«مستقبل أوروبا هو في المفاضلة بين الذين يدافعون عن الهجرة والذين يقفون ضدّها»... بهذه العبارات الجازمة افتتح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حملة حزبه اليميني للانتخابات الأوروبية المقبلة. وهي انتخابات تعوّل عليها القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبويّة لإعادة رسم المشروع الأوروبي، وتقليص صلاحيات المفوّضية، وتحجيم دورها في توجيه السياسات والملفّات الأوروبية الرئيسية.
وفي هذه الأثناء كان ماتّيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزعيم حزب «الرابطة» اليميني المتطرف، يرفع الستار في العاصمة الأوروبية روما عن «مشروعه» الأوروبي، الذي قال إنه يهدف من ورائه ليكون الحزب الأوروبي الأول في الانتخابات المقبلة «ويحقق حلماً أوروبيّاً يراود كثيرين، رغم أن البعض يعيشونه مثل كابوس في بروكسل».
الأوزان الثقيلة في المشهد الأوروبي اليميني المتطرّف، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والفرنسية مارين لوبان والهولندي خيرت فيلدرز، تخلّفت عن الموعد الذي كان ماتّيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزعيم حزب «الرابطة» اليميني المتطرف، يحضّر له منذ أشهر. والسبب هو أن الثقة بين أفراد العائلة اليمينية المتطرّفة ما زالت ضعيفة، ولا يوجد إجماع حقيقي حتى الآن على «قائد» للقوّات التي منذ سنوات توجّه مدفعيتها نحو أسوار الحصن الأوروبي، وهذا رغم لقب «القبطان» الذي خلعه مناصرو سالفيني على زعيمهم والمدائح التي يكيلها له نظراؤه.
ولقد اكتفى سالفيني، في الوقت الحاضر، بتقديم «مشروعه» محفوفاً بالفنلندي أولّي كوترو والألماني جورغ موتين والدنماركي أندرز فيستيسن. وأطلق العنان لتفاؤله مستنداً إلى النتائج الجيّدة التي حققها حزبه في الانتخابات الفرعية والإقليمية الإيطالية. وبالتالي، توقّع أن تحصل «الدولية السياديّة» على ثلث المقاعد في البرلمان الأوروبي المقبل لتشكّل الكتلة الأولى «التي ستغيّر أوروبا عندما يرفع الشعب رأسه».
بيد أن تشكيل كتلة برلمانية أوروبية يقتضي التحالف بين سبعة أحزاب على الأقل. وسالفيني ما زال بعيداً عن تحقيق هذا الهدف رغم تأكيده بأنه سيُعلَن عن «الجبهة العريضة» في المهرجان الكبير الذي يجري الإعداد له في مدينة ميلانو يوم 18 مايو (أيار) المقبل. وينتظر أن ينضم إلى «المشروع» الحزب اليميني المتطرف في إسبانيا «فوكس»، وربما أوربان... الذي لم يحسم أمره بعد بشأن البقاء في «التكتل الشعبي الأوروبي» (تكتل الأحزاب المحافظة واليمينية) أو الخروج منه.
- أوج تباين
أوجه التباين كثيرة بين هذه القوى والأحزاب التي تحرص كلّها على حصر القرار في المؤسسات الوطنية، وتجد صعوبة في الانضواء ضمن مشروع يقوده شخص واحد. ويعترف سالفيني بذلك عندما يقول «إننا ننتمي إلى عائلات سياسية مختلفة، لكن المهم هو توسيع إطار التحالف لتحقيق الحلم الأوروبي الجديد». أما التناغم فيبلغ درجات عالية في الخطاب السياسي الجامع الذي يوجّه سهامه إلى الأهداف ذاتها: المؤسسة الأوروبية... قطاع المصارف... والبيروقراطيون الذين «يقضون على الحلم الأوروبي». لكن حتى الآن لم يقدّم أي من هذه الأحزاب برنامجاً متكاملاً أو حلولاً للمشاكل التي تواجه الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أن الذين يشاركون في الحكومات لم ينجحوا حتى الآن في معالجة الأزمات الحقيقية التي تعاني منها بلدانهم. وهؤلاء يجدون صعوبة كبيرة في التوفيق بين الأهداف والمصالح المحلية من جهة والانضباط ضمن استراتيجية موحّدة على الصعيد الأوروبي من جهة أخرى.
