«قيامة البتول الأخيرة»... أسئلة حارقة على إيقاع الزلزال السوري

زياد حمامي يعود إلى «اليهودي الحلبي» في روايته الجديدة

«قيامة البتول الأخيرة»... أسئلة حارقة على إيقاع الزلزال السوري
TT

«قيامة البتول الأخيرة»... أسئلة حارقة على إيقاع الزلزال السوري

«قيامة البتول الأخيرة»... أسئلة حارقة على إيقاع الزلزال السوري

«لماذا علينا أن نهرب؟ هل ديانتنا اليهودية جريمة نستحق عليها القتل أو الإعدام أو الذبح؟ هل علينا أن نهاجر كما حدث في بداية الثمانينات؟»
في رواية زياد كمال حمامي (قيامة البتول الأخيرة - الأناشيد السرية - 2019) تجأر بهذه الأسئلة ليزا - أو الموناليزا كما يناديها عاشقها عبد السلام - على إيقاع الزلزال السوري المتفجر منذ ثماني سنوات. وعلى هذا الإيقاع يجأر العاشق الرسام السريالي: «ما هذه الحرب المؤلمة؟ طرف يقول إنها ثورة، والطرف الآخر يصفها بالأزمة والفتنة، وطرف ثالث يعتنقها جهاداً، وآخر يعدها احتلالاً، وأطراف تؤكد أنها فوضى».
عندما كتبتُ عن يهود حلب في الرواية («الشرق الأوسط 14-1-2019») لم أكن قد قرأت رواية «قيامة البتول الأخيرة»، فلم أذكرها، ولم يقم الكاتب الدنيا ولم يقعدها، لم يتّهم، ولم يشكك، لم يخوّن، ولم تنجرح نرجسيته، كما يفعل من قد لا تذكر روايته، ربما لأنك لا تراها جديرة حتى بالإشارة. أما زياد كمال حمامي فقد ذكّرني برواية قديمة له عن يهود حلب أيضاً، هي «الظهور الأخير للجد العظيم» - 1995.
تتصدر رواية «قيامة البتول الأخيرة» بمجزوء من رسالة الإله بعل، إله البرق والعواصف والمطر، تعود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد: «سوريا بلدكم، أينما كنتم، وهذا حقكم، فحطّم سيفك، وتناول معولك، واتبعني لنزرع السلام والمحبة». وتتبأر هذه الرواية، من سوريا، في حلب، ومن حلب في حارة اليهود العتيقة (المندرة)، حيث تقطن مجموعات مختلفة في الدين والعرق. ومنذ البداية، غزل الكاتب للرواية رمزاً هو أيضاً إيقاع، عبر شخصية البتول، أجمل بنات الحارة التي يقضي عليها القتلة انتقاماً من أبيها الموظف الذي يتصدى لجلاوذة الفساد. ولا تفتأ البتول تظهر ليرفد الرواية نسغٌ أسطوري بديع. وعلى هذا النحو تمور الرواية بشخصيات لا يُنسى الكثير منها، مثل العمياء الثريا التي (ترى) الأصوات، وتتفرس في الروائح، وأختها أم القطط التي تسمّي قططها بأسماء من حولها في الحارة، أو النونو المجنون الذي يروي أنه يسمع يومياً أصوات المغتصبات من ميكروفون مسجد الشيخ سيتا، أو الجقجوق المبتلى بالنيكروفيليا، أو الأب الروحي للحارة: الحاج عبد القادر الهلالي، وابنه يحيى عاشق البتول بصوفية.
وفي رأس الشخصيات اليهودية يأتي إبراهام فارحي، حارس معبد الصفراء الذي يحتفظ بنسخة من التوراة على رقائق. وقد كتب للوكالة اليهودية العالمية أن هذه النسخة هي أقدم النسخ في العالم، مثلما هو كنيس جوبر أقدم معبد يهودي في العالم. وهنا أشير إلى ما يتواتر في الروايات المتعلقة باليهود من علامات بعينها، كنسخة من التوراة، أو مخطوطات، وكذلك تهريب اليهود إلى إسرائيل... ويكون الرهان بالتالي على ما تبدع كل رواية في هذه العلامة أو تلك.
بحسب الرواية، أُغلق منذ أعوام كنيس حارة المندرة التي تهدمت محلاتها وسراديبها الخفية، وتتم حراسة الكنيس سرياً. وعلى الباب الحجري لبيت إبراهام الذي يناديه الجيران إبراهيم، نُقشت عبارة (دار آليازار فرحي بن أشعيا 1824). وسوف يشير الفلسطيني أبو الرمز إلى المفارقة في حارة المندرة، وفي غيرها، بحيث يحتفظ اليهود بدورهم ونقوشهم ومعابدهم، ويقول: «لهم الحق في كل شيء في حين أننا نسلب كل شيء».
ويسرد أبو الرمز اغتصاب منزله في القدس من قبل جماعة محاربي داود، ورسمهم المينورا بشمعداناتها السبعة على الجدار الخارجي للبيت الذي صار لعائلة يهودية مهاجرة من بولونيا، مما اعتبرته إسرائيل تحريراً واستعادة لأرض يهودية. وبذا، لا تُغفِل رواية «قيامة البتول الأخيرة) الأسَّ الإسرائيلي - بالأحرى الصهيوني - الذي تغفله رواية سواها، فتبتر الفلسطيني من المأساة، وتبكي اليهود، فيما لعله استجداء للترجمة والشهرة.
