وفاة 235 طفلاً في «دويلة الهول» جراء تردي الأوضاع الصحية

TT

وفاة 235 طفلاً في «دويلة الهول» جراء تردي الأوضاع الصحية

أفيد أمس بمقتل 7 أطفال في مخيم للنازحين والخارجين من آخر معاقل «داعش» شرق سوريا، الذي بات يعرف بـ«دويلة الهول»، بسبب كثافة الموجودين فيه، حيث تجاوز عددهم 73 ألف شخص في مخيم كان مخصصاً لاستقبال 20 ألفاً.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل «مزيد من الأطفال للحياة ضمن مخيم الهول الذي يشهد كارثة إنسانية مستمرة في ظل صمت دولي يخيم على هذه الدويلة التي تضم أكثر من 73 ألف شخص جنوب شرقي الحسكة، حيث فارق الحياة 7 أطفال جدد نتيجة سوء الأحوال الصحية والمعيشية، ونقص الأدوية والأغذية، والنقص الحاد في الرعاية الطبية، بفعل تقاعس المنظمات الدولية، التي لم تكن على حجم المأساة والكارثة التي يشهدها المخيم الذي بات من أكبر المخيمات في منطقة شرق الفرات والأراضي السورية».
وقال إنه بذلك «يرتفع إلى 235 على الأقل عدد الأطفال الذين فارقوا الحياة منذ مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، في استمرار لسلسلة الموت في المخيم الذي يعاني من أوضاع إنسانية صعبة، بعد أن تحول لدويلة صغيرة تضم في غالبيتها أطفال ونساء عناصر تنظيم داعش»، في حين كانت مصادر موثوقة قالت إنه «في حال عدم تعذر معالجة المرضى في مخيم الهول، فإنه يجري نقلهم إلى مستشفيي الشعب والحكمة في الحسكة، ومشفى فرمان في القامشلي، إذ إن المتواجدين في المخيم يعانون بشكل رئيسي من نقص المواد الطبية والرعاية الصحية، بالإضافة لتناقص المواد الغذائية وقلة الحراك من قبل المنظمات الدولية وانعدامه لدى البعض بخصوص ما يجري في مخيم الهول الذي بدأت تتفاقم المشاكل اليومية فيه».
وفي تقرير سابق، قال «المرصد» إن المخيم يضم «أكثر من 73 ألف شخص من جنسيات سورية وعراقية وجنسيات أخرى عربية وأجنبية وآسيوية، من ضمنهم ما يزيد على 12200 عائلة عراقية مؤلفة من نحو 32200 من الأطفال والمواطنات وبعض الذكور، إضافة لآلاف العوائل من جنسيات مختلفة غربية وأوروبية وآسيوية وشمال أفريقية ومن جنسيات أخرى، فيما البقية من الجنسية السورية».
ونشر قبل أيام أنه شوهدت حالات جديدة من الفوضى، داخل مخيم الهول في الريف الجنوبي الشرقي للحسكة، حيث أكدت المصادر الموثوقة أن الحالة التي شوهدت، لوحظ فيها شتم وتهديد من قبل عناصر التنظيم لعناصر حماية المخيم.
وكان وزير الخارجية الفرنسي أعلن الاثنين، أن فرنسا ستخصص مليون يورو من المساعدة الإنسانية لمخيمات النازحين في شمال شرقي سوريا، خصوصاً مخيم الهول الذي يضم آلاف النساء والأطفال الأجانب المرتبطين بـ«تنظيم داعش». وقال جان إيف لو دريان في بيان: «نظراً لحجم الأزمة الإنسانية، قررت تعزيز تحركنا في مخيمات المنطقة، خصوصاً مخيم الهول الذي يضم راهناً 70 ألف شخص في ظروف صعبة للغاية».
وشهد مخيم الهول الذي أقيم في الأساس لاستقبال 20 ألف شخص كحد أقصى، تدفقاً كبيراً منذ الهجوم النهائي على «تنظيم داعش» في ديسمبر (كانون الأول)، الذي شنته «قوات سوريا الديمقراطية».
وذكر مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية، أن مدنيين سوريين وعائلات متطرفين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة، تتمثل في خيم تغمرها المياه، وأطفال يعانون الإسهال، وأمهات عاجزات عن الإرضاع لأنهن لا يحصلن على ما يكفي من المواد الغذائية.
وحذرت السلطات الكردية، المتحالفة مع التحالف الدولي المناهض لـ«تنظيم داعش» بقيادة أميركية، من هذا الأمر مراراً وطالبت بالمساعدة.وصرح وزير الخارجية الفرنسي بأن بلاده ستقدم «الخيم والسلع الأساسية ومساعدة غذائية وتؤمن الوصول إلى الماء»، بما قيمته نصف مليون يورو «وخصوصاً» لمخيم الهول.
ويضيق مخيم الهول بأكثر من 9 آلاف امرأة وطفل من الأجانب، منهم عشرات الفرنسيين، تحت مراقبة شديدة في جيب مخصص لهم، ينفصل عن بقية المخيم بسياج.
وتم فصل الأجانب لأنهم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بـ«تنظيم داعش»، ويُعتبرون مسؤولين عن الوضع المأسوي الذي يجد السوريون أنفسهم فيه.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.