- الهجرة... الغاية الجامعة
حتى الآن الصمغ الوحيد الذي يجمع بين هذه الأحزاب هو محاربة الهجرة، التي تشكّل في نظرها الخطر الوحيد تقريباً الذي «يتهدّد ثقافة أوروبا المسيحية في المستقبل»، كما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. ومن ثم، اقترح أن يعود للحكومات الوطنية قرار السماح بالهجرة من خارج الاتحاد أو منعها، جاعلاً منه البند الأوّل في برنامجه الانتخابي.
وكانت تصريحات أوربان وسياساته اليمينية المتطرفة قد دفعت بالمؤسسات الأوروبية - للمرة الأولى في تاريخها - إلى فرض عقوبات على المجر لتقويضها القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي. ومن بين تلك السياسات، القانون الذي يلحظ عقوبات بالسجن على الأفراد أو المجموعات التي تساعد المهاجرين غير الشرعيين أو تقدّم لهم المشورة، مع العلم، أن عدد الأجانب في المجر لا يتجاوز 1.5 في المائة من مجموع السكّان، وأن طلبات اللجوء تراجعت بنسبة 98 5 في المائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفقاً لبيانات «المرصد الأوروبي للهجرة».
وفي هذا الصدد، يقول غابور غيولاي، مدير برنامج اللجوء في «لجنة هلسنكي المجرية»، عن أوربان أنه «منافق، يدّعي الدفاع عن القيم المسيحية في أوروبا، لكنه يرمي بالأطفال في مراكز الاعتقال، ويمنع الطعام عن اللاجئين على حدود الاتحاد الأوروبي رغم القرار الذي صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإلزامه تقديم الطعام لهم». ومعروفٌ، أن أوربان يشنّ منذ سنوات حرباً شعواء على جورج سوروس، الملياردير الأميركي المتحدر من أصل مجري، الذي يموّل مشاريع ومنظمات مدنية تساعد المهاجرين وتعزّز التعدّد العرقي والثقافي.
كذلك، بعدما فرضت الحكومة المجرية ضرائب باهظة على المنظمات غير الحكومية التي تتلقّى مساعدات من الخارج، أطلق أوربان حملة واسعة ضد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، واتهمه «بالتواطؤ مع سوروس» على تشجيع الهجرة غير الشرعية إلى المجر. هذه الخطوة دفعت «التكتل الشعبي الأوروبي» - الذي ينتمي إليه أوربان - إلى مطالبته بالاعتذار ووقف الحملة، «والكفّ عن إلحاق الأذى بالحزب»... كما جاء على لسان الألماني مانفريد ويبير، المرشّح الأوفر حظّاً حتى الآن لرئاسة المفوضية بعد الانتخابات الأوروبية المقبلة.
«التكتل الشعبي الأوروبي»، الذي يشكّل حالياً الكتلة اليمينية الرئيسية في البرلمان الأوروبي، لم يجرؤ على طرد حزب أوربان، بل اكتفى بتعليق عضويته في انتظار نتائج الانتخابات الأوروبية المقبلة. لكن، من المستبعد أن يبقى أوربان داخل التكتل المحافظ في البرلمان الأوروبي بعد انتخابات الشهر المقبل. ويرجّح أن يفاضل بين خيارين: إما الانضمام إلى المشروع الذي يتزعّمه صديقه الإيطالي سالفيني، أو التحالف مع حزب القانون والعدالة الكاثوليكي المتطرّف والحاكم في بولندا، الذي قال أوربان إنه يميل إلى التعاون معه في حال الخروج من «التكتل الشعبي الأوروبي».