يتنبأ إبراهام لابنته ليزا بأن الخراب سيعم «وربما سنهاجر من سوريا كما هاجر أجدادك من الأندلس». ويرصد الرجل تبدلات أصدقائه بين من تحول من الماركسية إلى الدين، ومن ولغ في الفساد، ويخصّ بالقول صاموئيل الذي انتقل إلى دمشق وفتح فيها مشاريع ضخمة بالمشاركة مع ضباط... ويسرد إبراهام قصة رجل الأعمال الأميركي موطي كاهانا الذي ساعد أسرة يهودية على الهجرة السرية بجواز سفر رسمي سوري عبر لبنان إلى إسرائيل.
ويسرد إبراهام أيضاً قصة تهريب جيلدا اليهودية التي أسلمت لزواجها من مسلم فبحجة اقتراب «داعش» من حي الجميلية في حلب، منح الهاربون حق العودة عبر قنوات سرية هي ما يعرف بأبناء الحليب، لكن إسرائيل طردت جيلدا وزوجها غير عابئة باعتراض طومي كاهانا.
يفكر إبراهام الذي بات بلا أصدقاء بأخوة محفل الأم سلطانة، وبأخوة الحليب الذين يديرون البلد كالخاتم. وكان بنجامين الابن الوحيد لإبراهام قد هاجر إلى أميركا رغم معارضة والديه، بينما رفضت والدته روز الهجرة إلى إسرائيل. وروز تكره الحروب، وتفرق بين الدين اليهودي والصهيونية. وكان الحاج الهلالي في زمن مضى قد سقى إبراهام المريض من ماء زمزم، فتقبل اليهودي التقدمة، وعدّ ذلك تقاسما عفوياً للمقدس، وكان مثل ذلك أمراً مألوف بين المسلمين واليهود والنصارى، لولا سموم السياسة ومؤامرات السياسيين، كما يشرح السارد. لكن إبراهام سيتبدل في سنوات الزلزال، وينخرط في المؤامرة التي يحبكها الرجل الخفي، لنقل قطع أثرية مهمة من حلب إلى الخارج.
حول شخصية الفنان عبد السلام ينعقد الحضور اليهودي في الرواية على شخصيتي ليزا وسوزانا. وقد حاولت ليزا المبدعة في تصميم أطقم الذهب والألماس، والمشهورة بين العائلات الحلبية الثرية، أن تستميل عاشقها إلى (أبناء الحليب)، وعرضت عليه أن تدفع هي مهرها سلفاً كعادة بنات اليهود، دون (قينان) أي دون عهد أو شرط، وبلا (قدوس) أي بلا حفل زفاف، وأن يبقى زواجهما سراً بينهما. لكن ما يشغل عبد السلام هو الحرب التي ليس فيها قانون ولا عدالة. على أن ليزا ترسم لعبد السلام صورة أخرى يبدو تفسيره فيها لما يجري طائفياً، فهو، كما تقول ليزا، مسلم وسني يشتكي دوماً من «العنصرية الطائفية التي صارت قانوناً غير مدوّن».
على باب بيت إبراهام، ونشداناً للحماية الإلهية، عُلقت (الميزوزا)، وهي قطعة أسطوانية خشبية صغيرة، فيها مخطوط صغير دوّنت فيه أدعية توراتية. وإبراهام يريد اقتلاع الميزوزا تحاشياً للخطر، بينما تعترض زوجته، فمنذ عشرات السنين لم يعترض أحد على الميزوزا التي تميز بيت اليهودي. وبسبب الميزوزا التي تعلن الاختلاف الديني، لم تتمكن ليزا من مشاركة الجموع في تشييع صديقتها البتول.
قبل ليزا كانت السائحة الكندية سوزانا التي عمل عبد السلام لها دليلاً. وسيكتشف من بعد أنها يهودية، وأنها قد حملت منه وأنجبت، فيما يلتبس بالتآمر الذي ينضاف إلى تآمر إبراهام فارحي، دون أن تتجرّح الصورة التي كانت للّحمة الاجتماعية السورية. وقد مالت الرواية حيناً إلى التوثيق لهذه اللحمة، فطغت التأرخة على السرد. لكن زياد كمال حمامي جعل الرواية لا تفتأ تتقد وتتألق، سواء وهي تكتب اليهودي في حلب، والأرمني أيضاً، أم وهي تكتب الزلزال وتلوب بين الفاجع وبين السخرية الكاوية، لعل نبوءة العرافة خاتون تتحقق بقيامة حلب بعد الحرب، وهي التي كانت قد تنبأت بظهور سور حلب العظيم وتحويل حارة البندرة إلى صرح سياحي.
لقد شغلني طويلاً الحضور اليهودي في الرواية العربية. ومن ذلك ما كتبت عن روايات منها من المغرب «ملك اليهود» ليوسف فاضل، و«حارث النسيان» لكمال الخمشيلي، و«المرأة والصبي» للميلودي شغموم، ومن الجزائر «قدم الحكمة» لرشيدة خوازم، و«المخطوطة الشرقية» لواسيني الأعرج و«تماسخت دم النسيان» للحبيب السائح، و«قبر يهودي» لعمر بو ذيبة، و«يصحو الحرير» لأمين الزاوي. ومن الكويت «حجر على حجر» لفوزية شويش السالم، ومن اليمن «اليهودي الحالي» لعلي المقري، ومن مصر «أميركانلي» لصنع الله إبراهيم، ولجمهرة من سوريا ابتداءً برواية «أعدائي» لممدوح عدوان. وإلى ذلك كان الحضور اليهودي شاغلاً لي في رواية «مدارات الشرق» في أجزائها الأربعة، من يهود دمشق إلى يهود الجولان إلى يهود القامشلي، في النصف الأول من القرن العشرين. وكذلك في رواية «مجاز العشق» وفي رواية «في غيابها». ولعل التذكير بكل ذلك يعزز المدونة الروائية والنقدية لحضور اليهودي، والتي تعد رواية «قيامة البتول الأخيرة» إضافة هامة لها.



بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
TT

بيدرو ألمودوفار سيد الأفلام الغامضة يؤلف كتاباً لا يستطيع تصنيفه

بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)
بيدرو ألمودوفار (إ.ب.أ)

يجري النظر إلى بيدرو ألمودوفار، على نطاق واسع، باعتباره أعظم مخرج سينمائي إسباني على قيد الحياة. أما هو فيرى نفسه كاتباً في المقام الأول - «كاتب حكايات»، بحسب وصفه. واتخذت هذه الحكايات الباذخة منعطفات يصعب التنبؤ بها أو حتى تحديدها.

دارت إحدى قصصه حول رجلين، يبنيان رابطة قوية بينهما، يطيلان النظر إلى امرأتين غائبتين عن الوعي، وفي قصته المعنونة «الجلد الذي أعيش فيه»، تناول قصة جراح تجميل يجري عملية جراحية لرجل أسير، ويحوله إلى امرأة ضد إرادته.

من بين أكثر من 20 فيلماً روائياً له، كتب ألمودوفار أو شارك في كتابة جميعها تقريباً. في الواقع، وربما أمضى أياماً على مكتب الكتابة، أكثر من وقته داخل مواقع التصوير.

وفي وقت لاحق، اتضح أنه كان يكتب أشياءً أخرى كثيرة - قصص قصيرة، ومذكرات يومية، وبضعة مقالات غير قابلة للتصنيف - على مدار فترة انهماكه في صناعة الأفلام. كانت القصص موجودة في عدة مجلدات زرقاء غامضة، جمعتها مساعدته لولا غارسيا على امتداد الفترة التي تنقل خلالها المخرج مرات عدة بين شقق مختلفة في مدريد.

غلاف الكتاب

وفي عام 2022. بناءً على إلحاح المحرر الأدبي الإسباني غاومي بونفيل، ألقى ألمودوفار نظرة على ما جرى حفظه من كتاباته على مر السنين.

