عرب الـ48 يخسرون جزئياً... ويستمرون

TT

عرب الـ48 يخسرون جزئياً... ويستمرون

أدلى أقل من خمسين في المائة من الناخبين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سنة 1948 (أو عرب الـ48) بأصواتهم في الانتخابات الإسرائيلية التشريعية الأخيرة وحصلوا على عشرة مقاعد في الكنيست المقبل بخسارة ثلاثة مقاعد عن الدورة السابقة في 2015.
عوامل عدة اجتمعت لترسم هذه النتيجة المتواضعة والمتوقعة، بعد سلسلة من الملابسات، بعضها من داخل مجتمع عرب الـ48 والبعض الآخر من خارجه. ونسبة المشاركة العربية في الانتخابات منخفضة تقليديا ونادرا ما تتجاوز الخمسة وخمسين في المائة، لاعتقاد قسم واسع من الناخبين العرب بعدم جدوى الانخراط في الحياة السياسية الإسرائيلية ما دام أن شيئاً لن ينتج عنه غير استمرار التمييز والإهمال والتهميش والسعي الدائم إلى تحطيم الأقلية العربية في إسرائيل.
أما العوامل البارزة في الدورة الحالية، وفي معزل عن المعطى الإسرائيلي الثابت في التمييز بحق الناخبين العرب، فيمكن تلخيصها على النحو التالي: الأول، ما يراه عدد كبير من عرب 48 فشلا من جانب الأحزاب التي تمثلهم في الكنيست في التصدي لقانون قومية الدولة اليهودية الذي أقر قبل عام تقريبا والذي يجعل المواطنين غير اليهود رعايا من الدرجة الثانية ويسقط عنهم عددا من الحقوق أهمها حق تقرير المصير. ولعل الإنصاف يقتضي القول إن معركة قانون قومية الدولة كانت أكبر كثيرا من قدرات النواب العرب على إحباطها، خاصة إذا أخذ في الاعتبار المناخ السياسي العام في إسرائيل.
العامل الثاني، هو تبني الأحزاب الكبرى سياسات متشابهة حيال عرب الـ48 لناحية رفض التحالف أو التعاون معهم في المجالات العامة، وهو ما تجلى في قول الرجل الثاني في تحالف «أزرق أبيض» يئير لابيد أنه يرفض تشكيل حكومة ائتلافية مع «الزعبيين» قاصدا النواب العرب الذين اختصرهم بممثلة حزب «بلد» حنين الزعبي. وعلى الرغم من الاعتذار اللاحق إلا أن الضرر كان قد وقع وقورنت هذه الأقوال التي اعتبرها عرب الـ48 إهانة لهم بما كان قد حذر منه رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو أثناء انتخابات 2015 من أن «العرب يتجهون إلى صناديق الاقتراع «كالقطعان»، لإثارة خوف الناخبين اليهود من كثرة الأصوات التي قد يحصل عليها النواب العرب. وقبل أسابيع عمد نتنياهو إلى تكرار «اتهام» غانتس بالموافقة على تشكيل ائتلاف حكومي مع النواب العرب وهو ما ساهم في زيادة تشدد مواقف غانتس ضد العرب والإعلان عن عزمه زيادة الاستيطان في الضفة الغربية وتفاخره بعدد القتلى الفلسطينيين الذين سقطوا في الحرب على قطاع غزة في 2014 عندما كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
وأنقذت الأصوات العربية حركة «ميرتس» اليسارية وجعلتها تتجاوز العتبة القانونية البالغة 3.25 في المائة اللازمة للحصول على مقاعد في الكنيست، بحسب ما أعلنت رئيسة الحركة تمار زاندبرغ، بعدما أصابت «ميرتس» «تسونامي تحالف كاهول لافان» (بقيادة غانتس) وتحول قسم كبير من ناخبي الحركة اليسارية التقليديين في ضواحي تل أبيب العمالية إلى حزب الوسط الجديد. بيد أن هذا التأييد لليسار الإسرائيلي من قبل الوسط العربي، رافقه انحسار في تأييد الأحزاب اليمينية حيث فقد حزب كولانو الذي يتزعمه وزير المالية موشي كاهلون. وغني عن البيان أن بعض الخدمات المحلية التي تؤديها الأحزاب الإسرائيلية لعدد من الشخصيات العربية، تعود على الأحزاب هذه بالأصوات يوم الانتخابات، بغض النظر عن النهج السياسي العام للحزب المعني.
العامل الثالث، هو إخفاق القوى العربية في تشكيل «قائمة مشتركة» على غرار تلك التي خاضت الانتخابات السابقة. الخلافات الداخلية وعدم قدرة «لجنة التنسيق» على جَسْرِ الهوة بين التحالفين العربيين (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير من جهة، والقائمة العربية الموحدة و«بلد» من جهة ثانية)، حالا دون خوض المعركة الانتخابية بصف عربي واسع التمثيل ويحمل برنامجا متجانسا.
عليه، ليست الأحكام القاطعة عن نهاية الصوت العربي في الانتخابات الإسرائيلية قريبة من الصواب. فحاجة عرب الأراضي المحتلة في 1948 إلى تمثيل سياسي ولو ضمن المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، قد ثبتت أهميتها على مرّ العقود منذ أيام معركة الحصول على الهوية الإسرائيلية التي أساء الكثير من العرب فهم أبعادها في ذلك الحين. ويجوز القول إن الصوت الفلسطيني، على رغم الصعوبات الذاتية وتلك المفروضة موضوعيا عليه، مضطر إلى خوض المعارك للحفاظ على مصالح نحو مليوني مواطن يواجهون تصاعد قوة ونفوذ اليمين المتطرف ومحاولات الاقتلاع والإقصاء.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.