حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
TT

حركة الشباب الصومالية تستعيد شبابها

قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)
قتلى وخراب ودمار عقب تفجير سيارة مفخخة وسط العاصمة مقديشو في مارس الماضي (إ.ب.أ)

كثفت حركة «الشباب» الصومالية من هجماتها الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة، في العاصمة الصومالية مقديشو وبعض الدول المجاورة، لتصبح واحدة من أكثر الحركات الإرهابية نشاطاً وخطورة في العالم، بعد انخفاض مستوى نشاط الحركات المتشددة في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، ويبعث النشاط المتزايد لحركة «الشباب» الصومالية برسائل كثيرة، بعضها داخلي والآخر خارجي، ولكنه قبل كل شيء يؤكد أن مركز الحرب العالمية على الإرهاب قد تحول بالفعل إلى القارة السمراء، وأول مناطقها تضرراً هي منطقة «القرن الأفريقي» التي يمكن وصفها بأنها الخاصرة الرخوة للقارة.
ولقد استفادت حركة الشباب الصومالية من حالة الوهن والضعف التي يعاني منها الجيش الصومالي، فخلال الأسابيع الماضية تمكن مقاتلون من الحركة الإرهابية من السيطرة على منطقة من إقليم «شبيلى السفلى» المجاور للعاصمة مقديشو، وذلك بعد أن انسحبت منها كتيبة من الجيش، يرفض جنودها البقاء في مراكزهم بسبب تأخر رواتبهم لعدة أشهر.
وتعد هذه المنطقة محورية بسبب مرور الطريق الساحلي منها، وهو الطريق الرابط بين العاصمة مقديشو ومدينة «مركا»، عاصمة وكبرى مدن إقليم «شبيلى السفلى»، ولكن تخلي الجيش عنها يكشف عمق الأزمة التي يعاني منها الصومال، وهي أزمة تبدأ من هرم السلطة لتصل إلى عمق المؤسسة العسكرية، ما تستغله الحركة الإرهابية لصالحها من أجل تحقيق مكاسب وانتصارات على الأرض، والتطلع نحو استعادة السيطرة على العاصمة مقديشو، التي لا يكاد يمر يوم من دون أن تشهد هجوماً دامياً.
لا تخفي الحركة الإرهابية خططها لاستعادة السيطرة على مقديشو، أكبر مدن الصومال وأهمها (2.2 مليون نسمة)، فعلى الرغم من أن الحركة أخرجت بالقوة من المدينة قبل ست سنوات، فإنه قبل عدة أشهر ظهر قيادي بارز في الحركة وهو يتجول في مقديشو، ويحضر نشاطاً لتوزيع الزكاة على السكان وسط المدينة، ما يؤكد تمتعها بحاضنة شعبية لم تنجح الحكومة في اختراقها.

هجمات أكثر تنظيماً ودموية
وبدا واضحاً أن هجمات الحركة الإرهابية أصبحت أكثر تنظيماً ودموية، وتستخدم تكتيكات متطورة جديدة على أساليب الحركة، من ضمنها تفجير العبوات الناسفة، والكمائن على القوافل، والهجمات الانتحارية، والسيارات المفخخة، بالإضافة إلى الاغتيالات وعمليات التصفية، وأكثر من نصف هجماتها خلال العام الماضي استهدف مواقع ترمز لسيادة الدولة كالوزارات والجيش والشرطة، في محاولة لزعزعة ثقة الصوماليين في دولتهم التي تعاني من أزمات خانقة، كما تريد الحركة أن تثير الرعب في صفوف جنود الجيش وعناصر الشرطة.
وتستفيد الحركة الإرهابية من حالة التجاذب السياسي التي تشهدها الصومال، في ظل توتر العلاقة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو والولايات الإقليمية، وهي أزمة تعيق الرفع من مستوى التنسيق لمحاربة الإرهاب في الصومال، فالولايات الإقليمية تتهم الحكومة المركزية بالسعي نحو قلب الأنظمة الفيدرالية، بينما لا تبذل الحكومة المركزية أي جهد لتكذيب هذه التهمة، بل إنها تتخذ قرارات تعزز تلك الشكوك، على غرار مساعيها لتشكيل قوات مشتركة تقلص نفوذ الولايات، هذا الشرخ الحاصل بين مقديشو والولايات الأخرى منح الحركة الإرهابية مساحة تتحرك فيها.
يقول رولاند مارشال، وهو خبير وباحث في شؤون القرن الأفريقي، إن «حركة الشباب الصومالية تزيد قوتها لأن من يحاربونها على الأرض أكثر ضعفاً وأقل تنظيماً»، في إشارة إلى مستوى الضعف الذي تعاني منه السلطات المركزية في الصومال، ويضيف الباحث أنه «منذ انتخاب الرئيس الحالي مطلع عام 2017، ومقديشو لم تضع أي استراتيجية على المدى البعيد لمحاربة حركة الشباب».
ويذهب الباحث إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله محمد ارتكب الكثير من الأخطاء على غرار «تسييسه لوكالات الأمن الوطني، ما قلص من فعاليتها، لأنها فقدت ثقة المواطنين فيها، ثقة كانت تتمتع بها الحكومة السابقة».

