يستضيف «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» بالرباط، إلى غاية 13 أغسطس (آب) المقبل، معرضاً تشكيلياً تحت عنوان «ملحُ أرضي»، تكريماً للفنان المغربي الراحل حسن الكلاوي، الذي يعتبر من الرواد المؤسسين للفن التشكيلي بالمغرب، إذ ساهم في النهوض بالحركة التشكيلية، مخلفاً إرثاً فنياً غنياً ومتميزاً اعتُرف به عالمياً، وظل يحظى بإعجاب وتقدير كبيرين في المغرب وفي الخارج.
ويغطي هذا المعرض المصمم، وفق مسار استعادي، 7 عقود من العمل الفني، تلخصها نحو 100 لوحة من 1940 إلى 2010، تنقل كل واحدة منها لجانب من الروح المغربية.
ويجد الزائر نفسه أمام محاور كثيرة تنقل تجربة وحياة حسن الكلاوي الإنسان والفنان، تحمل عناوين، بينها «علبة الذكريات» و«صور ذاتية» و«صور عائلية» و«الطبيعيات الميتة» و«حياة خاصة - عمومية» و«الأعمال البواكر» و«خيول وخيالة» و«شغف الفروسية»، فضلاً عن جدول زمني.
وحسن الكلاوي، الذي ولد بمراكش في 1924، هو أحد أبناء الباشا التهامي الكلاوي، من أشهر الشخصيات السياسية التي طبعت مغرب القرن العشرين، خصوصاً خلال فترة الاستعمار الفرنسي.
وأثرت علاقة النسب مع الباشا الكلاوي كثيراً في حياة ومسار حسن الكلاوي، خصوصاً من جانب استثمار علاقات وصداقات الوالد لعدد من القادة السياسيين في العالم، الذين يبقى أبرزهم رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، الذي حين نقل إليه الباشا الكلاوي، خلال إحدى زياراته لمراكش، تبرمه من رغبة ابنه حسن في دراسة واحتراف الفن التشكيلي، عمل، بعد اطلاعه على عدد من أعمال هذا الابن واقتناعه بموهبته الفنية، على إقناع الأب بالسماح له بمتابعة مسار الفن والألوان. وكذلك كان، حيث يشد حسن الكلاوي الرحال إلى باريس، في 1950، لدراسة الفن بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة. وبعد أن قضى بعاصمة الأنوار 15 سنة، عاد حسن الكلاوي نهائياً إلى المغرب، حيث استقر بالرباط، بعد أن كان أقام سنةً قبل ذلك معرضاً بالدار البيضاء فرض به قيمته بين نقاد وعشاق الفن التشكيلي في المغرب، قبل أن ينال عدد من أعماله شهرة عالمية.
ونقرأ للكاتب والناقد محمد أديب السلاوي، تحت عنوان «التشكيل المغربي يمتطي ظهر الأحصنة الجمالية»: «استطاع حسن الكلاوي، منذ بداياته الأولى، مطلع خمسينيات القرن الماضي، أن يخط لنفسه بصمة واضحة في الحركة التشكيلية المغربية. لوحاته استقطبت كل العناصر الإبداعية المتصلة بالفرس، بالتبوريدة (الفروسية التقليدية)، والتزمت صياغاتها الزخرفية بالتراث العتيق وبالواقعية. إن أسلوب حسن الكلاوي، يمثل المدرسة التشخيصية. إنه رأى في الفرس منذ البداية كائناً تشريحياً ليس فقط من خلال ألعابه وسباقاته ومعاركه الحربية، ولكن أيضاً من خلال بروز تقاطيع جسده، وتناسقها ورشاقتها وجماليتها الفائقة، كما رأى في الفروسية ومواسمها واحتفالاتها وصراعاتها ميراثاً وطنياً يبرز الهوية الإبداعية، كما يبرز الهوية الثقافية. تميزت أعمال حسن الكلاوي بألوانها الترابية، وبعنايتها الفائقة بالبيئة المغربية، خصوصاً بيئة الجنوب المغربي، حيث مسقط رأس مبدعها. أعماله التشكيلية، بقدر انتمائها إلى المدرسة الانطباعية، تحاول في الكثير منها، الاقتراب من المدرسة الواقعية، وفي الحالتين تسعى إلى طرح مفهوم ثابت للأصالة الإبداعية على مساحاتها اللونية».
