حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
TT

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)

كثفت حركة «الشباب» الصومالية من هجماتها الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة، في العاصمة الصومالية مقديشو وبعض الدول المجاورة، لتصبح واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطاً وخطورة في العالم، بعد انخفاض مستوى نشاط الحركات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، ويبعث النشاط المتزايد لحركة «الشباب» الصومالية برسائل كثيرة، بعضها داخلي والآخر خارجي، ولكنه قبل كل شيء يؤكد أن مركز الحرب العالمية على الإرهاب قد تحول بالفعل إلى القارة السمراء، وأول مناطقها تضرراً هي منطقة «القرن الأفريقي» التي يمكن وصفها بأنها الخاصرة الرخوة للقارة.
ولقد استفادت حركة الشباب الصومالية من حالة الوهن والضعف التي يعاني منها الجيش الصومالي، فخلال الأسابيع الماضية تمكن مقاتلون من الحركة الإرهابية من السيطرة على منطقة من إقليم «شبيلى السفلى» المجاور للعاصمة مقديشو، وذلك بعد أن انسحبت منها كتيبة من الجيش، يرفض جنودها البقاء في مراكزهم بسبب تأخر رواتبهم لعدة أشهر.
وتعد هذه المنطقة محورية بسبب مرور الطريق الساحلي منها، وهو الطريق الرابط بين العاصمة مقديشو ومدينة «مركا»، عاصمة وكبرى مدن إقليم «شبيلى السفلى»، ولكن تخلي الجيش عنها يكشف عمق الأزمة التي يعاني منها الصومال، وهي أزمة تبدأ من هرم السلطة لتصل إلى عمق المؤسسة العسكرية، ما تستغله الحركة الإرهابية لصالحها من أجل تحقيق مكاسب وانتصارات على الأرض، والتطلع نحو استعادة السيطرة على العاصمة مقديشو، التي لا يكاد يمر يوم من دون أن تشهد هجوماً دامياً.
لا تخفي الحركة الإرهابية خططها لاستعادة السيطرة على مقديشو، أكبر مدن الصومال وأهمها (2.2 مليون نسمة)، فعلى الرغم من أن الحركة أخرجت بالقوة من المدينة قبل ست سنوات، فإنه قبل عدة أشهر ظهر قيادي بارز في الحركة وهو يتجول في مقديشو، ويحضر نشاطاً لتوزيع الزكاة على السكان وسط المدينة، ما يؤكد تمتعها بحاضنة شعبية لم تنجح الحكومة في اختراقها.

هجمات أكثر تنظيماً ودموية
وبدا واضحاً أن هجمات الحركة الإرهابية أصبحت أكثر تنظيماً ودموية، وتستخدم تكتيكات متطورة جديدة على أساليب الحركة، من ضمنها تفجير العبوات الناسفة، والكمائن على القوافل، والهجمات الانتحارية، والسيارات المفخخة، بالإضافة إلى الاغتيالات وعمليات التصفية، وأكثر من نصف هجماتها خلال العام الماضي استهدف مواقع ترمز لسيادة الدولة كالوزارات والجيش والشرطة، في محاولة لزعزعة ثقة الصوماليين في دولتهم التي تعاني من أزمات خانقة، كما تريد الحركة أن تثير الرعب في صفوف جنود الجيش وعناصر الشرطة.
وتستفيد الحركة الإرهابية من حالة التجاذب السياسي التي تشهدها الصومال، في ظل توتر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو والولايات الإقليمية، وهي أزمة تعيق الرفع من مستوى التنسيق لمحاربة الإرهاب في الصومال، فالولايات الإقليمية تتهم الحكومة المركزية بالسعي نحو قلب الأنظمة الفيدرالية، بينما لا تبذل الحكومة المركزية أي جهد لتكذيب هذه التهمة، بل إنها تتخذ قرارات تعزز تلك الشكوك، على غرار مساعيها لتشكيل قوات مشتركة تقلص نفوذ الولايات، هذا الشرخ الحاصل بين مقديشو والولايات الأخرى منح الحركة الإرهابية مساحة تتحرك فيها.
يقول رولاند مارشال، وهو خبير وباحث في شؤون القرن الأفريقي، إن «حركة الشباب الصومالية تزيد قوتها لأن من يحاربونها على الأرض أكثر ضعفاً وأقل تنظيماً»، في إشارة إلى مستوى الضعف الذي تعاني منه السلطات المركزية في الصومال، ويضيف الباحث أنه «منذ انتخاب الرئيس الحالي مطلع عام 2017، ومقديشو لم تضع أي استراتيجية على المدى البعيد لمحاربة حركة الشباب».
ويذهب الباحث إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله محمد ارتكب الكثير من الأخطاء على غرار «تسييسه لوكالات الأمن الوطني، ما قلص من فعاليتها، لأنها فقدت ثقة المواطنين فيها، ثقة كانت تتمتع بها الحكومة السابقة».