حرب الأميركيين
وإن كان الصوماليون يواجهون مشكلات كبيرة في حربهم على حركة الشباب المجاهدين، إلا أن قوات دولية تساعدهم في تلك الحرب، على غرار الأميركيين الذين يشكلون رأس الحربة في مواجهة الحركة الإرهابية، فقد شنت الطائرات الأميركية أكثر من 100 غارة جوية ضد مقاتلي الحركة منذ أوائل عام 2017، فقد تضاعف النشاط العسكري الأميركي في الصومال عدة مرات منذ وصول دونالد ترمب إلى الحكم، وهو الذي أعلن جنوب الصومال «منطقة عمليات عدائية فعلية».
وقد أثمرت الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الصومال 34 غارة في الصومال خلال الأشهر التسعة الأخيرة من 2017، أي أكثر مما كانت عليه في الفترة من 2012 إلى 2016، وفي العام الماضي وصلت إلى 47 غارة، أما في الشهرين الماضيين فقد وصلت إلى 24 غارة، ما يؤكد تصاعد الحرب الأميركية على حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وهو ما يأتي في وقت تصمت الأسلحة الأميركية في سوريا وأفغانستان، ويتحدث الأميركيون عن تقليص نشاطهم العسكري في الخارج.
وتشير الكثير من التقارير إلى أن الأميركيين استخدموا في غاراتهم طائرات من طراز (AC - 130)، وهي طائرة تستخدم عادة في الدعم الجوي المباشر للمشاة، وليست معهودة لشن غارات جوية خاطفة ومعزولة، ما يرجح إمكانية انخراط الأميركيين في عمليات على الأرض، في ظل وجود 500 من عناصر القوات الخاصة الأميركية في الصومال، يتولون مهمة تدريب القوات الصومالية على محاربة الإرهاب، وتحسين قدراتهم على مواجهة حركة «الشباب».
وتقول القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) إنها «بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية في الصومال، نفذت ضربات جوية ضد مقاتلي حركة الشباب وذلك من أجل تدمير قدرتهم الحركة على التخطيط لعمليات إرهابية وتنفيذها ضد شعب الصومال»، والضربات الجوية الأميركية لم تعتد تقتصر على ذوي القيمة العالية من بين كبار قادة حركة الشباب، وإنما أصبحت تستهدف أي مقاتل من حركة الشباب، ما ضاعف من عدد القتلى، كما قلص الأميركيون من سلسلة إجراءات السماح بالقصف عن طريق طائرات «الدرون»، ليصبح الأمر سريعاً وسلساً وفعالاً.
وبحسب وثيقة رسمية تم نشرها في العشرين من شهر مارس (آذار) الجاري، فإن الجيش الأميركي باستخدام القصف الجوي، المنفذ في الغالب عن طريق طائرات «درون»، تمكن من القضاء على 800 إرهابي، منذ يونيو (حزيران) 2017، وهو ضعف ما قتله الجيش الأميركي في الصومال، خلال ولايتين رئاسيتين قضاهما باراك أوباما في البيت الأبيض، من 2009 وحتى 2017.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن تقليص مستوى النشاط العسكري الأميركي في القارة الأفريقية، وفي الكثير من مناطق العالم (سوريا وأفغانستان)، فإن ما يحدث في الصومال على العكس من ذلك، فالأميركيون يضاعفون أنشطتهم العسكرية في هذه المنطقة من العالم، وقال مؤخراً قائد «أفريكوم» الجنرال توماس والدهزير: «إننا نحتفظ بقدرتنا على التدخل في هذه المنطقة».
وهناك حديث عن خطط جديدة لدى واشنطن ستفضي إلى تقليص نشاطها العسكري في الصومال، وخاصة ضرباتها الجوية ضد حركة «الشباب»، بدعوى أن الحركة الإرهابية لا تشكل خطرا مباشرا على الولايات المتحدة، رغم أنها لا تزال تمثل تهديدا للحكومة الصومالية والدول المجاورة، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤوليْن أميركيين قولهما إن «وكالة الاستخبارات الأميركية ستتولى مسؤولية قصف العناصر الإرهابية في الصومال بدلا من الجيش الأميركي، في إطار الخطة الجديدة». ولكن انخراط الأميركيين المباشر في الحرب على «حركة الشباب» في الصومال، ووجود قوات أفريقية يبلغ قوامها 22 ألف جندي، كل ذلك لم يمنع حركة الشباب المجاهدين من التمدد خلال الأشهر الأخيرة، فقد تضاعفت هجماتها في مدينة مقديشو ومحيطها القريب، كما احتفظت الحركة بالسيطرة على نحو خمس مساحة البلاد، وهي في أغلبها مناطق ريفية، ويبلغ عدد مقاتلي الحركة ما بين 7 و9 آلاف مقاتل، من ضمنهم نحو ألف مقاتل أجنبي، من باكستان ودول عربية.