بالنسبة للكاتب الطاهر بنجلون، فـ«أعمال حسن الكلاوي تشير إلى الأضواء، موسيقى تجسد ألوان البلد، مقترحة علينا رحلة زرقاء، زرقاء كالتربة الحمراء لمراكش، زرقاء كالسماء التي تنحدر بين الأصفر والأحمر والأبيض في مشهد باذخ، حيث الخيول والرجال، ووجوه الطفولة وباقات من الورود، وأشياء فريدة تملأ خيال رجل يرصد اللحظة المنفلتة، ساعياً إلى القبض عليها، هنا، على لوحة حتى وإن كانت تفيض، كما لو أنها غير مكتملة».
وكتب عبد العزيز الإدريسي، مدير «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» بالرباط، في تقديم «ملح أرضي»، أن المعرض يأتي «للاحتفال بعمل الراحل حسن الكلاوي، أحد أهم الشخصيات في الحداثة الفنية المغربية»، قبل أن يستعرض طريقة اشتغال الفنان الراحل وما ميز تجربته واختياراته الفنية ضمن المشهد التشكيلي المغربي.
من جهته، كتب مهدي قطبي، رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف، أن «ملح أرضي» يقدم للزوار «رحلة جميلة عبر الفترات المختلفة التي عبرها والموضوعات التي عالجها هذا الفنان في أعماله: مشاهد ساحرة للفرسان المرسومة ببراعة في تراكيب أثيرية ومتوازنة إذ تخلق أسلوباً فريداً سيشكل نوعاً في التصوير بالمغرب». كما أشار قطبي إلى أن المعرض يهدف إلى «أن يكون موضوعياً بقدر ما هو تعليمي، بفضل الترتيب الزمني - الموضوعي لمجموعة رائعة مختارة من أعمال الكلاوي التي تقدم تطور أعماله، منذ إبداعاته الأولى المستوحاة من فناني التوحشية إلى مشاهده الجوية بألوان زاهية وهادئة».
من جهتها، عادت ثورية الكلاوي، ابنة الفنان الراحل ومنسقة المعرض، إلى أيام الطفولة حين كانت تقف خلف الباب، حيث كان والدها مشغولاً بصمت في الفوضى الرائعة للورشة، قبل أن تكتب: «أظهر الشاب حسن الكلاوي ميله للرسم في وقت مبكر جداً، حتى سمحت والدته للا زينب بإعداد غرفة خاصة به في مقر إقامة العائلة، مثلت أول ورشة له. ومع ذلك، يجب أن يكون النشاط، فقط، موضوعاً لنشاط ترفيهي يتم التساهل فيه وممارسته خلال أوقات الفراغ. بالولادة، كان الفتى موعوداً بمصير مختلف تماماً: كان جدي، الذي كان وقتها باشا مراكش، يحضر أبناءه لوظائف إدارية تجعلهم خداماً متحمسين للسلطة. علاوة على ذلك، فأصوله كقائد بربري كبير، ينحدر من الأطلس الكبير، دفعته إلى حمل الأسلحة أكثر من استخدام الفُرَش. فقد كان الوريث للعادات والتقاليد التي لم يكن من المفترض الانتقاص منها. وقد تطلب الأمر شفاعة من ضيف رفيع لكي يتم هدّ مشروع الأب.
في عام 1937، حل السير وينستون تشرشل، للمرة الأولى، ضيفاً على الباشا الكلاوي في قصبة تلوات، حيث انبهر بألوان الجنوب المغربي، وزرع الحامل الخاص به هناك، ليكتشف أن الرسم كان شغفاً ظل ينغمس فيه كلما رغب في التخفف من أعباء العمل السياسي. وخلال إقامته بمراكش، تعرف على أعمال والدي المبكرة، ليستقبلها بلطف مع التقدم بتوصية للكلاوي بعدم الوقوف في طريق اختيارات ابنه الفنية. وكذلك كان، إذ سرعان ما سيطير حسن إلى باريس، حيث ستكون بدايات حياته الفنية الطويلة».
«ملحُ أرضي»... معرض بالرباط تكريماً لحسن الكلاوي
خطّ لنفسه بصمة واضحة في الحركة التشكيلية المغربية
«ملحُ أرضي»... معرض بالرباط تكريماً لحسن الكلاوي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة