الانتخابات الأوروبية «عتبة» تاريخية لليمين المتطرّف

بين القلق من تحالف «الشعبويين»... واعتبارهم ظاهرة عابرة

فيكتور أوربان - ماتّيو سالفيني
فيكتور أوربان - ماتّيو سالفيني
TT

الانتخابات الأوروبية «عتبة» تاريخية لليمين المتطرّف

فيكتور أوربان - ماتّيو سالفيني
فيكتور أوربان - ماتّيو سالفيني

«مستقبل أوروبا هو في المفاضلة بين الذين يدافعون عن الهجرة والذين يقفون ضدّها»... بهذه العبارات الجازمة افتتح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حملة حزبه اليميني للانتخابات الأوروبية المقبلة. وهي انتخابات تعوّل عليها القوى والأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبويّة لإعادة رسم المشروع الأوروبي، وتقليص صلاحيات المفوّضية، وتحجيم دورها في توجيه السياسات والملفّات الأوروبية الرئيسية.
وفي هذه الأثناء كان ماتّيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزعيم حزب «الرابطة» اليميني المتطرف، يرفع الستار في العاصمة الأوروبية روما عن «مشروعه» الأوروبي، الذي قال إنه يهدف من ورائه ليكون الحزب الأوروبي الأول في الانتخابات المقبلة «ويحقق حلماً أوروبيّاً يراود كثيرين، رغم أن البعض يعيشونه مثل كابوس في بروكسل».

الأوزان الثقيلة في المشهد الأوروبي اليميني المتطرّف، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والفرنسية مارين لوبان والهولندي خيرت فيلدرز، تخلّفت عن الموعد الذي كان ماتّيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزعيم حزب «الرابطة» اليميني المتطرف، يحضّر له منذ أشهر. والسبب هو أن الثقة بين أفراد العائلة اليمينية المتطرّفة ما زالت ضعيفة، ولا يوجد إجماع حقيقي حتى الآن على «قائد» للقوّات التي منذ سنوات توجّه مدفعيتها نحو أسوار الحصن الأوروبي، وهذا رغم لقب «القبطان» الذي خلعه مناصرو سالفيني على زعيمهم والمدائح التي يكيلها له نظراؤه.
ولقد اكتفى سالفيني، في الوقت الحاضر، بتقديم «مشروعه» محفوفاً بالفنلندي أولّي كوترو والألماني جورغ موتين والدنماركي أندرز فيستيسن. وأطلق العنان لتفاؤله مستنداً إلى النتائج الجيّدة التي حققها حزبه في الانتخابات الفرعية والإقليمية الإيطالية. وبالتالي، توقّع أن تحصل «الدولية السياديّة» على ثلث المقاعد في البرلمان الأوروبي المقبل لتشكّل الكتلة الأولى «التي ستغيّر أوروبا عندما يرفع الشعب رأسه».
بيد أن تشكيل كتلة برلمانية أوروبية يقتضي التحالف بين سبعة أحزاب على الأقل. وسالفيني ما زال بعيداً عن تحقيق هذا الهدف رغم تأكيده بأنه سيُعلَن عن «الجبهة العريضة» في المهرجان الكبير الذي يجري الإعداد له في مدينة ميلانو يوم 18 مايو (أيار) المقبل. وينتظر أن ينضم إلى «المشروع» الحزب اليميني المتطرف في إسبانيا «فوكس»، وربما أوربان... الذي لم يحسم أمره بعد بشأن البقاء في «التكتل الشعبي الأوروبي» (تكتل الأحزاب المحافظة واليمينية) أو الخروج منه.

