«القرصنة البيولوجية»... بدعة تزداد شعبية

تهدف إلى تعزيز سيطرة الإنسان على صحته عند شعوره بالتعب من العالم الخارجي

«القرصنة البيولوجية»... بدعة تزداد شعبية
TT

«القرصنة البيولوجية»... بدعة تزداد شعبية

«القرصنة البيولوجية»... بدعة تزداد شعبية

يومياً ولمدّة 45 دقيقة، يقصد لاعب الهوكي الأميركي المخضرم دانكن كيث، ما يسمّيه «مختبره» حيث يقوم بالاستفادة من «مجموعة من الأشياء اللازمة له للحفاظ على صحّته»، كما يقول. ومن بين هذه الأشياء، حسب مقابلة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، غسل نفسه بالأشعة دون الحمراء، والتمدّد لثماني دقائق على فراش يبثّ «تيارات كهرومغناطيسية»، وتناول مكمّلات غذائية كالـ«غلوتاثيون glutathione» وفيتامين سي، والسوائل العشبية مثل الـ«آشواغاندا ashwagandha».
ويضيف كيث في مقابلته مع الصحيفة: «أحياناً، أنام ليلاً وأنا متصل بجهاز لاستنشاق الهيدروجين... أنا قرصان بيولوجي، ولاعب هوكي بدوام جزئي. الحياة تصبح أفضل بكثير بمساعدة العلم».

القرصان البيولوجي
مصطلح «القرصنة البيولوجيةbiohacking »، وتابعه «القرصان البيولوجيbiohacker »، يشير إلى العلاقة الوطيدة مع ثقافة القراصنة الإلكترونيين، إلا أنه يُستخدم هنا كنزعة للبحث عن وسائل جديدة وذكية لتنفيذ أعمال من قبيل «الأعمال البيولوجية التي ينفّذها الإنسان بنفسه». وحقّق المصطلح انتشاراً واسعاً حتى اليوم.
وقد راكم مبدأ القرصنة البيولوجية رصيداً كبيراً في الثقافة الشعبية خلال العقد الماضي، بطرح منطلقات جديّة لتطبيق جوهر القرصنة التقنية في مجال علوم الأحياء.
وتطورت هذه المنطلقات على يد مجموعة صغيرة من الرجال الأصحاء والميسورين الذين يستطيعون إيجاد اختصارات لكلّ شيء، حتى أنفسهم! ومنذ ذلك الحين، تجاوزت هذه المنطلقات مرحلة التجارب الشخصية العادية وتحوّلت إلى منتجات تستخدم في روتين حياتنا اليومية مثلما نستخدم القهوة.

بدعة تجارية
تختلف القرصنات البيولوجية باختلاف المنصّات الإلكترونية التي تتابعونها، ويمكن أن تتراوح بين استجلاب «المياه الخام غير المكررة»، والتدلّي رأساً على عقب بهدف «قرصنة الدماغ» عبر زيادة تدفّق الدمّ (بحجة أنّ عدم تلقّي دماغكم للكمية الكافية من الدمّ قد يشير إلى تعرّضكم لجلطة دماغية)، إلى رصد كلّ ما يدخل ويخرج من جسمكم بشكل هوسي، يمكن اعتباره هوساً مَرضياً. وكما هو الحال مع المصطلحات الشعبية، تحوّلت القرصنات البيولوجية إلى مشاريع تجارية، كالترويج لشراب «سويلنت Soylent» على أنه «بديل للوجبة الغذائية»، وكذلك بوليصة التأمين «إنشور فور ميلينيالز Ensure for Millennials» على أنّها قرصنات بيولوجية.
كما تحوّلت هذه الأخيرة إلى عالم ترويجي صاخب يُستخدم لبيع «مكمّلات غذائية» غير خاضعة لشروط قانونية ولإعادة تعليب منتجات قديمة كالقهوة مع الزبدة. وإن كان المستهلكون قد أخذوا منذ زمن بعيد بإضافة الحليب إلى القهوة، فإن النسخة الجديدة من هذه الإضافة أغلى ثمناً ومهمتها قرصنة دماغكم.
وكأي موضة عابرة تسعى إلى بيع اختصاراتها لعالم الأحياء، أو أي منطلقات حياتية تدّعي قدرتها على اختصار عمل صعب، يحاول القراصنة البيولوجيون اليوم بيع نصائح صحية غير مجرّبة (أو على مبدأ «لقد نفعتْني أنا») في محاولة منهم لتحويلها إلى علم قائم. ولكن غالباً ما تكون النتيجة النهائية هدراً للأموال والوقت دون مكاسب.

