التسوية الرئاسية تتعثّر... و«سيدر» ينتظر وفاقاً لبنانياً

وسط اتهامات لباسيل بالتصرف طليق اليدين بلا ضوابط

TT

التسوية الرئاسية تتعثّر... و«سيدر» ينتظر وفاقاً لبنانياً

ما زالت التسوية التي توصّل إليها رئيس الحكومة سعد الحريري مع العماد ميشال عون وأدت إلى انتخاب الأخير رئيساً للجمهورية تتموضع في منتصف الطريق وتتأرجح بين هبّة باردة وأخرى ساخنة رغم أنها أنهت الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وقطعت الطريق على انهيار البلد وأعادت انتظام مؤسساته الدستورية من دون أن تخطو بخطوات سريعة في اتجاه إنقاذه على مراحل من أزماته الاقتصادية والاجتماعية بسبب التباطؤ في توفير الشروط والاستجابة لما ورد في مقررات مؤتمر «سيدر» التي تؤسس للانتقال به تدريجياً إلى بر الأمان.
فالمسؤولية لا تقع على عاتق الرئيس الحريري الذي قدّم التضحية تلو الأخرى على طريق إنقاذ البلد في مقابل عدم معاملته بالمثل من «التيار الوطني الحر» الذي ما انفك يتعامل معها على أنها الطريق المؤدية إلى إلغاء خصومه في الساحة المسيحية وتقليص نفوذ الآخرين بذريعة استعادته لحقوق المسيحيين.
ومع أن الرئيس الحريري ليس في وارد الدخول في صدام مع الرئيس عون ويحرص على اتّباع سياسة الصبر، نافياً كل ما يقال عن وجود خلاف بينهما، فإن رئيس «التيار الوطني» وزير الخارجية جبران باسيل لا يتصرّف لإنجاح هذه التسوية وتنقيتها من الشوائب وهو لا يزال ينطلق من حسابات سياسية خاصة به، وإلا لماذا كل هذا الودّ الذي يسود علاقته بالآخرين باستثناء «حزب الله».
وفي هذا السياق، ينقل وزراء عن عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى لبنان، توجّسهم من السياسة التي يتّبعها باسيل على المستويين الداخلي والخارجي، ويتصرف وكأنه طليق اليدين وأن ليس هناك من يضبط أداءه الذي يتسبب في إحراج الحكومة من خلال التفافه على سياسة النأي بالنفس التي التزمت بها في بيانها الوزاري وبعضها لا يلقى أي تأييد من الرئيس الحريري الذي وإن كان يفضّل عدم الدخول في السجالات الداخلية ويحصر اهتمامه بتحضير البلد ولو متأخراً للإفادة من مؤتمر «سيدر» الذي رسم خريطة الطريقة للنهوض به من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
ويحاول الرئيس الحريري بكل ما أوتي من إمكانات وصلاحيات توفير الحماية للتسوية السياسية التي مهّدت الطريق مع قوى أخرى لانتخاب عون رئيساً للجمهورية بخلاف ما كان أعلنه الوزير باسيل من أنه لولا «حزب الله» لما انتخب رئيساً، رغم أن قوله هذا يدعم مقولة جهات إقليمية ودولية بأن الحزب يسيطر الآن على لبنان.
فوجود الرئيس الحريري على رأس حكومة العهد الأولى كما يقول الرئيس عون وفريقه السياسي لم يبدّل كثيراً من واقع الحال الذي كان سائداً خلال وجوده على رأس الحكومة التي شُكّلت فور انتخاب عون رئيساً باستثناء إقرار قانون انتخاب جديد اعتمد النظام النسبي وكان من نتائجه التي لم تفاجئ الرئيس الحريري حسم عدد من المقاعد من حصته النيابية لأن ما كان يهمّه هو إعادة الحياة السياسية إلى البلد.
وفي المقابل فإن الوزير باسيل الذي يسعى لتوظيف إمكانات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية لم يبدّل من سلوكه الذي اعتمده قبل إسناد رئاسة الحكومة إلى الحريري رغم أنه على تواصل معه، من دون أن ينسحب هذا التواصل على الشارع الذي يدين بالولاء لزعيم تيار «المستقبل».
لذلك يحاول الحريري منع سقوط الهيكل لأن سقوطه «لا سمح الله» لن يقتصر على فريق دون الآخر وهذا ما لا يأخذه باسيل بعين الاعتبار، وإلا لماذا أطاح بإعلان النيات الذي أبرمه العماد عون قبل انتخابه رئيساً مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إضافة إلى أن تفاهمه مع «المستقبل» يتعرض من حين لآخر إلى اهتزاز رغم أن الحريري يحاول أن يمنع العبث به.