- أوج تباين
أوجه التباين كثيرة بين هذه القوى والأحزاب التي تحرص كلّها على حصر القرار في المؤسسات الوطنية، وتجد صعوبة في الانضواء ضمن مشروع يقوده شخص واحد. ويعترف سالفيني بذلك عندما يقول «إننا ننتمي إلى عائلات سياسية مختلفة، لكن المهم هو توسيع إطار التحالف لتحقيق الحلم الأوروبي الجديد». أما التناغم فيبلغ درجات عالية في الخطاب السياسي الجامع الذي يوجّه سهامه إلى الأهداف ذاتها: المؤسسة الأوروبية... قطاع المصارف... والبيروقراطيون الذين «يقضون على الحلم الأوروبي». لكن حتى الآن لم يقدّم أي من هذه الأحزاب برنامجاً متكاملاً أو حلولاً للمشاكل التي تواجه الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن أن الذين يشاركون في الحكومات لم ينجحوا حتى الآن في معالجة الأزمات الحقيقية التي تعاني منها بلدانهم. وهؤلاء يجدون صعوبة كبيرة في التوفيق بين الأهداف والمصالح المحلية من جهة والانضباط ضمن استراتيجية موحّدة على الصعيد الأوروبي من جهة أخرى.

- الهجرة... الغاية الجامعة
حتى الآن الصمغ الوحيد الذي يجمع بين هذه الأحزاب هو محاربة الهجرة، التي تشكّل في نظرها الخطر الوحيد تقريباً الذي «يتهدّد ثقافة أوروبا المسيحية في المستقبل»، كما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. ومن ثم، اقترح أن يعود للحكومات الوطنية قرار السماح بالهجرة من خارج الاتحاد أو منعها، جاعلاً منه البند الأوّل في برنامجه الانتخابي.
وكانت تصريحات أوربان وسياساته اليمينية المتطرفة قد دفعت بالمؤسسات الأوروبية - للمرة الأولى في تاريخها - إلى فرض عقوبات على المجر لتقويضها القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي. ومن بين تلك السياسات، القانون الذي يلحظ عقوبات بالسجن على الأفراد أو المجموعات التي تساعد المهاجرين غير الشرعيين أو تقدّم لهم المشورة، مع العلم، أن عدد الأجانب في المجر لا يتجاوز 1.5 في المائة من مجموع السكّان، وأن طلبات اللجوء تراجعت بنسبة 98 5 في المائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وفقاً لبيانات «المرصد الأوروبي للهجرة».
وفي هذا الصدد، يقول غابور غيولاي، مدير برنامج اللجوء في «لجنة هلسنكي المجرية»، عن أوربان أنه «منافق، يدّعي الدفاع عن القيم المسيحية في أوروبا، لكنه يرمي بالأطفال في مراكز الاعتقال، ويمنع الطعام عن اللاجئين على حدود الاتحاد الأوروبي رغم القرار الذي صدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإلزامه تقديم الطعام لهم». ومعروفٌ، أن أوربان يشنّ منذ سنوات حرباً شعواء على جورج سوروس، الملياردير الأميركي المتحدر من أصل مجري، الذي يموّل مشاريع ومنظمات مدنية تساعد المهاجرين وتعزّز التعدّد العرقي والثقافي.
كذلك، بعدما فرضت الحكومة المجرية ضرائب باهظة على المنظمات غير الحكومية التي تتلقّى مساعدات من الخارج، أطلق أوربان حملة واسعة ضد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، واتهمه «بالتواطؤ مع سوروس» على تشجيع الهجرة غير الشرعية إلى المجر. هذه الخطوة دفعت «التكتل الشعبي الأوروبي» - الذي ينتمي إليه أوربان - إلى مطالبته بالاعتذار ووقف الحملة، «والكفّ عن إلحاق الأذى بالحزب»... كما جاء على لسان الألماني مانفريد ويبير، المرشّح الأوفر حظّاً حتى الآن لرئاسة المفوضية بعد الانتخابات الأوروبية المقبلة.
«التكتل الشعبي الأوروبي»، الذي يشكّل حالياً الكتلة اليمينية الرئيسية في البرلمان الأوروبي، لم يجرؤ على طرد حزب أوربان، بل اكتفى بتعليق عضويته في انتظار نتائج الانتخابات الأوروبية المقبلة. لكن، من المستبعد أن يبقى أوربان داخل التكتل المحافظ في البرلمان الأوروبي بعد انتخابات الشهر المقبل. ويرجّح أن يفاضل بين خيارين: إما الانضمام إلى المشروع الذي يتزعّمه صديقه الإيطالي سالفيني، أو التحالف مع حزب القانون والعدالة الكاثوليكي المتطرّف والحاكم في بولندا، الذي قال أوربان إنه يميل إلى التعاون معه في حال الخروج من «التكتل الشعبي الأوروبي».

