المعارضة تطالب بتنحي البشير فوراً... وقادتها يشاركون في الاعتصام

أعلنت عن مجلس للاتصال السياسي مع القوات النظامية للترتيب للفترة الانتقالية

TT

المعارضة تطالب بتنحي البشير فوراً... وقادتها يشاركون في الاعتصام

طالبت «قوى إعلان الحرية والتغيير» المعارضة الرئيس السوداني عمر البشير وحكومته بالتنحي فوراً، دون قيد أو شرط، كما دعت القوات المسلحة إلى دعم خيار الشعب في التغيير، والانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، وسحب يدها عن النظام الحالي الذي وصفته بأنه فقد أي مشروعية له. وشارك بعض قادة المعارضة في الاعتصام الجاري أمام القيادة العامة للجيش، في وقت أعلنت فيه نقابة أطباء السودان الشرعية التراجع عن قرار الانسحاب من مستشفيات القوات المسلحة، بعد وقوف الجيش مع الشعب في الاعتصام.
وأعلنت «قوى الحرية والتغيير»، التي تضم «تجمع المهنيين» وقوى المعارضة من «نداء السودان» والإجماع الوطني وتجمع الاتحاديين والقوى المدنية، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، عن تشكيل مجلس منها وقوى الثورة التي تدعم إعلان الحرية والتغيير. وأوضح البيان أن المجلس سيتولى مهام الاتصال السياسي مع القوات النظامية، والقوى الفاعلة محلياً ودولياً، من أجل إكمال عملية الانتقال السياسي، وتسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية متوافق عليها شعبياً، ومعبرة عن قوى الثورة. وحيا البيان ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة، قائلاً: «الذين قاموا بحماية الثوار، وحماية حقهم في التعبير السلمي عن رأيهم». وشددت قوى الحرية والتغيير على وقوفها مع مطالب الشعب السوداني بالتنحي الفوري للرئيس عمر البشير وحكومته، دون قيد أو شرط.
وشارك قادة سياسيون في مظاهرات أمس، وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، أمام الجماهير المحتشدة هناك، إن «إعلان قوى الحرية والتغيير يتمسك بتنحي البشير وحكومته فوراً، وإن الاعتصامات والمظاهرات لن تتوقف حتى يتنحى البشير، داعياً ضباط وجنود القوات المسلحة لإعلان الانحياز إلى الشعب»، كما دعا المجتمع الدولي إلى الوقوف مع خيار السودانيين.
ومن جانبها، قالت نائبة رئيس حزب الأمة المعارض، مريم الصادق المهدي، إن الأحداث أمام القيادة العامة في الساعات الأولى من صباح اليوم (أمس)، من عمليات عنف من قبل الأجهزة الأمنية لفض الاعتصام، كان قراراً من مجلس الدفاع والأمن، وإن تصريحات وزير الإعلام حسن إسماعيل كانت تمهيداً لهذه الاعتداءات التي أدت إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة آخرين. وأشارت إلى أن هناك انقساماً داخل الجيش بين الرتب العليا والدنيا، وأن القوات المسلحة تمت أدلجتها خلال 30 عاماً، والبشير أصبحت لديه سطوة لكنه الآن يعتمد على قوات الدعم السريع، وهو ما أثار سخطاً في أوساط الجيش، وأصبحت هناك مواقف متباينة. وقالت مريم الصادق: «إن قيادة قوى الإعلان والتغيير أكدت استمرارية الاعتصام، وسوف يتم إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني، وتكوين قيادة سياسية عليا لقيادة المرحلة المقبلة، والتواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي، وإن عليها أن تقف مع خيار الشعب السوداني، وأن توقف مؤازرتها للبشير، وإن الأدوار الوطنية في القضايا المصيرية هي أدوار متكاملة، يقوم بها كافة أطياف الشعب وجماهيره، وإن هذه اللحظات التاريخية الوطنية تظل عالقة منحوتة في ذاكرة التاريخ، لا يصنعها أي فعل قادم سوى أن نكون نحن صناعها، وأن نكون جزءاً أساسياً من فعلها، فإن للوطن علينا حق، نمنحه برضا وفخر».
ودعا إعلان الحرية والتغيير المجتمع الإقليمي والدولي إلى دعم مطالب ما وصفه بثورة الشعب السوداني، وقال: «نؤكد رغبتنا الجادة في بناء علاقات متوازنة، تقوم على احترام أسس الجوار، وتعمل على التعاون المشترك من أجل مصلحة الشعوب وسلامها واستقرارها وازدهارها»، وشدد على أن قوى إعلان الحرية والتغيير ستمضي بخطى ثابتة مع الشعب من أجل إكمال مسار عملية التغيير، وقال: «لقد لاح فجر الخلاص بصمود وبسالة الثائرات والثوار، وقريباً سيحصد شعبنا نتاج غرسه وصبره ونضاله، في وطن ينعم فيه جميع بناته وبنيه بالسلام والعدالة والحرية والتنمية والمواطنة، بلا تمييز».
وأشار البيان إلى أن جماهير الشعب السوداني تقدم الدروس الملهمة في النضال والتضحية، وفي ابتداع وتنويع أساليب المقاومة السلمية، منذ اندلاع الحراك في ديسمبر (كانون الأول) 2018، قائلاً: «لم تجدِ كل أدوات البطش والتنكيل، ولم تفلح الطوارئ في إرهاب جموع السودانيات والسودانيين الثائرة». وقال أيضاً إن المعتقلين سيطلق سراحهم في اللحظات المقبلة بأمر إرادة الشعب، متابعاً: «لقد بلغت الثورة السودانية مرحلة فاصلة مهمة بموكب السادس من أبريل (نيسان) الجاري، الذي احتشدت فيه جماهير الشعب بشكل غير مسبوق. وقررت الجماهير الاعتصام أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة حتى إعلان سقوط النظام». هذا وقد شارك بعض قادة المعارضة في الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.