نصائح طبيعية صحية
في المقابل، لا ينفي هذا الاستغلال التجاري أهمية مبدأ القرصنة البيولوجية لجهة سيطرة الإنسان على صحّته في الأوقات التي يشعر فيها بالتعب من العالم الخارجي. لذا، للحصول على هذه الفوائد الصحية إلى جانب فوائد بيولوجية حقيقية، إليكم أهمّ القرصنات البيولوجية، والتي تعد طبيعية بالكامل، على عكس القرصنات التجارية التي يروَّج لها اليوم. لا تأتي هذه القرصنات بترتيب محدّد لأنّ جميعها يتمتّع بقوّة مؤثرة.
> النوم: يسهم النوم (الذي يقال إنه يسهم في «تنظيف الدماغ») في إطالة عمر الإنسان ويساعد في الوقاية من أمراض كثيرة، خصوصاً أن قلّة النوم تضعف جهازكم المناعي... هذا دون أن ننسى أنّ النوم لا يتطلّب منكم أي جهود أو أموال.
للحصول على نوم صحي، خصِّصوا الساعة الأخيرة من يومكم للأمور غير المرتبطة بالعمل لتهدئة دماغكم. أنا يمكن أن أسميها «الساعة المذهلة».
> تمضية الوقت في الطبيعة: لا تزال قرصنة الطبيعة لعقول البشر مفتوحة على أسئلة كثيرة، ولكنّ تأثيرها واضح ومنطقي جداً. إذ تَبيّن أنّ إمضاء الوقت في الطبيعة يقلّل الاكتئاب ويزيد نسبة الشفاء بعد العمليات الجراحية إلى جانب مكاسب كثيرة أخرى.
> النشاط البدني: اختاروا الأفضل بالنسبة إليكم؛ ما الأمور التي تستمتعون بها ويمكنكم الاستمرار بممارستها ضمن وضعكم الجسدي وجدول أعمالكم؟ إنّ المحافظة على النشاط البدني المستمر تعني أنّكم تسيرون بالاتجاه الصحيح. يجب أن تحافظوا على نشاطكم قدر الإمكان.
> تناوُل طعام جيّد: يتألف الطعام الجيّد من مزيج من الطعم اللذيذ، والثقافة، والتمثيل الغذائي الفردي. من وجهة النظر الغذائية، يحصل البشر على غذائهم من مجموعة متنوعة من الأشياء القابلة للأكل. ويبدو أنّ الأشخاص الذين يستهلكون كمية أقلّ من الأطعمة الصناعية ويكثرون من الوجبات النباتية يعيشون لمدّة أطول ويتنعّمون بحياة صحية أكثر.
يمكنكم أيضاً الاستفادة من بعض النصائح في هذا المجال كتناول الطعام مع المجموعة، وتخصيص وقت للطهي والأكل برويّة، ودراسة العامل البيئي عند استهلاك الغذاء.

تحقيق السعادة
- الشعور بالهدف: إنّ السعي لتحقيق السعادة ليس بقرصنة بيولوجية، ولكنّ السعي خلف تحقيق الهدف كذلك.
قد يكون الفارق في هذه الحالة طفيفاً لأنّ البشر الذين يملكون هدفاً في حياتهم يميلون غالباً إلى الشعور بالسعادة. ولكنّ النيات الأساسية هي العنصر الأهمّ. ففي حال سعيتم إلى تحقيق السعادة نفسها، سيقودكم الجزء المنفعي من دماغكم الأوسط إلى الطريق الأمثل للحصول على أقوى جرعة من «الدوبامين». يحصل المستهلكون غالباً على هذه الجرعة من المواد الكحولية والمخدرة، ومن شاشات الأجهزة الإلكترونية، مما قد يؤدي إلى الإدمان، فيبطل تأثيرها بعد مدّة محدّدة من الزمن. ولكنّ السعي وراء تحقيق هدف ما يقلب هذا المفهوم. إذ عندما تسعون خلف أمر لا يزوّدكم بمنفعة مباشرة ويعدكم بمكاسب لاحقة، تنتظر الناقلات العصبية بدورها هذه المكاسب.
> معايشة الناس وربّما الحيوانات الأليفة: أحببتم هذا الأمر أم لم تحبّوه، يبني البشر علاقات تملأ الوقت الذي يمضونه على هذا الكوكب. وفي حال كانت هذه العلاقات لا تربطهم بمخلوقات لها قلوب تنبض، ستربطهم بأشياء مادية كالمواد المخدرة والشاشات. فقد اتضح أنّه وعلى الرغم من أن العلاقات مع البشر والحيوانات تتطلّب عملاً شاقاً، فإنها قادرة على قرصنة النظام الجسدي البشري بشكل مفيد للصحة والاستمرار. من ناحية أخرى، تبيّن أنّ العزلة الاجتماعية قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والتهاب المفاصل والسكري من النوع الثاني والخرف والانتحار.
> البحبوحة: تعد البحبوحة أو الرفاه المادي من أهمّ القرصنات البيولوجية. فقد تبيّن أن الأشخاص الميسورين يعيشون لفترة أطول من الأشخاص الذين لا يملكون ما يكفي من المال لتأمين الغذاء الصحي ويشعرون بالتوتر المستمرّ حول أمور شائعة كتسديد الإيجار أو خسارة أجرة يوم عمل. على مرّ التاريخ، اعتُبرت الثروة أحد أهمّ عوامل التنبؤ بالأوضاع الصحية عالمياً.