- صعود سالفيني
الدوائر الأوروبية تقلّل من خطورة الظاهرة الشعبوية في المشهد السياسي على امتداد القارة، وترى فيها ظاهرة عابرة تولّدت من رحم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وأنها محكومة بالانحسار التدرّجي بسبب افتقارها لقاعدة آيديولوجية راسخة وتجربة تاريخية طويلة.
من ناحية ثانية، يتوقّع المراقبون أن يتوزّع التأييد الذي تتمتع به هذه التيارات حالياً على الأحزاب التقليدية التي بدأت ترسم استراتيجيات لاستعادة الأعداد الكبيرة من المؤيدين الذين هجروها محبطين، أو خائبين، في السنوات الأخيرة. ولكن، مع هذا، تعتبر هذه الدوائر أن الخطر الحقيقي الداهم هو الصعود اليميني (الآيديولوجي) المتطرّف الذي أصبح قاسماً مشتركاً في كل الدول الأعضاء، وبات له روافد وامتدادات وطيدة خارج الحدود الأوروبية، من واشنطن إلى موسكو مروراً بآسيا وأميركا اللاتينية.
الخطر الأكبر على المشروع الأوروبي في الوقت الراهن، في رأي الدوائر الأوروبية، يحمل اسم سالفيني. فهو النجم الصاعد في صفوف اليمين المتطرّف بسرعة تجاوزت كل التوقعات، والسياسي الذي يمسك بزمام الحكم في إحدى الدول المؤسسة الرئيسية للاتحاد. وبخاصة، أنه يتمتع ببراعة مشهودة في التواصل ومهارة فائقة في افتراص المناسبات والظروف السانحة، وعلاقات وطيدة مع الأوساط اليمينية المحافظة في الاتحاد الروسي والولايات المتحدة.
وحقاً، استطاع سالفيني في أقل من خمس سنوات أن يحوّل حزب «الرابطة» - الذي كان ينادي بانفصال أقاليم الشمال الغنيّة عن إيطاليا - إلى ما يشبه الحركة «الترمبيّة» المتوسطية. وأطلق «رصاصة الرحمة» على التوازن الدقيق الذي كان قائماً منذ عقود بين القوى السياسية الإيطالية. ثم ألقى إيطاليا في عاصفة من الضجيج والغضب... وكان أبرع الذين أبحروا بين أنوائها. بل، أنه حوّل وزارة الداخلية إلى برنامج تلفزيوني دائم ينقل عبره كل تحرّكاته وأنشطته على مدار الساعة، مستنداً إلى منصّة متطورة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعى «الوحش»، يتجاوز عدد متابعيها كل المنصّات السياسية الأوروبية الأخرى. غير أن القوة الحقيقية التي تقف وراء هذا الصعود السريع لسالفيني هي غريزته الكاسرة التي أخطأ خصومه في تقديرها، والتي بنى عليها استراتيجية هجومية لم تكفّ عن قصف الأهداف المعادية من المهاجرين إلى اليسار الإيطالي – في رأيه «سبب كل العلل» - مروراً بالمفوضية الأوروبية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمنظمات الإنسانية... التي يواصل اتهامها بالتواطؤ مع الجريمة المنظمة التي تتاجر بالأشخاص.

