حديث عن ثمن للوساطة الروسية مؤشره التهدئة بين دمشق وتل أبيب

TT

حديث عن ثمن للوساطة الروسية مؤشره التهدئة بين دمشق وتل أبيب

يتجنّب محور «الممانعة» في لبنان بقيادة «حزب الله» الدخول في سجال مع روسيا ولو من باب تسجيل موقف على خلفية الوساطة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين وأدت إلى تسليم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو رفات جندي إسرائيلي قُتل في المعارك التي دارت بين الجيشين الإسرائيلي والسوري في بلدة السلطان يعقوب البقاعية أثناء اجتياح إسرائيل للبنان في يونيو (حزيران) 1982 مع أن عملية التسليم جرت في موسكو قبل ثلاثة أيام من موعد إجراء الانتخابات النيابية في إسرائيل.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينأى فيها «حزب الله» بنفسه عن الدخول في سجال مع موسكو وكان سبق له أن لاذ بالصمت عندما أهدى بوتين نتانياهو دبابة إسرائيلية كان أهداه إياها الرئيس السوري بشار الأسد.
حتى أن الإعلام السوري الرسمي لم يحرّك ساكناً حيال تسليم بوتين نتانياهو رفات الجندي الإسرائيلي وذهب بعيداً في تبنّيه لمقولة القيادي في الجبهة الشعبية - القيادة العامة - بزعامة أحمد جبريل، أنور رجا في اتهامه مجموعة إرهابية كانت سيطرت على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق بأنها عثرت على رفات الجندي وقامت بتسليمه إلى تركيا التي سلّمته بدورها إلى روسيا.
إلا أن هذه الرواية «المبرمجة» سرعان ما تلاشت فور تأكيد بوتين أن العملية تمت بالتنسيق بين الجيشين الروسي والسوري وأن الرفات نُقل إلى موسكو التي تواصل وساطتها لجلاء مصير جنود إسرائيليين آخرين ترَدَّد أنهم قُتلوا في المعارك التي دارت في منطقة بيادر العدس اللبنانية خلال حرب يونيو.
لكن «حزب الله» بطريقة أو بأخرى وإن لم يكن مرتاحاً لهذه الهدية السورية إلى إسرائيل بوساطة روسية فإنه أبدى انزعاجه ضمناً من تغريدة أطلقها رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على حسابه الخاص غمز فيها من قناة محور «الممانعة» بقيادة إيران والنظام في سوريا.
وبدلاً من أن يسأل «حزب الله» حليفه السوري عن السر الذي يكمن وراء توقيته للإفراج عن رفات الجندي الإسرائيلي بالتزامن مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات في إسرائيل، لجأ إلى إدارة ظهره إلى الداخل وكأنه يسمح لنفسه بما لا يجيزه للآخرين.
وبكلام آخر كان يمكن لـ«حزب الله» بالتنسيق مع حليفه السوري بأن يُدرج تسليم رفات الجندي الإسرائيلي في إطار صفقة ترعاها موسكو وتؤدي إلى تسليم الحزب رفات من سقطوا في حروبه المفتوحة مع إسرائيل ومن بينهم عرب من عدة جنسيات.
لذلك فإن امتعاض الحزب من «التقدمي» لم يكن في محله لأنه يدرك جيداً أنه على تفاهم مع جنبلاط بتنظيم الخلاف حول الموقف من النظام السوري، إلا إذا كان له دوافع أخرى أبرزها عدم ارتياحه للقرار الذي أصدره عضو «اللقاء الديمقراطي» وزير الصناعة وائل أبو فاعور وأدى إلى إلغاء ترخيص كان أعطاه لآل فتوش سلفه الوزير السابق حسين الحاج حسن (حزب الله) يجيز لهم إنشاء مصنع للإسمنت في بلدة عين دارة.
فـ«حزب الله» لن يسمح لوزير بأن يلغي تراخيص كان أعطاها الحاج حسن باعتبار أنه لا يلتفت إلى المعارضة التي يقودها الحراك المدني ضد هذا المجمّع الذي يضر بالبيئة. لكنه لن يغلق الباب في وجه إعادة التواصل مع «التقدمي».
كما أن الحزب الذي يلوم «التقدمي» على موقفه من محور «الممانعة»، يسمح لنفسه في نفس الوقت بشن الحملات الإعلامية والسياسية ضد عدد من الدول العربية، وتحديداً الخليجية منها، على خلفية اشتباكها السياسي مع إيران بسبب تدخّلاتها في شؤونها الداخلية ورعايتها لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وعليه لم يسلّم النظام السوري رفات الجندي الإسرائيلي «مجاناً» إلى موسكو من دون ثمن سياسي، خصوصاً أن الأخيرة كانت تعمل على موجة واحدة مع واشنطن لتوفير الدعم لنتانياهو للتجديد له على رأس الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
وفي هذا السياق، تسأل مصادر سياسية لبنانية، هل أن التناغم بين موسكو وواشنطن في دعمهما لنتانياهو وُلد بالصدفة، وأين يقف محور «الممانعة» من هذا التناغم في ضوء ما يتردد بأن عدم إحداث أي تغيير في السلطة في إسرائيل سيتيح لموسكو القيام بوساطة إنما على البارد بين تل أبيب ودمشق؟
ويمكن أن يراد من هذه الوساطة، كما تقول هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»، التحضير لأولى الخطوات على هذا الصعيد وتتعلق بتسليم الطرفين السوري والإسرائيلي بضرورة التهدئة على المستوى العسكري، خصوصاً أن التلويح ببدء المقاومة السورية في هضبة الجولان المحتلة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بضمها إلى إسرائيل بتأييد منها جاء من بيروت على لسان عدد من «الصقور» في محور «الممانعة».
كما أن موسكو التي تمكّنت من إبعاد المجموعات العسكرية الإيرانية وحلفائها من جنوب غربي سوريا إلى مسافة 60 كيلومتراً، تحاول الآن القيام بوساطة بين دمشق وتل أبيب بعلم الإدارة الأميركية، لأن روسيا اليوم غير الاتحاد السوفياتي السابق، وبالتالي تقف أمام مرحلة سياسية جديدة، نظراً لعلاقتها الوطيدة بنتانياهو، إضافة إلى علاقتها بمحور «الممانعة» التي تؤهلها للعب دور الوسيط.
لذلك، لا يوجد شيء ثابت في السياسة، وإلا من كان يتصور استجابة الرئيس الأسد للوساطة الروسية وهو يعلم جيداً أن بوتين لا يراهن فقط على عودة نتانياهو إلى رئاسة الحكومة، وإنما أعلن حالة الاستنفار القصوى لتوفير كل الدعم له الذي شكّل نقطة تلاق مع ترمب ولو من موقع الاختلاف.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».