باريس: لا أجندة خفية لنا في ليبيا

TT

باريس: لا أجندة خفية لنا في ليبيا

لم تتردد صحيفة «إل جيورنالي» الإيطالية، الأسبوع الماضي، في اتهام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه الجهة التي أعطت «الضوء الأخضر» للمشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني الليبي»، بالهجوم على طرابلس. وهذا الاتهام صدر أيضاً عن بعض الأوساط القريبة من رئيس حكومة الوفاق فائز السراج. لكن أياً من الطرفين لا يأتي بالدليل الذي يثبت اتهاماً بهذه الخطورة، خصوصاً على ضوء التصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الفرنسيين.
ولا يمكن إنكار اهتمام السلطات الفرنسية بالملف الليبي حيث دعت الرئاسة الفرنسية إلى قمتين: الأولى ضمت حفتر والسراج في يوليو (تموز) من عام 2017 والثانية في مايو (أيار) من العام الماضي بحضور المسؤولين المذكورين وشخصيات أخرى ليبية أخرى عديدة، إضافة إلى الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة. وأفضت القمة الثانية إلى بلورة «خريطة طريق» عنوانها الأساسي إجراء انتخابات عامة نيابية ورئاسية قبل نهاية العام المنصرم، وهو الأمر الذي لم يحصل. وكدليل آخر على اهتمام باريس بهذا الملف، فإن وزير الخارجية جان إيف لو دريان قام حتى اليوم بأربع زيارات إلى ليبيا آخرها في 18 مارس (آذار) الماضي، وهو ما لم يقم بمثله أي وزير خارجية غربي آخر. وعندما واجه حفتر صعوبات صحية الخريف الماضي، فإنه جاء إلى باريس حيث تمت معالجته قبل أن يعود إلى بنغازي.
بيد أنه ليس سراً أن فرنسا تعاونت في السابق عسكرياً وأمنياً مع حفتر وأرسلت بعض فرق الكوماندوز لتعمل في ليبيا. ذلك أنها رأت فيه الرجل القادر على مواجهة التنظيمات الإرهابية. ولا شك أنها وفرت له، على المستويين السياسي والدبلوماسي، رافعة مكّنته، إلى حد بعيد، من أن يصبح محاوراً مقبولاً على المستوى الدولي. ومع وصول ماكرون إلى السلطة، سعت باريس إلى لعب دور أكثر توازناً، فانفتحت على السراج واعترفت بحكومته ودعته أكثر من مرة للمجيء إلى باريس. وعملت بشكل حثيث لمحاولة التقريب بين الرجلين عملاً بكلام قاله ماكرون عقب القمة الليبية الأولى في فرنسا عندما أعلن أن السراج «يمثل الشرعية السياسية وحفتر يمثل الشرعية العسكرية». ومنذ ذاك التاريخ، يقوم الموقف الفرنسي الرسمي على دعم الوساطة الأممية.
وأمس، ردت أوساط الإليزيه على الاتهامات الموجهة إلى باريس بتأكيد ثلاثة أمور: لا أجندة سرية لفرنسا في ليبيا، لم تكن باريس على علم مسبق بالعملية العسكرية الأخيرة لقوات حفتر، واعتبار أن المخرج يتمثل في الحل السياسي عبر الوساطة الأممية. وما جاء مختصراً في بيان الإليزيه، جاء مفصلاً على لسان وزير الخارجية الذي صاغت إدارته البيان الصادر عن وزراء خارجية مجموعة السبع الأكثر تصنيعاً عقب اجتماعهم يومي 5 و6 الجاري في منتجع دينار. ورسم لو دريان المحددات كما تراها بلاده كالتالي: «المبدأ الأساسي أنه في ليبيا ليس من انتصار عسكري والحل لا يمكن أن يكون إلا سياسياً، أي عبر مؤتمر وطني تتبعه انتخابات رئاسية وتشريعية تضم كافة الليبيين».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.