- منتدى دافوس
في المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير الذي عُقد في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي في منتجع دافوس السويسري، سألت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبّي كونتي حول ما إذا كان سالفيني يناصب ألمانيا العداء لكثرة الانتقادات التي يوجهها لسياسة برلين، فأجابها كونتي بأن نائبه «يرى الأعداء في كل الاتجاهات».
إلا أن الشخصية الحقيقية لهذا «الذئب الوحيد»، الذي أصبح الجلّاد الأكبر للمشروع الأوروبي، ما زالت لغزاً حتى بالنسبة للمقرّبين منه ومواكبي مسيرته منذ سنوات. فهو بدأ نشاطه السياسي ضمن حركة الشباب الشيوعي على مقاعد الجامعة، حيث لم يكمل دراسته، إلى أن أصبح يحمل الإنجيل وسبحة الصلاة في مهرجاناته السياسية التي يواظب على تنظيمها كل أسبوع تقريباً. لكن الفاتيكان لم يتجاوب بعد مع الطلب الذي تقدّم به منذ الصيف الماضي لمقابلة البابا فرنسيس، رغم أن منزله يعجّ بتماثيل العذراء «التي يهديها إياها مناصروه» كما يقول أحد أصدقائه. ثم يضيف هذا الصديق «معظم الحيوانات تستشعر قدوم العواصف، فتضطرب وتبحث عن ملجأ تأوي إليه، وقلّة تغتنم العاصفة لتقضي على كل شيء حولها... سالفيني من هذه القلّة».
دخل سالفيني الحكومة الإيطالية، مطلع الصيف الماضي ومعه نصف أصوات شركائه في «حركة النجوم الخمس». بيد أن الاستطلاعات تُجمِع منذ أشهر على أن حزبه سيتصدّر المشهد السياسي الإيطالي في الانتخابات المقبلة بعدما كانت شعبيته لا تتجاوز 4 في المائة عندما كان يحصر نشاطه في أقاليم الشمال، التي كان ينادي باستقلالها ويوجّه انتقادات عنصرية وقاسية ضد الأقاليم الجنوبية وسكانها. لكن سنوات ثلاث فقط كانت كافية لكي تتسع رقعة نفوذ «الرابطة» على امتداد الجغرافيا الإيطالية بقيادة سالفيني، الذي فاز بمقعده في مجلس الشيوخ عن إقليم كالابريا بأقصى جنوب شبه الجزيرة الإيطالية. وامتصّ شعبية الملياردير اليميني سيلفيو برلوسكوني، الذي تعامل معه بفوقيّة قبل أن يتودّد اليوم إليه ليل نهار، ويحاول إقناعه بالتخلّي عن «حركة النجوم الخمس» لقيادة جبهة يمينية عريضة.

- تخصيب أرضية الإرهاب
سالفيني يتوعّد في مهرجاناته الانتخابية بأن يحصل التحالف اليميني الذي يشكّله على ثلث مقاعد البرلمان الأوروبي في انتخابات الشهر المقبل، وبذا يغدو الكتلة البرلمانية الأولى والقوة الوازنة لتحديد مسار المؤسسات الأوروبية ورسم سياساتها. ومن جانبها، لم تعد الدوائر الأوروبية تستبعد مثل هذا «السيناريو»، الذي يرى أحد المسؤولين أنه سيكون أشدّ خطورة من أزمة عام 2008 المالية وتداعياتها، وأكثر تعقيداً من قرار البريطانيين مغادرة «قطار» الاتحاد الأوروبي. وبالفعل، يخشى محللون في «مركز الدراسات الاستراتيجية»، التابع للمفوضية، أن يدفع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة نحو مراكز القرار داخل المؤسسات الأوروبية إلى تخصيب أرضيّة الإرهاب داخل البيت الأوروبي، إذا استمرّ التضييق على المهاجرين وملاحقتهم تحت شعارات الحفاظ على نقاء العرق وصون الثقافة المسيحية.

- المجر... في بؤرة الحدث
لا يزيد عدد سكّان المجر على عشرة ملايين نسمة، أي أقل بنسبة 10 في المائة مما كان عليه مطلع تسعينات القرن الماضي. وتعاني المجر من أعلى معدّلات المسنّين في أوروبا، ومن نقص حاد في اليد العاملة، في حين لا يتجاوز عدد الأجانب فيها 1.5 في المائة من عدد السكان.
رغم ذلك، يثير موضوع الهجرة حساسية كبيرة في المشهد السياسي والاجتماعي المجري، ولا سيما، بعد أزمة عام 2015 عندما تدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين السوريين إلى الحدود المجرية في الطريق إلى بلدان الشمال الأوروبي، وبخاصة ألمانيا. وبعد أربع سنوات على تلك الموجة أغلقت المجر حدودها كلّياً في وجه المهاجرين، مع مطالبة رئيس الوزراء المجري اليميني فيكتور أوربان «بحق الدول الأوروبية في رفض دخول المهاجرين ضد إرادتها».
وفي المقابل، تشكو منظمات حقوقية في المجر من انعدام النقاش الحقيقي في البلاد حول موضوع الهجرة بسبب «سيطرة الحكومة على 80 في المائة من وسائل الإعلام».