- صعود سالفيني
الدوائر الأوروبية تقلّل من خطورة الظاهرة الشعبوية في المشهد السياسي على امتداد القارة، وترى فيها ظاهرة عابرة تولّدت من رحم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وأنها محكومة بالانحسار التدرّجي بسبب افتقارها لقاعدة آيديولوجية راسخة وتجربة تاريخية طويلة.
من ناحية ثانية، يتوقّع المراقبون أن يتوزّع التأييد الذي تتمتع به هذه التيارات حالياً على الأحزاب التقليدية التي بدأت ترسم استراتيجيات لاستعادة الأعداد الكبيرة من المؤيدين الذين هجروها محبطين، أو خائبين، في السنوات الأخيرة. ولكن، مع هذا، تعتبر هذه الدوائر أن الخطر الحقيقي الداهم هو الصعود اليميني (الآيديولوجي) المتطرّف الذي أصبح قاسماً مشتركاً في كل الدول الأعضاء، وبات له روافد وامتدادات وطيدة خارج الحدود الأوروبية، من واشنطن إلى موسكو مروراً بآسيا وأميركا اللاتينية.
الخطر الأكبر على المشروع الأوروبي في الوقت الراهن، في رأي الدوائر الأوروبية، يحمل اسم سالفيني. فهو النجم الصاعد في صفوف اليمين المتطرّف بسرعة تجاوزت كل التوقعات، والسياسي الذي يمسك بزمام الحكم في إحدى الدول المؤسسة الرئيسية للاتحاد. وبخاصة، أنه يتمتع ببراعة مشهودة في التواصل ومهارة فائقة في افتراص المناسبات والظروف السانحة، وعلاقات وطيدة مع الأوساط اليمينية المحافظة في الاتحاد الروسي والولايات المتحدة.
وحقاً، استطاع سالفيني في أقل من خمس سنوات أن يحوّل حزب «الرابطة» - الذي كان ينادي بانفصال أقاليم الشمال الغنيّة عن إيطاليا - إلى ما يشبه الحركة «الترمبيّة» المتوسطية. وأطلق «رصاصة الرحمة» على التوازن الدقيق الذي كان قائماً منذ عقود بين القوى السياسية الإيطالية. ثم ألقى إيطاليا في عاصفة من الضجيج والغضب... وكان أبرع الذين أبحروا بين أنوائها. بل، أنه حوّل وزارة الداخلية إلى برنامج تلفزيوني دائم ينقل عبره كل تحرّكاته وأنشطته على مدار الساعة، مستنداً إلى منصّة متطورة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعى «الوحش»، يتجاوز عدد متابعيها كل المنصّات السياسية الأوروبية الأخرى. غير أن القوة الحقيقية التي تقف وراء هذا الصعود السريع لسالفيني هي غريزته الكاسرة التي أخطأ خصومه في تقديرها، والتي بنى عليها استراتيجية هجومية لم تكفّ عن قصف الأهداف المعادية من المهاجرين إلى اليسار الإيطالي – في رأيه «سبب كل العلل» - مروراً بالمفوضية الأوروبية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمنظمات الإنسانية... التي يواصل اتهامها بالتواطؤ مع الجريمة المنظمة التي تتاجر بالأشخاص.
- منتدى دافوس
في المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير الذي عُقد في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي في منتجع دافوس السويسري، سألت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبّي كونتي حول ما إذا كان سالفيني يناصب ألمانيا العداء لكثرة الانتقادات التي يوجهها لسياسة برلين، فأجابها كونتي بأن نائبه «يرى الأعداء في كل الاتجاهات».
