدها.
خلال فترة الدعاية للانتخابات المحلية الأخيرة، لم يظهر مرشحو أحزاب المعارضة أو رؤساء تلك الأحزاب على الشاشات التقليدية، إلا نادراً، لعدم قدرتهم على النفاذ إليها إلا من خلال الإعلانات مدفوعة الأجر، وبرز موقع التغريدات القصيرة «تويتر» كأبرز وأسرع وسائل التواصل مع الناخبين مع التوسع في استخدام «فيسبوك» و«يوتيوب» في نشر الإعلانات والمقاطع المصورة.
وعن هذه الظاهرة قالت الطالبة الجامعية نوران يلديز إن القنوات التلفزيونية لم تعد تجذب الشباب، فضلاً عن بحث مؤيدي الأحزاب المختلفة عن وسائل أخرى للاطلاع على برامج مرشحيهم حيث إن القنوات والصحف منحت حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي قاد إردوغان حملته بنفسه، غالبية مساحاتها وغطت التجمعات الانتخابية اليومية لإردوغان وكانت تنقل على الهواء في اليوم الواحد 3 أو 4 تجمعات أحياناً، مما دفع الناس إلى الملل.
وأكدت أنها كانت تتابع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أكبر لأنها متاحة في كل وقت وبسبب سرعتها وتنوعها، مشيرة إلى أن هذه الوسائل حققت توازناً مع وسائل الإعلام التي كرست كل وقتها للحزب الحاكم.
وتقدر بعض الإحصائيات عدد مستخدمي «تويتر» في تركيا بأكثر من 15 مليون شخص، كما يتابع «يوتيوب» عدد أكبر، وتشير إلى أن هذه الوسائل باتت مصادر للأخبار لدى متابعيها، خاصة مع حرص جميع السياسيين في الحكومة والمعارضة على التواصل من خلالها.
كانت أحزاب المعارضة التركية اشتكت من غياب الحد الأدنى من الفرص لظهور مرشحيها للانتخابات الرئاسية، وكذلك تغطية مؤتمرات قادتها في الانتخابات البرلمانية اللتين أجريتا معاً بشكل مبكر في 24 يونيو (حزيران) الماضي، وكانت تتوقع أن ذلك سيتواصل خلال الانتخابات المحلية، فقررت أن تخوص معركتها بقوة اعتماداً على وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أكثر تأثيراً من وسائل الإعلام التي تتبع الحكومة أو تواليها بشكل ما أو بآخر.
ومن خلال متابعة الحملات الانتخابية، يعد مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، الفائز وفقاً للنتائج الأولية في إسطنبول، هو الأكثر استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما «تويتر»، في الوصول إلى الناخبين.
وصادرت الحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها البلاد في 15 يوليو (تموز) 2016. أكثر من 1100 شركة، وأخضعتها لإشراف صندوق التأمين على الودائع والمدخرات، واعتقل الصحافيون العاملون في الصحف والقنوات التابعة لأكثر من 170 وسيلة إعلامية ضمن هذه الشركات المصادرة.
وتوالت الانتقادات الموجهة إلى سياسة الحكومة التركية في التعامل مع ملف حرية الإعلام، وأصدرت مفوضة حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي دونجا مياتوفيتش، مؤخراً، تقريراً حول حرية التعبير في تركيا، ناقشت فيه إساءة استخدام القوانين من قبل السلطات التركية ودورها السلبي على حرية التعبير.
وقالت، خلال التقرير، إنه «لا يمكن أن تكون مكافحة الإرهاب ذريعة للتغاضي عن حقوق الإنسان ولا سيما حرية التعبير... القوانين التي تبنتها تركيا من أجل مكافحة الإرهاب جعلت الحياة مستحيلة بالنسبة للناس، وزادت حكومة تركيا من خلال تلك القوانين من قبضتها الأمنية وتعتقل كل شخص يخالفها الرأي». وجه حلف شمال الأطلسي (ناتو) انتقادات للتطورات التي شهدتها تركيا في الفترة الماضية على صعيد الديمقراطية وحقوق الإنسان. وذكر تقرير أعدته الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، في نهاية العام الماضي، أن تركيا هي الدولة الوحيدة ضمن دول الحلف المصنفة كبلد «غير حر».
وقالت أورسولا شميت، العضو في البرلمان الألماني، إن تركيا مرت بتحول مقلق بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها في منتصف يوليو (تموز) عام 2016.
ولفت التقرير، الذي نشر الخميس قبل الماضي، إلى أن حلفاء تركيا الغربيين وجماعات حقوق الإنسان رأوا أن تصرفات حكومة أنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب كانت غير ملائمة. وتم التعبير عن هذا الرأي بشكل متكرر من قبل أعضاء حلف الناتو خلال الدورة السنوية للجمعية في إسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
وتحتل تركيا المرتبة 155 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة، بحسب منظمة «مراسلون بلا حدود»، فضلاً عن احتلالها المرتبة الأولى على مستوى العالم في عدد الصحافيين السجناء، بحسب تقرير للجنة حماية الصحافيين الدولية، صدر في نهاية العام الماضي.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.