- «ذا أتلانتيك»،
خدمات «تريبيون ميديا»



هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟
TT

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

هل يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يكشف «لغة الخلايا الحية»؟

ربما يكون أهم عنصر في علم الأحياء يمكننا فهمه هو خلايا أجسامنا. وإن حدث واستطاع العلماء التنبؤ بسهولة بكيفية تأثير طفرة جينية أو فيروس أو عقار أو أي شيء مؤثر آخر على الخلية، وبالتالي جميع الأنسجة والأعضاء التي تخدمها، فإن بوسعهم اكتشاف لقاحات وأدوية جديدة بسرعة، كما كتب ماتيو وونغ*.

صعوبة نمذجة الخلايا الحية

وصف كثير من علماء الأحياء الخلوية هذا التوجه أخيراً بأنه «الكأس المقدسة» التي يرومون نيلها في مجالهم منذ فترة طويلة. لكن الخلايا البشرية هي أيضاً من بين أصعب الأشياء التي يمكن دراستها.

تتكون أجسامنا من عشرات التريليونات من الخلايا المتفاعلة، ولكل منها آلياتها الداخلية المعقدة. ولكن العلماء لا يستطيعون الاقتراب من إعادة تكرار هذا العالم في المختبر، وقد واجهوا صعوبة في القيام بذلك باستخدام أجهزة الكومبيوتر أيضاً.

الذكاء الاصطناعي التوليدي للبيولوجيا

قد يتغير هذا، ففي العقود الأخيرة، جمع العلماء كميات هائلة من الحمض النووي وبيانات التصوير المجهري من الخلايا البشرية، والآن لديهم أداة (الذكاء الاصطناعي التوليدي) التي قد تعطي معنى لكل هذه المعلومات.

لذا وبقدر ما يمكن لبرنامج الدردشة الآلي تمييز الأسلوب، وربما حتى المعنى من مجلدات ضخمة من اللغة المكتوبة التي يستخدمها بعد ذلك لبناء نصوص تماثل ما يقدمه الإنسان، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي من الناحية النظرية على كميات هائلة من البيانات البيولوجية، لاستخراج معلومات أساسية عن الخلايا أو حتى الكائنات الحية بأكملها.

ولا يزال البحث في مراحله المبكرة، وقد لا تتحقق «الخلايا الافتراضية» الكاملة التي يقودها الذكاء الاصطناعي أبداً. لكن علماء الأحياء أحرزوا بالفعل تقدماً كبيراً باستخدام التكنولوجيا لدراسة المكونات الأساسية لأجسامنا، وربما تغيير طبيعة هذه الدراسة أيضاً.

وكما هي الحال في كثير من المجالات العلمية الأخرى، يتم التحول من القدرة على التفسير إلى القدرة على التنبؤ، ويحلُّ «الإيمان الخوارزمي» محل الاكتشاف البشري.

عالم غامض ومتغير

إن دراسة الخلية البشرية أمر صعب. فهناك عشرات المليارات منها في الجسم، وتشكل شبكة هائلة ومعقدة تحكم كل مرض وعملية أيضية. وكل خلية في هذه الدائرة هي في حد ذاتها نتاج تفاعل كثيف ومعقد، بالقدر نفسه بين الجينات والبروتينات، وغيرها من أجزاء الآلات البيولوجية الصغيرة للغاية.

إن فهمنا لهذا العالم غامض ومتغير باستمرار. فقبل بضع سنوات فقط، كان العلماء يعتقدون أن هناك بضع مئات فقط من «أنواع الخلايا المميزة»، ولكن التقنيات الجديدة كشفت عن الآلاف، (وهذه ليست سوى البداية).

إن إجراء التجارب في هذا المجال المجهري قد يكون نوعاً من التخمين؛ وحتى النجاح غالباً ما يكون مربكاً. فقد كان يُعتقد أن الأدوية التي تشبه عقار «أوزيمبيك» تعمل على الأمعاء -على سبيل المثال- ولكن قد يتبين أنها أدوية للدماغ، مثلما تم تطوير عقار «فياغرا» في البداية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية، ثم تحول لعلاج ضعف الانتصاب.

* «ذا أتلانتيك أونلاين»، خدمات «تريبيون ميديا».