حرب الأميركيين
وإن كان الصوماليون يواجهون مشكلات كبيرة في حربهم على حركة الشباب المجاهدين، إلا أن قوات دولية تساعدهم في تلك الحرب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة الحركة الإرهابية، فقد شنت الطائرات الأميركية أكثر من 100 غارة جوية ضد مقاتلي الحركة منذ أوائل عام 2017، فقد تضاعف النشاط العسكري الأميركي في الصومال عدة مرات منذ وصول دونالد ترمب إلى الحكم، وهو الذي أعلن جنوب الصومال «منطقة عمليات عدائية فعلية».
وقد أثمرت الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الصومال 34 غارة في الصومال خلال الأشهر التسعة الأخيرة من 2017، أي أكثر مما كانت عليه في الفترة من 2012 إلى 2016، وفي العام الماضي وصلت إلى 47 غارة، أما في الشهرين الماضيين فقد وصلت إلى 24 غارة، ما يؤكد تصاعد الحرب الأميركية على حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وهو ما يأتي في وقت تصمت الأسلحة الأميركية في سوريا وأفغانستان، ويتحدث الأميركيون عن تقليص نشاطهم العسكري في الخارج.
وتشير الكثير من التقارير إلى أن الأميركيين استخدموا في غاراتهم طائرات من طراز (AC - 130)، وهي طائرة تستخدم عادة في الدعم الجوي المباشر للمشاة، وليست معهودة لشن غارات جوية خاطفة ومعزولة، ما يرجح إمكانية انخراط الأميركيين في عمليات على الأرض، في ظل وجود 500 من عناصر القوات الخاصة الأميركية في الصومال، يتولون مهمة تدريب القوات الصومالية على محاربة الإرهاب، وتحسين قدراتهم على مواجهة حركة «الشباب».
وتقول القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إنها «بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، نفذت ضربات جوية ضد مقاتلي حركة الشباب وذلك من أجل تدمير قدرتهم الحركة على التخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضد شعب الصومال»، والضربات الجوية الأميركية لم تعتد تقتصر على ذوي القيمة العالية من بين كبار قادة حركة الشباب، وإنما أصبحت تستهدف أي مقاتل من حركة الشباب، ما ضاعف من عدد القتلى، كما قلص الأميركيون من سلسلة إجراءات السماح بالقصف عن طريق طائرات «الدرون»، ليصبح الأمر سريعاً وسلساً وفعالاً.
وبحسب وثيقة رسمية تم نشرها في العشرين من شهر مارس (آذار) الجاري، فإن الجيش الأميركي باستخدام القصف الجوي، المنفذ في الغالب عن طريق طائرات «درون»، تمكن من القضاء على 800 إرهابي، منذ يونيو (حزيران) 2017، وهو ضعف ما قتله الجيش الأميركي في الصومال، خلال ولايتين رئاسيتين قضاهما باراك أوباما في البيت الأبيض، من 2009 وحتى 2017.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن تقليص مستوى النشاط العسكري الأميركي في القارة الأفريقية، وفي الكثير من مناطق العالم (سوريا وأفغانستان)، فإن ما يحدث في الصومال على العكس من ذلك، فالأميركيون يضاعفون أنشطتهم العسكرية في هذه المنطقة من العالم، وقال مؤخراً قائد «أفريكوم» الجنرال توماس والدهزير: «إننا نحتفظ بقدرتنا على التدخل في هذه المنطقة».
وهناك حديث عن خطط جديدة لدى واشنطن ستفضي إلى تقليص نشاطها العسكري في الصومال، وخاصة ضرباتها الجوية ضد حركة «الشباب»، بدعوى أن الحركة الإرهابية لا تشكل خطرا مباشرا على الولايات المتحدة، رغم أنها لا تزال تمثل تهديدا للحكومة الصومالية والدول المجاورة، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤوليْن أميركيين قولهما إن «وكالة الاستخبارات الأميركية ستتولى مسؤولية قصف العناصر الإرهابية في الصومال بدلا من الجيش الأميركي، في إطار الخطة الجديدة». ولكن انخراط الأميركيين المباشر في الحرب على «حركة الشباب» في الصومال، ووجود قوات أفريقية يبلغ قوامها 22 ألف جندي، كل ذلك لم يمنع حركة الشباب المجاهدين من التمدد خلال الأشهر الأخيرة، فقد تضاعفت هجماتها في مدينة مقديشو ومحيطها القريب، كما احتفظت الحركة بالسيطرة على نحو خمس مساحة البلاد، وهي في أغلبها مناطق ريفية، ويبلغ عدد مقاتلي الحركة ما بين 7 و9 آلاف مقاتل، من ضمنهم نحو ألف مقاتل أجنبي، من باكستان ودول عربية.