ولاء لـ«القاعدة»
تعد حركة «الشباب» في الصومال واحدة من الحركات الإرهابية التي احتفظت ببيعتها لتنظيم «القاعدة»، رغم الصعود القوي لتنظيم ««داعش»» الإرهابي خلال السنوات الأخيرة، ومبايعته من طرف تنظيمات إرهابية كثيرة في أفريقيا، على غرار جماعة «بوكو حرام» النيجيرية، إلا أن حركة «الشباب» ظلت متمسكة بتبعيتها لتنظيم «القاعدة»، رغم ما أصاب الأخير من وهن وضعف.
وتأسست حركة الشباب عام 2006 بصفتها «الذراع العسكري» لاتحاد المحاكم الإسلامية، وهو الاتحاد الذي كان يسيطر على العاصمة الصومالية مقديشو آنذاك، ويحاول فرض تطبيق فهم متشدد للشريعة، وقد نجحت الحركة الشابة في تحقيق انتصارات على الأرض، ولكنها سرعان ما تكبدت الخسائر بعد تدخل عسكري إثيوبي مدعوم من قوات الاتحاد الأفريقي التي استعادت السيطرة على العاصمة مقديشو عام 2008.
وتبعية حركة «الشباب» لتنظيم «القاعدة» طبخت لسنوات على نار هادئة، فمنذ 2006 وحتى 2009 ظل الوسطاء يتحركون بين الطرفين، حتى انتهت هذه الاتصالات بإعلان حركة الشباب مبايعتها لتنظيم «القاعدة» الإرهابي بشكل رسمي، وهو الولاء الذي تجدد تأكيده عام 2014، عندما قتل الأميركيون في غارة جوية زعيم الحركة «أحمد عمر أبو عبيدة»، وتم تنصيب قائد جديد كانت مهمته الأولى هي إعلان الولاء لتنظيم «القاعدة».
اليوم قامت الحركة بتجديد خطابها لتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين الشباب في الصومال، مستغلة وجود قوات أجنبية على الأراضي الصومالية، وانتشار الفساد والفقر والجهل والمرض، وهي بيئات خصبة لمثل هذا النوع من التنظيمات الإرهابية، وفق ما يقول الخبراء، ولكن الأهم هو أن حركة الشباب المجاهدين استفادت من الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، والتي أدت إلى فرار آلاف المقاتلين الأجانب، تشير التقارير إلى أن أغلبهم توجه نحو القارة الأفريقية، المركز الجديد للحرب العالمية على الإرهاب.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».