موسكو تفضل «حلاً سلمياً» في إدلب ولا تستبعد عملية عسكرية

عناصر من الدفاع المدني السوري يفتشون عن ضحايا بين أنقاض منازل مدمرة  بفعل غارة في كفريا شمال إدلب الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني السوري يفتشون عن ضحايا بين أنقاض منازل مدمرة بفعل غارة في كفريا شمال إدلب الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

موسكو تفضل «حلاً سلمياً» في إدلب ولا تستبعد عملية عسكرية

عناصر من الدفاع المدني السوري يفتشون عن ضحايا بين أنقاض منازل مدمرة  بفعل غارة في كفريا شمال إدلب الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من الدفاع المدني السوري يفتشون عن ضحايا بين أنقاض منازل مدمرة بفعل غارة في كفريا شمال إدلب الشهر الماضي (أ.ف.ب)

تركت موسكو الباب موارباً حيال احتمالات اللجوء إلى عمل عسكري لحسم الموقف في إدلب، لكنها أكدت أنها تفضل تسوية سلمية للوضع الشائك في المدينة. وجاء التلويح الروسي بعد مرور يوم واحد على محادثات أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، وأكد الطرفان في ختامها التمسك بتنفيذ الاتفاقات السابقة حول إقامة منطقة منزوعة السلاح.
وقال مبعوث الرئيس الروسي لشؤون سوريا ألكسندر لافرينتييف، أن «احتمال تنفيذ عملية على الأرض ضد الإرهابيين في محافظة إدلب لا يزال قائماً»، لكنه استدرك أن تطوراً من هذا النوع «لن يكون في مصلحة أحد».
وأكد لافرينتييف، في مؤتمر صحافي عقده أمس، أن موسكو لم تتراجع عن موقفها بضرورة القضاء على الإرهاب، موضحاً أن بلاده «لم تعلن أبداً أن محاربة الإرهاب سيتم تعليقها أو إنهاؤها، ولذلك لا يزال هذا الاحتمال قائماً، لكن عندما توجد إمكانية لتنفيذ هذه المهمة عبر طرق سلمية، فإن إطلاق عمل عسكري لن يكون في مصلحة أي طرف».
وفي تشكيك غير مباشر بتعهدات تركيا حول تنفيذ الشق المتعلق بإخلاء المنطقة منزوعة السلاح وإلزام المتشددين بتسليم أسلحتهم الثقيلة، قال لافرينتييف إنه «لا يمكن التوصل إلى أي اتفاق مع الإرهابيين حول نظام وقف إطلاق النار».
وزاد أن «الأوضاع في إدلب ما زالت معقدة للغاية ويتمركز في هذه المحافظة السورية نحو 30 ألف مسلح». وكانت إدلب أعلنت ضمن مناطق خفض التصعيد عام 2017 نتيجة اتفاق تم التوصل إليه في إطار عمل «منصة آستانة» بين روسيا وتركيا وإيران. وفي 17 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيسان بوتين وإردوغان عقب لقائهما في سوتشي، التوصل إلى اتفاق حول إقامة المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في المحافظة.
وجنب الاتفاق إدلب شن عملية عسكرية واسعة النطاق كانت مرتقبة، لكن تركيا فشلت في تنفيذ التزاماتها بموجبه منذ ذلك الحين، ما دفع موسكو إلى التلويح أكثر من مرة بضرورة حسم الملف عسكرياً.
وكان الرئيس الروسي أعلن في ختام محادثاته مع إردوغان أول من أمس، أن موسكو وأنقرة لم تتمكنا بعد من إنشاء مركز لمتابعة الأوضاع بإدلب السورية وفقاً لاتفاق سوتشي، لكنه عبر عن أمله في حل المشكلات التي ما زالت تعرقل تنفيذ الاتفاق.
وقال بوتين إن «مشكلة إدلب شائكة، وصحيح أننا لم نتمكن بعد من تطبيق المعايير التي اتفقنا عليها في سوتشي، لكنني أعتقد أن حل هذه المشكلة ممكن».
وأشار بوتين إلى أن روسيا وتركيا قد بدأتا في تسيير دوريات مستقلة متزامنة في منطقة خفض التوتر بإدلب، مع أنه أقر بأن النشاط المشترك لروسيا وتركيا في ملف إدلب لا يسير بالسرعة المطلوبة.
ورأى الرئيس الروسي أن «حل مشكلة إدلب يمثل شرطاً لا بد منه لتهيئة الظروف المواتية للعملية السياسية في سوريا»، مشدداً على أن «الحل ممكن فقط عن طريق الجهود المشتركة بين موسكو وأنقرة».
وعبر بوتين عن أمله في أن «تسهم الجهود المشتركة في إعادة الوضع بمنطقة إدلب إلى طبيعته وتقود، في نهاية المطاف، إلى القضاء على بؤرة الإرهاب» هناك. وأشار إلى عدم قبول تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، مؤكداً تمسك روسيا وتركيا بمبادئ سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، في إشارة غير مباشرة إلى التحركات الأميركية في شمال شرقي البلاد.
كما أكد بوتين أن موسكو وأنقرة ستواصلان، ضمن «مسار آستانة» وبمشاركة إيران، الجهود الرامية إلى التسوية السياسية في سوريا، وزاد أنه «بعد دحر غالبية قوى الإرهابيين، تتركز الأولويات حالياً على إعادة الوضع على الأرض إلى استقراره بشكل نهائي، والدفع بعملية التسوية السياسية بموجب قرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي». وأوضح أنه اتفق مع إردوغان على تقديم كل دعم ممكن لإطلاق نشاطات اللجنة الدستورية في سوريا، بالتنسيق مع حكومتها والمعارضة والأمم المتحدة.
ولفت الرئيس الروسي إلى أهمية أن ترافق الجهود الإنسانية عملية إعمار سوريا بعد الحرب، مع التركيز على بناء وترميم منازل سكنية ومستشفيات ومدارس ومحطات مياه وشبكات كهرباء. ودعا المجتمع الدولي إلى مشاركة واسعة في هذه الجهود، كشرط لتهيئة الظروف المواتية لعودة اللاجئين السوريين إلى منازلهم. وتطرق بوتين إلى قرار واشنطن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن دون توجيه إدانة واضحة للقرار الأميركي قال إن «موقف روسيا، تم توضيحه في بيان لوزارة الخارجية الروسية، وهو ينص على أن القرار الأميركي يتناقض مع القرارات ذات الصلة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».
وكان المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، أبدى مخاوف من أن يسفر القرار الأميركي حول الجولان عن تعقيد آفاق التوصل إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة حول سوريا بسبب الاختلاف على مسألة تفسير مفهوم وحدة الأراضي السورية.
إلى ذلك، تمسك إردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك مع بوتين بموقف بلاده حيال رفض أي عمل عسكري في إدلب، وقال إن بلاده تواصل العمل لتنفيذ الاتفاقات السابقة، وشدد على الأهمية الخاصة لمواصلة التنسيق على المستوى العسكري بين روسيا وتركيا لإحراز تقدم في الجهود المشتركة حول ملف إدلب.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».