إلا أن الشخصية الحقيقية لهذا «الذئب الوحيد»، الذي أصبح الجلّاد الأكبر للمشروع الأوروبي، ما زالت لغزاً حتى بالنسبة للمقرّبين منه ومواكبي مسيرته منذ سنوات. فهو بدأ نشاطه السياسي ضمن حركة الشباب الشيوعي على مقاعد الجامعة، حيث لم يكمل دراسته، إلى أن أصبح يحمل الإنجيل وسبحة الصلاة في مهرجاناته السياسية التي يواظب على تنظيمها كل أسبوع تقريباً. لكن الفاتيكان لم يتجاوب بعد مع الطلب الذي تقدّم به منذ الصيف الماضي لمقابلة البابا فرنسيس، رغم أن منزله يعجّ بتماثيل العذراء «التي يهديها إياها مناصروه» كما يقول أحد أصدقائه. ثم يضيف هذا الصديق «معظم الحيوانات تستشعر قدوم العواصف، فتضطرب وتبحث عن ملجأ تأوي إليه، وقلّة تغتنم العاصفة لتقضي على كل شيء حولها... سالفيني من هذه القلّة».
دخل سالفيني الحكومة الإيطالية، مطلع الصيف الماضي ومعه نصف أصوات شركائه في «حركة النجوم الخمس». بيد أن الاستطلاعات تُجمِع منذ أشهر على أن حزبه سيتصدّر المشهد السياسي الإيطالي في الانتخابات المقبلة بعدما كانت شعبيته لا تتجاوز 4 في المائة عندما كان يحصر نشاطه في أقاليم الشمال، التي كان ينادي باستقلالها ويوجّه انتقادات عنصرية وقاسية ضد الأقاليم الجنوبية وسكانها. لكن سنوات ثلاث فقط كانت كافية لكي تتسع رقعة نفوذ «الرابطة» على امتداد الجغرافيا الإيطالية بقيادة سالفيني، الذي فاز بمقعده في مجلس الشيوخ عن إقليم كالابريا بأقصى جنوب شبه الجزيرة الإيطالية. وامتصّ شعبية الملياردير اليميني سيلفيو برلوسكوني، الذي تعامل معه بفوقيّة قبل أن يتودّد اليوم إليه ليل نهار، ويحاول إقناعه بالتخلّي عن «حركة النجوم الخمس» لقيادة جبهة يمينية عريضة.
- تخصيب أرضية الإرهاب
سالفيني يتوعّد في مهرجاناته الانتخابية بأن يحصل التحالف اليميني الذي يشكّله على ثلث مقاعد البرلمان الأوروبي في انتخابات الشهر المقبل، وبذا يغدو الكتلة البرلمانية الأولى والقوة الوازنة لتحديد مسار المؤسسات الأوروبية ورسم سياساتها. ومن جانبها، لم تعد الدوائر الأوروبية تستبعد مثل هذا «السيناريو»، الذي يرى أحد المسؤولين أنه سيكون أشدّ خطورة من أزمة عام 2008 المالية وتداعياتها، وأكثر تعقيداً من قرار البريطانيين مغادرة «قطار» الاتحاد الأوروبي. وبالفعل، يخشى محللون في «مركز الدراسات الاستراتيجية»، التابع للمفوضية، أن يدفع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة نحو مراكز القرار داخل المؤسسات الأوروبية إلى تخصيب أرضيّة الإرهاب داخل البيت الأوروبي، إذا استمرّ التضييق على المهاجرين وملاحقتهم تحت شعارات الحفاظ على نقاء العرق وصون الثقافة المسيحية.
- المجر... في بؤرة الحدث
لا يزيد عدد سكّان المجر على عشرة ملايين نسمة، أي أقل بنسبة 10 في المائة مما كان عليه مطلع تسعينات القرن الماضي. وتعاني المجر من أعلى معدّلات المسنّين في أوروبا، ومن نقص حاد في اليد العاملة، في حين لا يتجاوز عدد الأجانب فيها 1.5 في المائة من عدد السكان.
رغم ذلك، يثير موضوع الهجرة حساسية كبيرة في المشهد السياسي والاجتماعي المجري، ولا سيما، بعد أزمة عام 2015 عندما تدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين إلى الحدود المجرية في الطريق إلى بلدان الشمال الأوروبي، وبخاصة ألمانيا. وبعد أربع سنوات على تلك الموجة أغلقت المجر حدودها كلّياً في وجه المهاجرين، مع مطالبة رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان «بحق الدول الأوروبية في رفض دخول المهاجرين ضد إرادتها».
