«حلوة يا بلدي»... محاورة تشكيلية بإيقاع شعبي في حب مصر

أعمال الفنانة جيهان ماهر تحتفي بأجواء القاهرة التاريخية
أعمال الفنانة جيهان ماهر تحتفي بأجواء القاهرة التاريخية
TT

«حلوة يا بلدي»... محاورة تشكيلية بإيقاع شعبي في حب مصر

أعمال الفنانة جيهان ماهر تحتفي بأجواء القاهرة التاريخية
أعمال الفنانة جيهان ماهر تحتفي بأجواء القاهرة التاريخية

القاهرة بزحامها وصخبها وتفاصيل الحياة اليومية فيها قد تكون منفّرة لمحبي الهدوء، لكنها تمنح أعين بعض الفنانين قبساً من الإلهام يتجسد على لوحات تحرّك في المتلقي مشاعر مختلطة من الحنين إلى البساطة والعفوية التي طبعت حياة الآباء والأجداد، ورغبة في التخلي عن الحياة بين الأجهزة الإلكترونية، كما تثير مكنونات النفس حول مشاعر نرغب في الإفصاح عنها وربما تلفت نظرنا إلى إهمالنا لتراثنا غير المادي المترامي في كل حارة وشارع من شوارع مصر.
في معرض «حلوة يا بلدي» المقام حالياً بـ«غاليري غرانت» بوسط القاهرة، ويستمر حتى 27 أبريل (نيسان) الجاري، تأخذنا الفنانتان حنان يوسف، وجيهان ماهر، لعوالم المصريين سواء في شمالها أو جنوبها، واحتفائهم بالحياة رغم المصاعب.
عبر 19 لوحة بألوان الأكريليك والأكواريل، ترسم الفنانة حنان يوسف، المرأة المصرية في تحملها وقوتها محررة الألوان من ارتباطها الشرطي بالشكل... تجد نساءها يحملن دسامة اللون وقوته، لتعكس القوة الكامنة بداخلهن. فهنا نرى سيدة تحمل أسطوانة الغاز، وأخرى تشتري الخبز؛ لنجد لمحة نسوية في أعمال الفنانة. كما تطعم يوسف لوحاتها بكتابات مستوحاة من أمثال ومقولات دارجة في الحارة المصرية. وعن أعمالها تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحب دعم المرأة عبر أعمالي، واخترت أمثالاً ومقولات شهيرة عن دور المرأة في المجتمع منها: «اللي يخاف من الناس ينداس»، و«صوت المرأة قوة». وتضيف: «أتجول وأقوم بالتصوير في وسط القاهرة وفي حي الخيامية وفي الحارات حيث تجلس سيدات تملؤهن القوة بطريقة تجعلني أود رسمهن».
ملامح نساء حنان يوسف شعورهن متطايرة يجلسن باعتداد بالنفس، أو متشحات بالحجاب وقد رسم الصبر ملامحهن. وإلى جانب القوة التي تطل من لوحات حنان يوسف تأخذك إلى جانب آخر في أعمالها، ففي أحد أركان المعرض تتلاحم لوحات الزهور، وهي لوحات بألوان الأكواريل التي تتسم بألوانها الزاهية المشرقة مكتسية برقّة مشعّة بسحر الطبيعة.
أما الفنانة جيهان ماهر، فتأخذنا تارة إلى جنوب مصر عبر ألوان الأكريليك والزيت، حيث تجسد المناظر الطبيعية بألوان ترابية ناعمة في أسوان والنوبة، وتارةً تذهب بنا في رحلة كرنفالية بطاقات لونية مجسدةً مشاهد من السيرك والأحياء الشعبية والموالد والفوانيس في القاهرة الفاطمية.
تميل جيهان ماهر في أعمالها إلى التكعيبية، ولا تميل إلى تجسيد موضوعات بعينها كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، لكنها ترسم ما تبوح به ذاكرتها عبر ترحال دائم داخل مصر وخارجها، مؤكدةً: «أحنّ إلى مصر التي تعيش فينا، وعادةً أرسم ما يخطر بذهني، حيث أحنّ عادةً إلى تفاصيل مصر الدافئة». وحول لوحة بائع الفول التي تعكس أجواء تاريخية مملوكية، بنساء يرتدين أزياء تراثية وفي الخلفية تقبع بيوت القاهرة الفاطمية، تشير: «بائع الفول يمثل بالنسبة إليّ حالة خاصة جاذبة، ورسمْته في عدد من اللوحات في معارض أخرى، وهو يكاد يكون ثيمة لا توجد في أي مكان في العالم».
تميل الفنانة إلى المساحات اللونية الشاسعة مع الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في مفردات اللوحة، وتتلاعب بالضوء والظلال لتكثّف الحالة الشعورية لدى المتلقي، وتعتمد في تعبيراتها على اتجاهات الخطوط وتداخل الألوان بتدرج لا تشعر فيه بالفواصل بين الألوان مما أضفى على أعمالها حساً شاعرياً، وهو ما تعكسه نساء جيهان ماهر الرقيقات الحالمات اللاتي يقفن على النقيض من نساء حنان يوسف القويات المتحديات.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.