بريطانيا تعاقب 349 فرداً وكياناً سورياً... و«أثرياء جدد» على «القائمة السوداء»

مسؤول أوروبي لـ «الشرق الأوسط»: العقوبات رسالة سياسية إلى النظام وداعميه

سيارات في الطابور لملء خزاناتها بالبنزين في دمشق أمس (أ.ف.ب)
سيارات في الطابور لملء خزاناتها بالبنزين في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا تعاقب 349 فرداً وكياناً سورياً... و«أثرياء جدد» على «القائمة السوداء»

سيارات في الطابور لملء خزاناتها بالبنزين في دمشق أمس (أ.ف.ب)
سيارات في الطابور لملء خزاناتها بالبنزين في دمشق أمس (أ.ف.ب)

عكف دبلوماسيون وخبراء بريطانيون على البحث في مصير العقوبات الأوروبية على دمشق سواء إذا كانت مؤسسات عامة أو «أثرياء حرب» بما يتناسب مع السيناريوهات المحتملة لـ«بريكست»، في وقت يعمل مسؤولون ألمان وفرنسيون وبريطانيون على إضافة قائمة جديدة من «أثرياء الحرب» إلى «القائمة السوداء» الأوروبية.
وتشمل العقوبات الأوروبية حالياً 349 فرداً ومؤسسة تابعين للنظام السوري أو رجال أعمال مقربين إلى دمشق. وضمت القائمة الأخيرة التي صدرت في بداية الشهر الماضي سبعة وزراء دخلوا إلى حكومة عماد خميس، ذلك بعد أسابيع على إضافة 11 شخصا ومؤسسة تابعين للقطاع الخاص ساهموا في مشاريع إعمار قرب دمشق وإضافة شخصيات ومؤسسات لهم علاقة بـ«السلاح الكيماوي».
بين الأسئلة الكثيرة التي طرحت في لندن حول المستقبل بعد «بريكست»، كان مصير العقوبات الأوروبية على دمشق. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي طلبت من الاتحاد الأوروبي فترة إضافية إلى نهاية يونيو (حزيران) على أمل تمرير خطتها للخروج بدلاً من الـ12 الشهر الحالي، فيما عرض رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك مهلة سنة. وكان مقررا أن تحسم القمة الأوروبية أمس المهلة الأخيرة للتمديد.
وقال مسؤول بريطاني لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن خلاصة العمل الدؤوب كانت في سيناريوهين: الأول، في حال خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باتفاق ومرحلة انتقالية فإن العقوبات الأوروبية ستتحول فوراً إلى بريطانيا خلال الفترة الانتقالية. الثاني، الخروج من دون اتفاق يتطلب إقرار العقوبات الأوروبية بحزمة بريطانية مستقلة. وعليه، جرى تجهيز مسودات قرارات من وزير الخارجية لإدراج الموجودين على «القائمة السوداء» الأوروبية في القوانين البريطانية ما يعني شمول نحو 349 شخصية.
في المقابل، قال مسؤول أوروبي لـ«الشرق الأوسط» إن ألمانيا وفرنسا اقترحتا إدراج قائمة إضافية من رجال الأعمال السوريين و«أثرياء الحرب» إلى «القائمة السوداء»، لافتا إلى أن «العقوبات أداة سياسية مهمة في سياستنا السورية. هدفنا ليس أبدا استهداف الشعب السوري، بل إرسال رسالة سياسية إلى النظام السوري وداعميه إزاء كلفة ما يفعلونه».
وأشار إلى وجود أولويتين - سلتين للعقوبات الأوروبية في الوقت الراهن: الأولى، السلاح الكيماوي بالتزامن مع تلويح الدول الغربية باستعمال القوة العسكرية في حال استخدامه. الثانية، استهداف أولئك الذين يجمعون الأموال من بؤس ومعاناة الشعب السوري. وقال المسؤول: «الحزمة الأخيرة من العقوبات ضد أثرياء الحرب شكلت صدمة في دمشق كما أن آثارها كانت مفاجئة لبعض الأوروبيين خصوصا في سرعة توفر إجماع الدول الأعضاء. يضاف إلى ذلك أن دولا إقليمية كانت تريد التطبيع مع النظام فوجئت بالموقف الأوروبي وفرض العقوبات».
في نهاية العام الماضي بدا أن «اتجاه السير بات معروفاً وهو الذهاب إلى دمشق»، بحسب المسؤول الذي قال: «لكن العقوبات تركت أثرا سياسيا ودبلوماسيا. الرسالة واضحة: لن يتم التساهل مع الذين يجنون ثرواتهم من معاناة الشعب وسرقة موارد البلاد ولن تعود الأمور ما لم يتحقق حل سياسي ذو صدقية».
وشهدت نهاية 2018 زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق وفتح الإمارات والبحرين سفارتيهما وتبادل زيارات مع عمان وقيام مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك بزيارة القاهرة وحديثا عن انفتاح سياسي عربي وأوروبي وإعادة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية ومساهمة عربية في إعمار سوريا و«دورا عربي ضد إيران وتركيا»، إضافة إلى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 14 ديسمبر (كانون الأول) الانسحاب من شرق سوريا واستعجال الأكراد التفاوض مع دمشق.
لكن سرعان ما تغير المزاج في بداية العام الحالي لأسباب عدة؛ بينها وقف التطبيع العربي الثنائي والجماعي مع دمشق، إضافة إلى إعلان دول أوروبية بينها بريطانية عدم وجود نية لفتح سفاراتها في العاصمة السورية. وقال المسؤول الأوروبي أمس: «ساهمت العقوبات في وقف التطبيع وأرسلت رسالة إلى النظام وداعميه وإلى الشركات والمافيا العسكرية الاقتصادية»، لافتا إلى أن محادثات تجري مع واشنطن كي تقر العقوبات نفسها التي أقرها الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، «حيث وعد مسؤولون في الكونغرس بفرض عقوبات إضافية».
وكان الكونغرس الأميركي أقر قانونا يربط الإعمار بالحل السياسي ويهدد بمعاقبة من يساهم في الإعمار من دون «حل سياسي ذي صدقية». كما لوح القانون بمحاسبة «المتعاملين مع الحكومة السورية».
وأضيف إلى ذلك قرار الرئيس ترمب التراجع عن قرار «الانسحاب الكامل» من سوريا، بل إنه وافق على الإبقاء على 400 جندي أميركي والعمل مع دول أوروبية لإرسال قوات إضافية «تملأ فراغ الانسحاب الأميركي». كما أوقفت واشنطن الحوار بين الأكراد ودمشق إلى حين «قيام مفاوضات من موقف قوة والمساهمة في مسار جنيف».
وإلى الوجود العسكري شرق سوريا، تعتقد واشنطن ودول أوروبية أن «العقوبات والشرعية والإعمار هي الأوراق التي تملكها أميركا والدول الأوروبية للتفاوض مع روسيا حول سوريا، ولن تتخلى عن هذه الأوراق»، بحسب دبلوماسي أوروبي الذي يوافق مع زملائه الآخرين على اتباع أسلوب «الصبر الاستراتيجي» مع موسكو لظهور الشقاق بينها وبين طهران في سوريا، والميل أكثر إلى القبول بحل سياسي والإعمار وعودة اللاجئين.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.