سنوات السينما: (1946) Let There Be Light

(1946) Let There Be Light
ثلاثية جون هيوستن التسجيلية عن الحرب

‫لم يكن جون هيوستن المخرج الأميركي الوحيد الذي شارك في الحرب العالمية الثانية من موقعه كسينمائي معروف. آخرون، بينهم جون فورد، أناتول ليتفاك، ويليام وايلر وفرنك كابرا انخرطوا بالخدمة بدءا من أواخر العام 1941. أما هيوستن انضم في العام 1942، حيث أُمر بالتوجه إلى جزر أليوتيان في المحيط الأطلسي لتصوير الحرب على مستقبل المحيط الشمالي قرب ألاسكا. العنوان الأصلي للفيلم كان «ألاسكا 1942» وتم تغييره لاحقا إلى «تقرير من سكان أليوت».‬
كان هذا هو الفيلم الأول لثلاثية تسجيلية قام المخرج العتيد هيوستن بتحقيقها لحساب الجهد العسكري الأميركي آنذاك. الثاني حمل عنوان «معركة سان بييترو» وكان ‫نقلة ذات شأن مهم. فيه بدأ هيوستن، وقد أمضى ستة أشهر على الجبهة الإيطالية، يطرح أسئلته حول الحرب من خلال مشاهد لم يأت بها فيلمه السابق. هنا الحرب ليست صرخة نصر ولا لعبة حماسية بل كانت واقعا أكثر تشابكا وتعقيدا. هي ثمن باهظ يدفعه الجنود بقوا أحياء أم ماتوا. ليس أن الفيلم خال من النبرة الدعائية والتعاطفية، لكنها هنا ليست النبرة الصافية التي تصل إلى هدفها بأقصر الطرق وأكثرها مباشرة. ‬
الخطة أساسا كانت مختلفة. كان مطلوبا من هيوستن تصوير معركة تحرير روما سنة 1943، لكن الحملة العسكرية واجهت مقاومة ألمانية قوية ما جعل تصويرها فيلما لا يخدم الجهود الدعائية المناطة. هذا حدا بالمخرج لتحويل اهتمامه إلى السبب الذي من أجله واجهت حملة تحرير إيطاليا بالمصاعب وآثار تلك المصاعب على الجندي الأميركي المحارب. هذا قاد هيوستن إلى تصوير بطء التقدم للقوات الأميركية في الجبهات المتعددة. الألمان كانوا يخسرون مواقع مهمّة لكنهم كانوا دائما ما يتسلحون بأخرى يقتنصون منها قوّات الحلفاء أو يمنعونها من مواصلة الزحف لفترة طويلة. قاده ذلك أيضا إلى فيلم يتدخل بالتعليق على الحرب عوض الاكتفاء بالدعاية لها ولو أن هيوستن نفى بأن فيلمه ذاك كان معاديا للحرب.
في العام 1945 تمت ترقية المخرج من رتبة كابتن إلى رتبه مايجور وتسلم مهام تحقيق فيلمه الثالث. «ليكن هناك ضوء» (الضوء هنا بمعنى الأمل) دار حول العائدين من المعارك الضروس بعاهات نفسية. حينها كان الجنرال باتون ‫يعتقد أن الآلام النفسية التي تتركها المعارك في نفوس بعض الجنود ما هي إلا نتيجة لضعف شخصية الجندي ودليل جبنه. لكن كان من الواضح أن القيادة بات لديها الآن ما يثير قلقها من انتشار مثل هذه الحالات ووجدت واجبا تقديم فيلم إرشادي للجندي المُصاب كما لعائلته يساعد في لحم تلك الجراح وإعادة المجنّد إلى حالته الطبيعية.‬ وفي الوقت ذاته إظهار العناية الفائقة بحالة الجنود العائدين بتلك الجروح النفسية.
‫لم تكن لدى جون هيوستن معلومات كثيرة حول علم النفس لكن المشروع الذي أسند إليه كان وسيلته في تعلم الأشياء. وبدأ هيوستن بحثه بزيارة مرضى نفسيين في مصحات مختلفة قبل أن يختار من هذه المصحّات ما وجده الأفضل والأكثر مدعاة للثقة (واحد في منطقة برنتوود في لونغ آيلاند، ولاية نيويورك). ومنذ البداية وضح اهتمامه الإنساني بالمعضلة التي يواجهها الجنود وحرصه على توفير عمل يدخل في صميم الأزمة الشخصية الناتجة. ‬
‫في «ليكن هناك ضوء» معالجة تقليدية الشأن في الظاهر تعرض فيها الكاميرا ما يتلقاه المرضى من علاج على أيدي أطباء معنيين بإعادة تأهيلهم. يتمحور الحديث حول 12 جنديا كل واحد منهم لا يتحدث فقط عن تجربته بل يصف كذلك مفهومه للحرب وللتضحية وخوفه من استرجاع ذكريات الحرب التي تقض مضجعه. ‬ لكن الفيلم، إذ ينقل تلك الهواجس، ينتهي إيجابياً معلناً نجاح المهام المناطة بالأطباء النفسيين لإعداد المصابين لاستكمال حياتهم السابقة وقد عادوا إلى أرض الوطن

قيمة تاريخية: (تحفة)
قيمة فنية: (تحفة)