- «الظاهرة السالفينية»... في حاضر أوروبا ومستقبلها
أمضى ماتّيو سالفيني 11 سنة نائباً في البرلمان الأوروبي منذ عام 2004 حتى الانتخابات العامة الأخيرة في إيطاليا. إلا أنه لم يُعرف له نشاط يذكر في المؤسسة الأوروبية - كما يقول أحد زملائه - إلى أن بدأ يقيم علاقة وثيقة بالمستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب والناشط اليميني المتطرف ستيف بانون، وكذلك بالبرلماني الروسي فيكتور زوباريف المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هذان الرجلان ساعدا القيادي الشعبوي اليميني الإيطالي على إرساء منصّته الإلكترونية. وكانت هذه أداة أساسية اعتمد عليها لرصد مواطن الاستياء الشعبي، وشنّ منها هجماته على المؤسسات الأوروبية، بعدما ارتفع عدد المهاجرين الذين دخلوا إيطاليا من 40 ألفاً عام 2013 إلى 620 ألفاً في العام الماضي، قبل أن يتولى حقيبة وزارة الداخلية.
وبالتالي، كثيرة هي المقارنات بين الاحتشاد الشعبي وراء سالفيني اليوم والصعود السريع للزعيم الإيطالي الفاشي بينيتو موسوليني مطلع عشرينات القرن الماضي. ويقول جيانّي فافا الذي كان المنافس الوحيد لسالفيني في انتخابات الحزب الأولية، إنه «يتقن قراءة الشارع ويُسمِع الناس ما يطربون له بلغة بسيطة ومباشرة... يستشعر وجهة الرياح ويتكيّف معها بسرعة وبراعة».
وما يذكر، أن سالفيني طوى صفحة مؤسس «رابطة الشمال» أومبرتو بوسّي. ثم أقصى «عرّابه» الذي تخلّى له عن زعامة الحزب روبرتو ماروني. ثم قطع حبل الصرّة الذي كان يربطه بالماضي الانفصالي عندما دعا أخيراً إلى مظاهرة وطنية حاشدة في روما، تقاطرت عليها الوفود من الجنوب أكثر من الشمال، وملأت «ساحة الشعب» التي ضاقت بهتافات المنادين بحياة «الكابتن» Il Capitano.
وتزداد الخشية في الأوساط الأوروبية هذه الأيام من حصول سالفيني على 40 في المائة من الأصوات في الانتخابات المقبلة. إذ يتيح القانون الانتخابي الإيطالي - الذي أقر في العام الماضي - للحزب الذي يتجاوز عتبة الـ40 في المائة أن يحكم بمفرده من غير الحاجة إلى التحالفات التي تشكّل إحدى اللوازم الثابتة في السياسة الإيطالية منذ عقود.
وكشفت مصادر إعلامية إيطالية قبل أسابيع عن وجود علاقة وثيقة بين حزب «الرابطة» وجماعة الضغط الأميركية اليمينية الواسعة النفوذ «الرابطة الوطنية للبنادق» NRA، التي يعتقد أنها تموّل حملات سالفيني. ويقال إن إحداها أثمرت أخيراً أول قانون من نوعه في الاتحاد الأوروبي يجيز استخدام السلاح في حالة الدفاع عن النفس والشعور بالخطر عند انتهاك حرمة الممتلكات الخاصة. ولقد وعد سالفيني - الذي وصف إقرار القانون بـ«النصر التاريخي» - بتقديم اقتراح جديد يسهّل إجراءات شراء الأسلحة النارية الفردية وحيازتها.


مقالات ذات صلة

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».