ولاء لـ«القاعدة»
تعد حركة «الشباب» في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم «القاعدة»، رغم الصعود القوي لتنظيم ««داعش»» الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة «بوكو حرام» النيجيرية، إلا أن حركة «الشباب» ظلت متمسكة بتبعيتها لتنظيم «القاعدة»، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.
وتأسست حركة الشباب عام 2006 بصفتها «الذراع العسكري» لاتحاد المحاكم الإسلامية، وهو الاتحاد الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية مقديشو آنذاك، ويحاول فرض تطبيق فهم متشدد للشريعة، وقد نجحت الحركة الشابة في تحقيق انتصارات على الأرض، ولكنها سرعان ما تكبدت الخسائر بعد تدخل عسكري إثيوبي مدعوم من قوات الاتحاد الأفريقي التي استعادت السيطرة على العاصمة مقديشو عام 2008.
وتبعية حركة «الشباب» لتنظيم «القاعدة» طبخت لسنوات على نار هادئة، فمنذ 2006 وحتى 2009 ظل الوسطاء يتحركون بين الطرفين، حتى انتهت هذه الاتصالات بإعلان حركة الشباب مبايعتها لتنظيم «القاعدة» الإرهابي بشكل رسمي، وهو الولاء الذي تجدد تأكيده عام 2014، عندما قتل الأميركيون في غارة جوية زعيم الحركة «أحمد عمر أبو عبيدة»، وتم تنصيب قائد جديد كانت مهمته الأولى هي إعلان الولاء لتنظيم «القاعدة».
اليوم قامت الحركة بتجديد خطابها لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين الشباب في الصومال، مستغلة وجود قوات أجنبية على الأراضي الصومالية، وانتشار الفساد والفقر والجهل والمرض، وهي بيئات خصبة لمثل هذا النوع من التنظيمات الإرهابية، وفق ما يقول الخبراء، ولكن الأهم هو أن حركة الشباب المجاهدين استفادت من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، والتي أدت إلى فرار آلاف المقاتلين الأجانب، تشير التقارير إلى أن أغلبهم توجه نحو القارة الأفريقية، المركز الجديد للحرب العالمية على الإرهاب.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».