منذ توقيع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتفاقية آخن مطلع هذا العام، والخطوات «المزدوجة» تتسارع. بدأت باجتماع أول برلمان مصغر للبلدين، ثم استكملت بتبادل حضور وزير من كل دولة لاجتماع مجلس وزراء الدولة الأخرى، ووصلت إلى حد تقاسم رئاسة مجلس الأمن وتحويلها إلى رئاسة مزدوجة لشهرين عوضا عن رئاسة فردية تدوم شهرا واحدا لكل منهما. ولم تكتف الدولتان الأوروبيتان بذلك فقط، بل أعلنتا عن التحضير لحلف دولي «لأنصار التعددية»، فيما يبدو ردا واضحا على سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأحادية لتعزيز التعاون الدولي.
واختارت برلين وباريس أن تعلنا عن هذا الحلف الجديد من نيويورك أثناء وجود وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في مقر الأمم المتحدة لافتتاح تسلم بلاده رئاسة مجلس الأمن «بشكل مشترك» مع فرنسا. وخرج ماس ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان أمام الصحافيين يعلنان عن هذا الحلف الذي قالا إنه سيتم إطلاقه رسميا في سبتمبر (أيلول) المقبل على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. واتفق ماس ولودريان على تكثيف التعاون من أجل تنفيذ هذا المشروع. وقال ماس: «التعددية مهددة في آلية تطبيقها»، موضحا أن المبادرة تهدف إلى تعزيز المنظمات الدولية والنظام العالمي القائم على قواعد. وكان ماس أطلق هذه المبادرة في يوليو (تموز) الماضي. وبجانب فرنسا ترغب اليابان وكندا في المشاركة في هذا المشروع الذي يهدف إلى تكوين شبكة من الدول التي تريد الدفاع عن النظام العالمي الحالي ضد السياسات القومية المنفردة. ولم تتضح بعد الهيئة التي سيكون عليها هذا التحالف. وذكر ماس أن هذا التحالف سيظل مفتوحا أيضا أمام دول مثل الولايات المتحدة، إذا عملت على تدعيم التعاون الدولي، وأضاف: «في النهاية يجب على كل طرف أن يقرر بنفسه أي اتجاه يدعم».
ومن جانبه، قال لودريان: «الأمر برمته ليس موجها ضد شخص، بل يدور حول شخص يتصدى للتعددية»، مضيفا أن أنصار التعددية هم أغلبية صامتة منذ فترة طويلة، لأنها كانت تفترض أن التعددية أمر بدهي، وقال: «لم يعد هذا هو الحال حاليا».
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتبع منذ أكثر من عامين سياسة خارجية تحمل شعار «أميركا أولا»، وقام ترمب بإلغاء كثير من الاتفاقيات الدولية والتشكيك في منظمات دولية.
ورغم أن الرسالة من هذا الحلف بدت واضحة، فإن كلا الرجلين نفى أن يكون موجها ضد ترمب. وعندما سأل صحافي أميركي ما إذا كانت واشنطن ستنضم، أبدى ماس انفتاحا على ذلك ولكنه أعقب ترحيبه بالقول إنه «يُتوقع أن تلزم الدول التي تريد الانضمام إلى الحلف بنظام دولي قائم على القوانين». لودريان تحدث عن صعود الشعور بالوطنية إلى جانب الأحادية والحمائية، داعيا إلى تقوية التعددية التي وصفها بأنها «حاجة الساعة».
ويرى الأوروبيون أن الولايات المتحدة تحولت «غريما» سياسيا أكثر منها حليفا منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض واتخاذه مجموعة من القرارات تناقض اتفاقات دولية سابقة، كان أولها انسحاب واشنطن من اتفاقية المناخ الموقعة في باريس ثم الاتفاقية النووية مع إيران وبعدها نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالجولان جزءا من إسرائيل. وربما في إشارة أميركية جديدة للأوروبيين، امتنعت واشنطن عن المشاركة في قمة الدول السبع التي انعقدت في فرنسا على مدى اليومين الماضيين.
وإضافة إلى هذه الضغوط، يرى الألمان والفرنسيون حاجة إضافية للخروج بجبهة موحدة أمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتصاعد القوى اليمينية المتطرفة في أنحاء دول الاتحاد. ويزيد تقاربهما هذا من نقمة الأحزاب الشعبوية التي لم توفر انتقادا للحكومتين الفرنسية والألمانية في أعقاب اتفاقية آخن. وتسعى هذه القوى الآن إلى توحيد صفوفها قبيل الانتخابات الأوروبية نهاية مايو (أيار) المقبل، في جهود يقودها وزير الداخلية الإيطالي نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني الذي ينتمي لحركة الخمسة نجوم الشعبوية. ويأمل سالفيني بإنشاء تكتل يميني متشدد واحد في البرلمان الأوروبي، عوضا عن ثلاثة تكتلات تنقسم فيها الأحزاب اليمينية حاليا.
كما يرى الأوروبيون حاجة ملحة للظهور بجبهة موحدة في وجه روسيا التي حذر سياسيون من الوسط في ألمانيا من مساعيها لزعزعة استقرار أوروبا والتدخل بالشؤون السياسية لدول الاتحاد من خلال دعم تيارات يمينية شعبوية. وأمس كشف تحقيق مطول نشرته مجلة «شبيغل» عن تقديم موسكو دعما لنائب من حزب البديل لألمانيا بهدف استخدامه للدفاع عن سياساتها، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الأوروبية ضدها بسبب ضمها القرم.
الحلف الجديد الذي يأمل الألمان والفرنسيون بإطلاقه بعد أشهر، من المفترض أن يعمل على مستوى وزاري على أن تعقد اجتماعات دورية مع ممثلي الدول في مجلس الأمن للحصول على الدعم اللازم. وحدد ماس ولودريان مواضيع بحاجة لإجماع دولي تتعلق بالتغير المناخي ومكافحة عدم المساواة وتحديات التكنولوجيا.
ألمانيا وفرنسا تنسقان موقفيهما في النزاع الأوكراني
> تتوسط ألمانيا وفرنسا منذ عام 2014 في النزاع الأوكراني، إلا أن جهودهما لم تحرز نجاحا حتى الآن. وأمس أكدتا على أهمية الاستمرار من أجل تسوية النزاع حول مستقبل شرقي أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس السبت في منتجع دينار الفرنسي على هامش مشاورات نظرائه في مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى إن برلين وباريس تعتقدان أنه من الضروري مواصلة المحادثات حول مستقبل شرقي أوكرانيا في إطار ما يعرف بـ«صيغة نورماندي».
وأعرب ماس عن أمل الدولتين في مواصلة التحاور مع أوكرانيا وروسيا عقب الانتخابات الرئاسية الأوكرانية. وتشهد العلاقات بين روسيا وأوكرانيا توترا حادا منذ ضم موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا واندلاع صراع شرقي البلاد بين القوات الحكومية وانفصاليين موالين لروسيا.