وفي المقابل، تشكو منظمات حقوقية في المجر من انعدام النقاش الحقيقي في البلاد حول موضوع الهجرة بسبب «سيطرة الحكومة على 80 في المائة من وسائل الإعلام».
- «الظاهرة السالفينية»... في حاضر أوروبا ومستقبلها
أمضى ماتّيو سالفيني 11 سنة نائباً في البرلمان الأوروبي منذ عام 2004 حتى الانتخابات العامة الأخيرة في إيطاليا. إلا أنه لم يُعرف له نشاط يذكر في المؤسسة الأوروبية - كما يقول أحد زملائه - إلى أن بدأ يقيم علاقة وثيقة بالمستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب والناشط اليميني المتطرف ستيف بانون، وكذلك بالبرلماني الروسي فيكتور زوباريف المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذان الرجلان ساعدا القيادي الشعبوي اليميني الإيطالي على إرساء منصّته الإلكترونية. وكانت هذه أداة أساسية اعتمد عليها لرصد مواطن الاستياء الشعبي، وشنّ منها هجماته على المؤسسات الأوروبية، بعدما ارتفع عدد المهاجرين الذين دخلوا إيطاليا من 40 ألفاً عام 2013 إلى 620 ألفاً في العام الماضي، قبل أن يتولى حقيبة وزارة الداخلية.
وبالتالي، كثيرة هي المقارنات بين الاحتشاد الشعبي وراء سالفيني اليوم والصعود السريع للزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني مطلع عشرينات القرن الماضي. ويقول جيانّي فافا الذي كان المنافس الوحيد لسالفيني في انتخابات الحزب الأولية، إنه «يتقن قراءة الشارع ويُسمِع الناس ما يطربون له بلغة بسيطة ومباشرة... يستشعر وجهة الرياح ويتكيّف معها بسرعة وبراعة».
وما يذكر، أن سالفيني طوى صفحة مؤسس «رابطة الشمال» أومبرتو بوسّي. ثم أقصى «عرّابه» الذي تخلّى له عن زعامة الحزب روبرتو ماروني. ثم قطع حبل الصرّة الذي كان يربطه بالماضي الانفصالي عندما دعا أخيراً إلى مظاهرة وطنية حاشدة في روما، تقاطرت عليها الوفود من الجنوب أكثر من الشمال، وملأت «ساحة الشعب» التي ضاقت بهتافات المنادين بحياة «الكابتن» Il Capitano.
وتزداد الخشية في الأوساط الأوروبية هذه الأيام من حصول سالفيني على 40 في المائة من الأصوات في الانتخابات المقبلة. إذ يتيح القانون الانتخابي الإيطالي - الذي أقر في العام الماضي - للحزب الذي يتجاوز عتبة الـ40 في المائة أن يحكم بمفرده من غير الحاجة إلى التحالفات التي تشكّل إحدى اللوازم الثابتة في السياسة الإيطالية منذ عقود.
وكشفت مصادر إعلامية إيطالية قبل أسابيع عن وجود علاقة وثيقة بين حزب «الرابطة» وجماعة الضغط الأميركية اليمينية الواسعة النفوذ «الرابطة الوطنية للبنادق» NRA، التي يعتقد أنها تموّل حملات سالفيني. ويقال إن إحداها أثمرت أخيراً أول قانون من نوعه في الاتحاد الأوروبي يجيز استخدام السلاح في حالة الدفاع عن النفس والشعور بالخطر عند انتهاك حرمة الممتلكات الخاصة. ولقد وعد سالفيني - الذي وصف إقرار القانون بـ«النصر التاريخي» - بتقديم اقتراح جديد يسهّل إجراءات شراء الأسلحة النارية الفردية وحيازتها.