ورغم السياسة الإلغائية التي تتحكّم بسلوك باسيل في الحكومة وخارجها، فإن الأخير يتعامل مع التعيينات الإدارية على أنه «الممثل الشرعي الوحيد» للمسيحيين ويريد السيطرة عليها، مع أن تياره السياسي لم يحصد أكثر من 32 في المائة من أصوات الناخبين المسيحيين في الانتخابات النيابية الأخيرة. كما أن علاقته برئيس المجلس النيابي نبيه بري تقوم على «القطعة» وهذا ما يفسّر تأرجحها وعدم استقرارها، ولا تقع المسؤولية على الأخير بمقدار ما أنها تعود إلى رغبة الوزير في «تنعيم» مواقف الآخرين لعله يدفع بحليفه «حزب الله» بأن يمنحه الأفضلية في منافسته على رئاسة الجمهورية مع زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية ظنّاً منه أنّ تفوقه عليه سيقود حتماً إلى كسب تأييد النظام في سوريا له ومن خلاله محور «الممانعة».
ولهذا، يضع باسيل كل اللوم على الآخرين ويحمّلهم مسؤولية إعاقة قيام مشروع الدولة وإطلاق المشاريع التي تنقل لبنان من التأزّم إلى الانفراج، وهو يقدّم نفسه على أنه يشكّل رأس حربة لمكافحة الفساد وهدر المال العام مع أن تياره السياسي تسلّم وزارة الطاقة منذ عام 2010 من دون أن ينجح في إعداد خطة للكهرباء لا تقوم على الحلول المؤقتة من خلال استقدام البواخر لتوليد الكهرباء.
والأنكى أن باسيل دعا، في اللقاء الذي جمع تياره السياسي والحزب «التقدمي الاشتراكي» في كنيسة سيدة التلة في بلدة دير القمر الشوفية وفي حضور رئيسه وليد جنبلاط، للانضمام إلى التفاهمات التي عقدها «التيار الوطني» مع عدد من القوى السياسية، لكنه سارع إلى إحباط دعوته بقوله في اللقاء إنه وضع إكليلاً من الورد على أضرحة شهداء عام 1840 في إشارة إلى الحرب التي دارت بين المسيحيين والدروز والتي بلغت أشُدّها عام 1860.
إلا أن جنبلاط تجنّب الرد عليه لأن ما يهمّه تكريس المصالحة في الجبل والتي كان رعاها البطريرك الماروني السابق نصر الله بطرس صفير ولم يعترف بها باسيل واعتبرها منقوصة لعدم مشاركة «التيار الوطني» فيها.
وحده رشيد جنبلاط ردّ على باسيل، وهذا ما دفع ببلدية دير القمر إلى إصدار بيان وكأن اللقاء في سيدة التلة لم يحصل، وهذا ما يرتد سلبا على المصالحة ويعيد الاحتقان، مع أن جنبلاط هو ابن خال النائب طلال أرسلان وتربطه علاقة وطيدة برئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، وبالتالي لا يمتّ بأي صلة حزبية لـ«التقدمي الاشتراكي».
ولم يبق الردّ في هذا الإطار بل سارع وزير المهجرين غسان عطا الله - التيار الوطني - إلى القول إن المسيحيين يخشون تمضية الليل في بيوتهم في الشوف وعالية، مع أن عطا الله كان وراء التحضير للقاء الذي استضافته كنيسة سيدة التلة.
وعليه، هل بهذه المواقف يمكن دعوة «التقدّمي» للانضمام إلى التفاهمات التي عقدها «التيار الوطني» والتي لم يصمد منها سوى تفاهمه مع «حزب الله»؟ وما الغاية من محاولة الوزير عطا الله تنظيم لقاء متلفز في مقام النبي أيوب في بلدة نيحا الشوفية اضطر إلى صرف النظر عنه لعدم استجابة مشيخة العقل في طائفة الموحّدين الدروز التي أبلغته ترحيبها بزيارته لهذا المقام من دون همروجة متلفزة؟
لذلك، فإن باسيل من وجهة نظر وزراء هم على خلاف معه، لا يتناغم إيجاباً مع كل ما هو مطلوب لوقف هدر الوقت الذي يعيق توظيف لبنان لمقررات «سيدر» في خدمة الجهود الرامية لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية. ويقول هؤلاء إن باسيل يتحرّك على موجة أخرى ويخطّط منذ الآن لخدمة طموحاته الرئاسية، وبالتالي فهو يقدّم نفسه على أنه وزير الوزراء، رغم أن الحريري يسعى لاستيعابه للحفاظ على الاستقرار وبغية تمكين الحكومة من اجتياز الاختبار الذي تخضع لتأديته أمام «سيدر» بنجاح ما يضع البلد على خانة تجاوزه للأزمات التي يبحث عن حلول لها.
ويتساءل هؤلاء عن الجدوى من قول باسيل في المهرجان البلدي البيروتي الذي نظّمه له «التيار الوطني» أول من أمس، إن بيروت ستبقى واحدة موحّدة لكل لبنان لكن لا مانع من تقسيمها انتخابياً وبلدياً ومالياً، وهل يمضي قدماً إلى تحقيق اللامركزية السياسية إنما بغطاء إداري!
فهل يخدم باسيل التوجّه للإفادة من «سيدر» الذي كان للحريري الدور الأول في انعقاده وهو مطالب من المجتمع الدولي بإنقاذه لأنه المؤتمن عليه؟



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.