يعلق بونفيل على الأمر بقوله: «كان الأمر أشبه برؤية جانب من شخصية بيدرو لم أكن أعرفه»، مضيفاً أن «المخطوطات التي تولوا فرزها تحتوي على كتابات كتبها المخرج عندما كان مراهقاً، بجانب قطع أخرى يبدو أن ألمودوفار كتبها بعد عقود»، ونشرت مجموعة كتاباته تحت عنوان «الحلم الأخير»، باللغة الإنجليزية، في 24 سبتمبر (أيلول)، الماضي.

يحيط الغموض بمحتوى هذه المجموعة: هل هي مذكرات؟ (كانت إحدى القطع عبارة عن فقرة كتبها في دفتر يوميات قبل عامين)، أم هي محض خيال، أم مجرد مسودات لأفكار يمكن أن تكون إلى قصص خيالية - أم قصص غير مكتملة لم يحولها المخرج إلى فيلم؟ (هناك قصة عن انضمام الكونت دراكولا إلى دير في إسبانيا).

ومثلما الحال مع أفلامه، لا يشعر ألمودوفار بالحاجة إلى وضع إنتاجه في خانة أي نوع أدبي محدد.

في مقدمة الكتاب، ذكر ألمودوفار أنه: «طُلب مني كتابة سيرتي الذاتية أكثر من مرة، ولطالما رفضت ذلك. ويمثل هذا الكتاب شيئاً من المفارقة. وربما يكون من الأفضل وصفه بأنه سيرة ذاتية مجزأة، غير مكتملة وغامضة بعض الشيء».

وربما يكمن اللغز الأكبر في «الحلم الأخير»، وفي السبب الذي دفع ألمودوفار إلى اختيار نشر أي شيء من كتاباته من الأساس. المعروف أن الكثير من الفنانين المشهورين يعمدون إلى حرق أعمالهم التي أبدعوها في فترات الشباب، بدلاً من أن ترى النور. أما ألمودوفار، فقد اختار النهج المعاكس، ونشر المجموعة دون أدنى تحرير تقريباً.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا، بعد سنوات من إبقاء هذه الحكايات بعيداً عن الأنظار، اختار ألمودوفار كاتب القصص الخيالية، إطلاقها للعالم؟

اليوم، في سن الرابعة والسبعين، يتمتع ألمودوفار بحضور نادر لرجل قلما يحمل بداخله ندماً. وقد ولد ألمودوفار في ظل حكم الجنرال فرانشيسكو فرانكو، لكنه بلغ سن الرشد بعد وفاة الديكتاتور، وفي وقت أصبح من الممكن إنتاج أفلام عن الجنس والمخدرات في إسبانيا.

عام 1986. أسس هو وشقيقه أغوستين، شركة إنتاج خاصة بهما، حملت اسم «إل ديسيو»، مما منح المخرج نوعاً من السيطرة الفنية على أفلامه، قلما تمتع بها أحد من قبله. وفي مقابلة أجريت معه في مكتبه، هذا الصيف، قال بنبرة عكست شعوراً بالفخر والدهشة معاً: «الآن، يدرس الناس أفلامي في أقسام الجامعة».

ورغم ادعاء ألمودوفار بأن كتابه سيرة ذاتية، لن يشعر سوى القليل من القراء أن «الحلم الأخير» مذكرات شخصية. ومع ذلك، فإن المجموعة، قصة تلو الأخرى، تستعيد ذكريات الماضي، وتعكس مراحل مختلفة من حياة ألمودوفار، وتحمل كل قطعة مفتاحاً يسلط الضوء على مجمل أعمال ألمودوفار.

وباستطاعة أي متابع لألمودوفار أن يتعرف على الفور على حبكة فيلمه المثير «التعليم الرديء» ــ وقد ظلت القصة حبيسة مجلد أزرق لسنوات، قبل أن يحولها ألمودوفار أخيراً إلى فيلم عام 2004. وعبر القراءة، لا تملك سوى أن تتساءل أحياناً: هل القصة التي أطالعها الآن، ذات المخطوطة التي شاهدتها على الشاشة قبل عشرين عاماً؟

والآن، من هو ألمودوفار؟ أجاب عن ذلك بقوله: «في هذا القرن الجديد أصبحت أكثر كآبة، وأكثر تقشفاً، وأكثر حزناً، وأقل ثقة، وأكثر افتقاداً للأمان، وأشد خوفاً».

