السلطات المصرية تطلق سراح القيادي الإخواني البارز حلمي الجزار

قادة سابقون في الجماعة عدوها خطوة تعزز التيار الإصلاحي لكبح جماح المتطرفين

حلمي الجزار
حلمي الجزار
TT

السلطات المصرية تطلق سراح القيادي الإخواني البارز حلمي الجزار

حلمي الجزار
حلمي الجزار

أطلقت السلطات المصرية سراح القيادي الإخواني البارز حلمي الجزار، أمس (الأحد)، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ صدام الجماعة بالسلطات الجديدة في البلاد، منتصف العام الماضي، على خلفية عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهو الصدام الذي أفضى إلى توقيف عدد كبير من قادة الإخوان في اتهامات بالتحريض على العنف. وبينما استبعد القيادي السابق في الجماعة ثروت الخرباوي وجود مبادرة جديدة لإنهاء الصراع بين السلطة والإخوان، قرأ أحمد بان وهو قيادي سابق في الجماعة أيضا، دلالات الإفراج عن الجزار باعتبارها تعكس رغبة في فتح مسار للتفاوض، لكنهما توافقا على أن الإفراج عن الجزار يعزز التيار الإصلاحي داخل الجماعة لكبح جماح المتطرفين في صفوفها.
وأطلق سراح الجزار من قسم شرطة الدقي (غرب القاهرة) في ساعة مبكرة من صباح يوم أمس، بعد ما يزيد على عام قضاه في السجون المصرية في اتهامات بالتحريض على العنف في وقائع تعود إلى يوليو (تموز) من العام الماضي. ولم يمثل الجزار وهو عضو في مجلس شورى الإخوان، أمام أي محكمة مصرية حتى إطلاق سراحه.
وقال محمد طوسون محامي جماعة الإخوان لـ«الشرق الأوسط» إن «الجزار متهم في قضية تحريض على العنف وهي القضية المعروفة إعلاميا بقضية بين السرايات (حي شعبي غرب القاهرة قريب من ميدان نهضة مصر شهد صدامات عنيفة بين قوات الأمن وأنصار الجماعة بعد يوم واحد من عزل مرسي)، وأخلي سبيله بعد قضاء المدة القانونية للحجز الاحتياطي».
وصدر في وقت سابق قرارات بإخلاء سبيل عدد من قادة الإخوان وحلفاء لهم في السجون، لكن النيابة العامة في البلاد طعنت على تلك القرارات، مما عزز تكهنات بشأن دلالات سياسية يعكسها قرار الإفراج عن الجزار.
وقال بان، وهو باحث متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط» إن «خروج الجزار يعكس رغبة في فتح مسار للتفاوض مع الجماعة في ظل اتجاه بعض المجموعات الإخوانية لتصعيد العنف.. يمكن رصد تنامي هذا الاتجاه بشكل ملحوظ».
وأضاف بان أن الدولة المصرية تجرب على ما يبدو مسارا جديدا لاحتواء المجموعات التي تحرض على العنف داخل الإخوان.. «هذا ما يفسر الإفراج عن الجزار»، لكن الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية الذي تقدم بمبادرة لحل الأزمة بين السلطة والجماعة في وقت سابق قال لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كانت محاولة للحل لن يكون الجزار هو الشخص المناسب للقيام بالمهمة، أتساءل هل يحمل ثقلا سياسيا داخل الجماعة.. لا أعتقد».
لا يتفق بان مع نافعة، بل ذهب إلى أن الجزار هو الشخصية الأكثر ملاءمة للقيام بهذا الدور. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما يميز الجزار هو قدرته على التواصل بشكل أفضل مع التنظيميين (الأكثر تشددا) داخل الجماعة، رغم أنه محسوب على الإصلاحيين، يملك الرجل القدرة على التواصل مع التيارين داخل الجماعة».
وبدأ الجزار مساره السياسي في منتصف السبعينات حيث التحق بالحركة الطلابية وانخرط في التنظيمات الإسلامية التي نشطت في كلية الطب جامعة القاهرة، حتى أصبح أمير الجماعة الإسلامية في جامعات مصر، وساهم بقوة مع القيادي الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح في إعادة إحياء جماعة الإخوان التي تبددت على خلفية صراعها مع نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال عقد الستينات.
