صحافة البيانات تحارب الزيف في غرف الأخبار

مؤخراً انتبهت المؤسسات الصحافية العربية إلى أهمية صحافة البيانات في ترسيخ مبادئ المصداقية
مؤخراً انتبهت المؤسسات الصحافية العربية إلى أهمية صحافة البيانات في ترسيخ مبادئ المصداقية
TT

صحافة البيانات تحارب الزيف في غرف الأخبار

مؤخراً انتبهت المؤسسات الصحافية العربية إلى أهمية صحافة البيانات في ترسيخ مبادئ المصداقية
مؤخراً انتبهت المؤسسات الصحافية العربية إلى أهمية صحافة البيانات في ترسيخ مبادئ المصداقية

وسط التدفق المعلوماتي اليومي الذي تتيحه شبكة الإنترنت وما تمثله من مصادر لملايين المعلومات المفتوحة، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقدرتها على سحب البساط من المواقع الإخبارية، كمصدر سريع ومباشر للأخبار، ظهرت حاجة ملحة إلى ترسيخ مفهوم صحافة البيانات، التي تعنى بعرض المعلومات والبيانات الموثقة، وتحليلها وتفسيرها، لتحويل الأرقام الجامدة إلى معلومات تضيف للقارئ، وذلك باستخدام برامح وتطبيقات تزداد دقة وفاعلية يوما بعد آخر.
خلال العقد الماضي، أصبحت صحافة البيانات واحدة من أساسيات العمل في الصحافة الغربية، ليس فقط كونها موثقة ولا تحتمل الخطأ، ولكن أيضا لقدرتها على جذب القارئ، والخروج من فخ النص التقليدي، عن طريق إضافة رسوم بيانية، وخرائط تفاعلية، والجداول وغيرها، ليصبح للمصمم دور رئيسي في نجاح القصة الصحافية، تماما مثلما يلعب المخرج الصحافي دورا رئيسيا في نجاح المطبوعات الإخبارية الورقية.
ومؤخرا انتبهت المؤسسات الصحافية العربية إلى أهمية صحافة البيانات في ترسيخ مبادئ العمق والمصداقية، فتأسست شبكة صحافيي البيانات العرب، التي عقدت مؤتمرها السنوي الثاني خلال شهر مارس (آذار) الحالي، بحضور 300 صحافي من جميع أنحاء العالمين العربي والغربي.
عمرو العراقي، أحد مؤسسي شبكة صحافيي البيانات العرب، والمدير التنفيذي لها، قال لـ«الشرق الأوسط» إن صحافة البيانات لا تقتصر فقط على عرض الأرقام وتحليلها، بل إن صحافة البيانات تطورت لتشمل سرد القصة الصحافية بالاعتماد على البيانات بالكامل، مشيرا إلى آلاف الأرقام والبيانات المتاحة على الإنترنت التي تحتاج إلى من يصيغها في قصة صحافية.
وأكد العراقي أن بناء فريق خاص بصحافة البيانات داخل غرف الأخبار العربية بات يسيرا، حيث من الممكن لشخص واحد أن يملك مهارات فريق كامل من مصمم ومحلل بيانات، وليس على الصحف العربية والمصرية إلا المبادرة بتبني هذا النوع الجديد من الصحافة، مشيرا إلى أن المؤتمر هذا العام ناقش عددا من الموضوعات الجديدة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة، والذي من الممكن أن يحدد اهتمامات وتفضيلات المتلقي بشكل تلقائي، ومثال على ذلك اليوتيوب وفيسبوك.
ويعد عدم إصدار قانون لحرية تداول المعلومات، القاسم المشترك بين عدد من الدول العربية، والذي أحيانا ما يجعل من إنتاج الصحافي لقصة مدفوعة بالبيانات أمرا ليس باليسير، وخاصة «مع عدم توفر الكثير من البيانات على مواقع الإدارات الرسمية»، كما تؤكد الصحافية اللبنانية سجى مرتضى، التي تشير إلى أن قليلا من الصحافيين اللبنانيين يحاولون العمل على مواضيع مدفوعة بالبيانات بحسب إمكانياتهم وقدراتهم، رغم تجاهل المؤسسات الصحافية لهذا النوع.
فوفقا لسجى لا تزال الكثير من المؤسسات الإعلامية اللبنانية تعتقد أن مجرد ذكر رقم في موضوع صحافي، أو عرض إنفوجراف يتضمن أرقاما هو صحافة بيانات، باعتبار أن تطوير الصحافيين وتعليمهم الأساليب والأدوات الخاصة بصحافة البيانات، والعمل على هذا النوع، سيحتاج إلى تمويل وجهد ووقت وكادر خاص، وهو أمر صعب بالنسبة للمؤسسات الصحافية اللبنانية التي تعاني من أزمة حادة في التمويل.
لكن عدم توفر المعلومات من مصادرها الرسمية اللازمة لقصة صحافية لا يعني التوقف عن إجرائها، فيجوز الحصول على المعلومات عن طريق رصد تلك الظاهرة بالصحف مثلا، كما تؤكد صحافية البيانات المتخصصة إيفا كونستانترس، التي ترى أن ذلك ربما يعطينا مؤشرا إلى حجم الظاهرة ووجودها، لحين الوصول إلى أرقام موثقة، في حين تشدد على أنه خلال إجراء الاستبيانات الصحافية يمكن الاستعانة بباحثين محترفين يعملون على بحث أو دراسة في نفس المنطقة، وإضافة الأسئلة الخاصة بالقصة الصحافية، للحصول على نتائج صحيحة.
مواقع التواصل الاجتماعي أيضا من الممكن أن تكون مصدرا مهما لتدفق المعلومات بشرط التأكد منها، كما يؤكد الصحافي الاستقصائي والمدرب أحمد الشامي، مضيفا أن التشكيك في كل ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات أمر غير دقيق تماما، فعن طريق أدوات بحث متاحة يمكن التأكد من مصدر المعلومة، والتحقق من هوية صاحبها، ومدى قربه أو بعده عن الحدث.
يضيف الشامي أنه يمكن التحقق من حقيقة الصور والفيديوهات التي يتم بثها عبر الإنترنت أيضا، وهناك مؤسسات باتت قائمة على بناء قصص حدثت عن بعد عن طريق وسائل البحث والتدقيق والتقصي.


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».