وخلال المقابلة، بدا وكأنه يقول إنه رغم إنتاجه المستمر للأفلام، فإن ثمة جزءاً منه يتباطأ: «هناك مهارات معينة تتلاشى تدريجياً بمرور الوقت. أتذكر أنني على مدار شهر واحد، كنت أفكر في 10 قصص يمكنني كتابتها وتحويلها إلى أفلام. اليوم، اختفت هذه القصص».

بعد ذلك، بدا وكأنه يريد التراجع عن هذا الاعتراف. وقال: «لحسن الحظ، الأدب والسينما مهنتان تتمتعان بطول العمر. الأمر ليس مثل لاعب التنس الذي ينهي مسيرته المهنية في سن الـ35».

يتناول فيلم «الغرفة المجاورة»، الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، «مشكلة الموت» التي يعاني منها ألمودوفار، على نحو أكثر صراحة من أي من أعماله السابقة، كما أنه أول فيلم له باللغة الإنجليزية. السيناريو، يدور حول مراسلة حربية سابقة تخطط للانتحار، بعد رفضها العلاج من مرض عضال. وتنضم إليها صديقة كاتبة تخشى كل ما يتعلق بالموت، ولكنها توافق على مرافقتها خلال أيامها الأخيرة.

يقول ألمودوفار: «يدور أحدث فيلم أخرجته عن الموت، لكنه يتحدث كذلك عن محاولة التعايش مع الموت». (نال الفيلم، الذي تقوم ببطولته تيلدا سوينتون وجوليان مور، تصفيقاً حاراً استمر لمدة 20 دقيقة في مهرجان البندقية، وفاز بجائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم).

يطل الموت برأسه مرة أخرى في القصة التي يحمل كتابه، «الحلم الأخير»، عنوانها، وتعتبر بمثابة تكريم لوالدته، فرانشيسكا كاباليرو، التي توفيت عام 1999. في هذا الصدد، يقول ألمودوفار إن والدته كاباليرو هي التي عرفته للمرة الأولى على أسلوب «القصص الخيالية» داخل قريتهم، عندما كانت تقرأ الرسائل لجيرانها الأميين. وفي كثير من الأحيان، كانت تزين مضمون الرسائل بخيالات، قال ألمودوفار إنها غالباً ما كانت تأتي أبهى من الحقيقة.

في قصة ألمودوفار، كانت كاباليرو في المستشفى، في لحظاتها الأخيرة على الأرض، بينما كان أفراد أسرتها ملتفين حولها، ثم سقطت فجأة في سبات عميق. وعندما استيقظت، سألت عما إذا كانت هناك عاصفة، وفي غضون فترة وجيزة ماتت. وعن ذلك، كتب ألمودوفار: «كان الجمعة يوماً مشمساً، بينما تسللت بعض أشعة الشمس تتدفق عبر النافذة. يا ترى ما العاصفة التي كانت والدتي تشير إليها في حلمها الأخير؟»

من الحديث عن موت والدته، عاد ألمودوفار إلى موته. وفي حديثه معي، قال: «إنها مسألة بيولوجية، لكن عندما يتعلق الأمر بالموت لا أعتقد أنني تطورت حقاً ذهنياً على نحو يجعلني أتقبله ـ فقط لقبول أنه جزء من طبيعة الحياة. الحقيقة، لم أبلغ هذه النقطة بعد».

ومع ذلك، عندما عاد إلى قصته عن الكونت دراكولا - في القصة، يتعلم مصاص الدماء الخالد خداع الموت بشرب الدم من صليب - كان من الواضح أن جزءاً من المخرج قد تقبل أنه يقترب من نهاية حياته المهنية. وقال إنه لطالما راودته الرغبة في تحويل القصة إلى فيلم، لكنه كان يعلم أن القصة ربما لن تُروى بأي شكل آخر.

آخر قطعة لألمودوفار في المجموعة - أحدث قطعة جرى سحبها من المجلدات الزرقاء - مقال بعنوان «رواية رديئة»، ويتحدث فيها عن آراء الآخرين به ككاتب.

يقول: «في وقت مبكر، عندما كنت صغيراً، كان حلمي أن أصبح كاتباً، وأن أكتب رواية عظيمة. بمرور الوقت، أثبت الواقع أن ما كتبته سيصبح أفلاماً حتماً. أدركت أن كتاباتي لم تكن قصصاً أدبية، بل كانت مسودات أولية لسيناريوهات».

ويختتم ألمودوفار حديثه قائلاً إن الحياة غالباً ما تدور حول تغيير المسار نحو ما تجيده، ويقول إنه كان محظوظاً في هذا الصدد.

* خدمة «نيويورك تايمز»