من جانبه، قال الخرباوي، الذي أعاد تقييم موقفه الفكري وقدم انتقادات حادة للجماعة، إن «الجزار من أكثر القيادات الإخوانية تأثيرا في الآخرين، وهو من القيادات الإصلاحية التي تكمن مشكلتها في رفضها توجيه انتقادات علنية للإخوان خشية أن يؤثر ذلك على الحركة الإسلامية، فهو كان يدرك الأخطاء التي وقع فيها الإخوان».
ويتابع الخرباوي قائلا: «الجزار كان ينتقد مواقف الجماعة لكن في الغرف المغلقة فقط، وقد أمدني بوثائق ومعلومات عن الجماعة خلال جمعي لمادة كتاب (سر المعبد) - كتاب ينتقد جماعة الإخوان - تعرفت عليه في منتصف السبعينات، كان لا يزال في طور المراهقة السياسية ويمكن وصفه بالمتشدد لكن لم يكن متطرفا، وقد تجاوز هذا الموقف خلال السنوات اللاحقة ووصل إلى حالة الرشد، وصار أكثر اعتدالا ويمكنه تصحيح مسار الجماعة حاليا».
ويرى الخرباوي أن الإفراج عن الجزار لا يأتي في سياق مبادرة جديدة لاحتواء الجماعة، لكنه يشير إلى أن السلطات ربما ترغب في تغذية رافد من روافد التيار الإصلاحي داخل الجماعة في الوقت الراهن لكبح جماح العناصر الأكثر تطرفا. وتابع قائلا: «يبدو أن هناك توجها لفصل الإصلاحيين في جانب والقيادات المتطرفة في جانب آخر».
وتتوزع قيادات الإخوان حاليا بين السجون، ويختفي بعضهم الآخر عن الأنظار، ويعتقد أن عددا منهم تمكن من مغادرة البلاد بطريقة غير شرعية عبر حدود مصر مع ليبيا والسودان. وصدرت أحكام بالإعدام بحق قادة الجماعة التي تتعامل السلطات معها حاليا كتنظيم إرهابي محظور، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع.
في المقابل، يميل بان إلى تفسير خطوة الإفراج عن الجزار كمؤشر على وجود مبادرة، ويذهب إلى إمكانية أن يكون طبيب التحاليل الخارج لتوه من السجن (الجزار)، يحمل مبادرة قيادات طرة (مجمع السجون الذي يقبع فيه حاليا عدد كبير من قيادات الجماعة).
من جهته، رفض القيادي الإخواني البارز محمد علي بشر التعليق على الإفراج عن الجزار. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتصل بالرجل (الجزار) بعد، فهو بالكاد قد أطلق سراحه». ويعد بشر وهو عضو سابق بمكتب الإرشاد (أعلى هيئة تنظيمية داخل الجماعة)، القيادي الإخواني الوحيد الذي لم يتعرض للملاحقة القضائية، ومثّل الإخوان، العام الماضي في المفاوضات التي جرت بين السلطة الجديدة بوساطة دبلوماسيين غربيين وعرب.
وكانت السلطات المصرية قد أفرجت قبل أيام عن البرلماني السابق محمد العمدة المتهم في نفس القضية المتهم فيها الجزار. وقال طوسون محامي الجماعة إن المرشد السابق مهدي عاكف من بين المتهمين في القضية أيضا لكنه لا يزال موقوفا رغم أن المحكمة برأته من تهمة إهانة القضاء ولم يعد مطلوبا في أي قضية أخرى.
وأطلق العمدة مبادرة للمصالحة بين السلطة والجماعة، لكن من غير المرجح أن تكون الجماعة على صلة بهذه المبادرة بحسب المراقبين.
وتوقع بان أن تطلق السلطات خلال الفترة المقبلة سراح قادة آخرين من التيار الإصلاحي، مرجحا الإفراج عن القيادي البارز عصام العريان، وأبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط، بينما طالب الخرباوي السلطات بتعزيز هذا التوجه بالإفراج عن القيادي شريف أبو المجد وهو أستاذ بكلية الهندسة في جامعة حلوان، قائلا: «إن الإفراج عن هؤلاء في صالح مصر ويمكن أن ينقذونا من دائرة العنف».



محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
TT

محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة إلى «مشاورات أوسع» بشأن «لجنة إدارة غزة»

فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يشاهدون الدخان يتصاعد بعد الضربات الإسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

مشاورات موسعة تتجه لها محادثات حركتي «حماس» و«فتح» بالقاهرة، بعد اتفاق أولي على تشكيل لجنة إدارة لقطاع غزة، واختلاف بشأن وضع إطار مؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية يشمل فصائل فلسطينية جديدة، ضمن مساعٍ مصرية جادة لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وعقد اجتماع قريب للفصائل لحسم تفاصيل بشأن اللجنة ومسار ما بعد الانتخابات الأميركية المقررة الثلاثاء.

جاء ذلك بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، كاشفة عن أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس المتواجد بالقاهرة لديه اعتراض على أي تغييرات حالية في منظمة التحرير الفلسطينية، تؤثر على أي مسار مستقبلي للقضية الفلسطينية، لافتين إلى أن اللجنة المؤقتة تم التوافق الأولي عليها خلال محادثات القاهرة، وتنتظر اجتماع الفصائل لحسم التفاصيل وإصدار مرسوم رئاسي.

واختتمت محادثات بين حركتي «حماس» و«فتح» يومها الثالث بالقاهرة، عقب الاستمرار في نقاش استمر بشأن ملفين اثنين، هما: تفاصيل إعلان اللجنة المجتمعية لإدارة قطاع غزة، ومساعي وضع إطار مؤقت لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» يضمن مشاركة «حماس» و«الجهاد» وباقي الفصائل، وفق مصدر فلسطيني مطلع على مسار المباحثات تحدث إلى «الشرق الأوسط»، أكد أن المحادثات ستجدد بشكل موسع عقب الاتفاق الأولي على تشكيل اللجنة واختلاف بشأن الإطار لم يحسم بعد.

وكانت «اجتماعات حركتي (فتح) و(حماس) بالقاهرة انطلقت السبت، بشأن إنشاء (لجنة الإسناد المجتمعي) المعنية بإدارة شؤون غزة، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة»، وفق مصدر أمني مصري، تحدث لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، لافتاً إلى أن «الحركتين لديهما نظرة إيجابية تجاه التحركات المصرية بشأن تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي) رغم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية».

ووفق المصدر الأمني «تتبع (لجنة الإسناد المجتمعي) السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس وتتحمّل اللجنة إدارة قطاع غزة».

وبحسب تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، مساء الاثنين، فإن «أجواء اللقاء مع حركة (فتح) في القاهرة كانت إيجابية وصريحة»، لافتاً إلى أنه «تم النقاش مع (فتح) حول تشكيل هيئة لمتابعة أمور غزة واحتياجاتها»، دون تفاصيل أكثر.

وكشف القيادي في حركة «فتح»، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعلومات المتوفرة تشير إلى أن المحادثات انتهت في يومها الثالث دون غلق الباب أو إصدار نتائج لحين مشاورات موسعة ستجري وتشمل كل الفصائل في اجتماع قد يكون هذا الشهر بالقاهرة».

وبحسب الرقب «تم تأجيل النقاش بشأن الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتم الاتفاق المبدئي على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، وينتظر الأمر مرسوماً رئاسياً من الرئيس الفلسطيني واجتماع الفصائل المرتقب لبحث أسماء أعضاء اللجنة وتشكيلها وعملها»، لافتاً إلى أن «هذا التأجيل لا يقلل من مسار القاهرة، ولكنه مسعى لتعزيز الاتفاق على تشكيل اللجنة بعد اجتماع الفصائل».

وشهدت محادثات «حماس» و«فتح» بالقاهرة، تجاوز خلافات بشأن مرجعية عمل اللجنة هل تتبع الحكومة الفلسطينية أم لا، بـ«التوافق على أنها تتبع»، وفق معلومات الرقب، مستدركاً: «بالنسبة لملف الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأبو مازن وحركة (فتح) رفضا ما كانت (حماس) تريد إنجازه بشأن وضع إطار مؤقت وتأجل لنقاشات لاحقة».

وأكد الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أن الاجتماع أسفر عن «الاتفاق مبدئياً على تشكيل لجنة إدارة غزة بعد خروج إسرائيل، ولها 4 مهام، وهي أنها تدير الناحية الإدارية بغزة، ومسؤولة عن توزيع المعونات الإغاثية، وتعد خطة إعمار القطاع، وأن يصدر قرار رئاسي بشأنها من السلطة».

وهناك محاولات لتقريب وجهات النظر بشأن وضع الإطار المؤقت بشأن منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة المنظمة تعترف بحل الدولتين و«هناك اعتراضات من (حماس) على ذلك»، وفق فرج، مؤكداً أن مساعي مصر مستمرة في توحيد الموقف الفلسطيني ودعمه بشكل مطلق.

وفي هذا الصدد، أكد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الاثنين، في لقاء بالقاهرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، «دعم مصر قيادة وشعباً للقضية الفلسطينية، ورفض كل أشكال التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة أو الضفة الغربية، مع استمرار الجهود المصرية المكثفة، الهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية، والعمل، في الوقت ذاته، على حماية حق الشعب الفلسطيني المشروع في إقامة دولته المستقلة».

وشدد الرئيس المصري على «دعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذلها جهوداً كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية في هذا الظرف التاريخي الدقيق»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

وهذا الموقف المصري هو استمرار لتأكيد دعم القضية الفلسطينية، بحسب اللواء سمير فرج، مؤكداً أن القاهرة يهمها بكل السبل وقف الحرب بغزة وترتيب البيت الفلسطيني وتوحيده ليكون قوياً أمام التحديات الموجودة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، أن «مصر تستشرف الخطر وتريد ترتيب الأوراق الفلسطينية، خاصة مع اقتراب إعلان الفائز بانتخابات الرئاسة الأميركية، بما يسهم من تقوية موقفها التفاوضي والتوصل لحل جاد».ويتوقع أن تكون هناك عراقيل محتملة ستواجه اللجنة، منها الرفض الإسرائيلي، وعدم الاتفاق على ترتيبات بين الفصائل في أسرع وقت، مثمناً الجهود المصرية المتواصلة لإيجاد حلول سريعة وتحقق المزيد من الحقوق الفلسطينية.