التغيير في كازاخستان... والمخاوف من التأثيرات الإقليمية

توكاييف
توكاييف
TT

التغيير في كازاخستان... والمخاوف من التأثيرات الإقليمية

توكاييف
توكاييف

كانت روسيا من أوائل الدول التي علّقت على التغييرات الجارية في كازاخستان. ولا يبدو ذلك مفاجئاً، نظراً إلى خلفية عمق الارتباط الروسي مع الجمهورية الأكبر في منطقة آسيا الوسطى، التي ظلت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حليفاً وثيقاً لموسكو في كل سياساتها الإقليمية أو الدولية.
لقد كان لافتاً أن المخاوف الروسية من التغيير تتركز في ضمان مسألة الاستمرارية، وهو أمر عبّر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بوضوح، عندما شدّد على أمل بلاده في أن «تتسم سياسة كازاخستان بالاستمرارية بعد استقالة نزارباييف»، مؤكداً استعداد موسكو لبذل أقصى جهد لدعم التعاون الثنائي. وأردف بوتين أن روسيا تراقب «الأحداث السياسية التي تجري لدى جيراننا وحليفنا الوثيق، التي تتعلق بتغيير القيادة السياسية، ونعبر عن أملنا في ضمان استمرارية سياسة البلاد على الصعد المختلفة». قبل أن يشيد بإرث نزارباييف السياسي، معرباً عن «الشكر العميق له على العمل المشترك».
من ناحية ثانية، مع أن البعض قد يرى أن المخاوف الروسية غريبة بعض الشيء، لا سيما أن موسكو تدرك جيداً أن انتقال نزارباييف من موقع الرئاسة إلى موقع «زعامة الأمة» لا يحمل بوادر تغيير فعلي حالياً في سياسة كازاخستان، فإن ثمة من يرى أن المخاوف تتعلق بالثقل السياسي الشخصي لنزارباييف. بكلام آخر، فإن ابتعاد الرجل قد يحمل مؤشرات لتحضيرات مقبلة لما بعد عهد الرئيس الذي يبلغ حالياً 78 سنة. وبالذات، ما يمكن أن يعني أن أنصاره المقربين ربما لا ينجحون في إدارة السفينة بالقدرة ذاتها التي تمتع بها ذلك السياسي المحنك المخضرم.
تنسحب هذه المخاوف على محيط كازاخستان الإقليمي، خصوصاً وأن جمهوريات آسيا الوسطى كلها شهدت تقلبات وثورات ملوّنة ونزعات انفصالية أسفرت عن نشوب حروب أهلية في معظمها. غير أن الأبرز من ذلك كله، هو ترقب بلدان كبرى مثل روسيا والصين لطبيعة التحركات اللاحقة في الجمهورية. وحقاً، شكّل الإعلان عن أن الزيارة الأولى لقاسم جومرت توكاييف - بعد توليه منصبه الجديد - ستكون إلى موسكو لمحاولة طمأنة أهم حلفاء كازاخستان إلى أنها تواصل مسار نزارباييف ذاته.
هذا أمر مهم لموسكو، وأيضاً لبكين، لأن كازاخستان ظلت لاعباً أساسياً في كل التحركات الإقليمية المشتركة، وبينها خيارات اتسمت ببعد استراتيجي مثل تأسيس «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» وإطلاق عمل «منظمة شانغهاي». ومع أن جلّ الخبراء الروس لا يتوقعون حدوث أي تغييرات حالياً، فإنهم يرون أن نزارباييف مهما بقي ممسكاً وبإحكام بدفة الحكم، فهو سيفقد تدريجياً السيطرة على بعض الأمور، أو على الأقل ستسمح الظروف الجديدة لتنشيط أوساط المعارضة المحسوبة بشكل أو بآخر على الغرب.
وفي هذا الاتجاه، كان لافتاً أخيراً بروز تعليقات مؤداها أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يكثفان جهودهما حالياً لمواجهة النفوذ الروسي في دول «رابطة الدول المستقلة» الآسيوية، وذلك باستخدام برامج لمواجهة التطرف. والهدف الرئيس من هذه البرامج، هو تحقيق انفصال لبلدان المنطقة عن روسيا، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض مواقع روسيا فيها.
ووفق التقارير، تركز هذه البرامج الغربية بشكل أساسي على الشباب. وعليه، تخشى أوساط روسية من أن يؤدي ابتعاد حلفاء أقوياء مثل نزار باييف إلى تعريض موسكو خلال بعض الوقت لأوضاع لا تتمناها، مع محاولات تمكين شخصيات من الوصــــول إلى السلطة من الفئـــات التي «تربّت» على القيم الغربية، وليس على السعي لتطوير العلاقات مع جارين «عملاقين» شرقيين مثل روسيا والصين.

آستانة عاصمة المفاوضات السورية تغدو «نور سلطان»
> لم تقتصر التطورات التي شهدتها كازاخستان على إجراء التعديلات في المناصب الحكومية وتسليم مفاتيح القرار، بل طاولت أيضاً مصير العاصمة الكازاخية آستانة، وذلك عبر إصدار قرار برلماني وصف بأنه تاريخي، لأنه ربط اسم العاصمة باسم الرئيس المستقيل لتغدو «نور سلطان».
هذه المرة الثانية التي تشهد فيها المدينة تغييراً لاسمها، بعدما كانت السلطات الكازاخية قرّرت عام 1994 نقل العاصمة من مدينة آلما آتا (في جنوب البلاد) إلى مدينة أقمولا (وسط البلاد) مع تغيير اسم الأخيرة ليغدو آستانة، وهو الاسم الذي يعني باللغة الكازاخية (التركية) القديمة «العاصمة».
لقد جرى نقل العاصمة رسمياً في ديسمبر (كانون الأول) عام 1997، وشهدت السنوات اللاحقة تنفيذ مشروعات عملاقة لتحويل المدينة الصغيرة إلى واحدة من العواصم المهمة في صناعة القرارات والحياة السياسية والاقتصادية في منطقة آسيا الوسطى والفضاء الأوروآسيوي. وفي حين شهدت آستانة أدواراً مهمة في تقرير مصير ملفات مهمة مثل تطوير أداء «منظمة شانغهاي» التي ضمت، فضلاً عن روسيا والصين وكازاخستان، ثلاث جمهوريات سوفياتية سابقة هي أوزبكستان وتاجيكستان وقيرغيزستان، بالإضافة إلى بلدان مجاورة بينها الهند وباكستان وإيران ومنغوليا.
ولعبت آستانة دوراً أساسياً في إطلاق مشروع التكامل الأوروآسيوي. وكان لها حضور بالغ الأهمية عند مفاصل خطرة، إذ تدخل نزارباييف، بشكل هادئ، وبعيداً عن التغطيات الإعلامية، عندما اندلعت الأزمة الروسية التركية عام 2015 بعد إسقاط أنقرة مقاتلة روسية فوق المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا. يومها كاد الوضع يتحول إلى مواجهة عسكرية بين موسكو وأنقرة، لكن تدخل نزارباييف ساهم في تقريب وجهات النظر، وإيجاد آلية ترضي الطرفين لتجاوز الأزمة، وما لبث أن انعكس هذا الجهد في إعلان آستانة مكان استضافة حوار روسي - تركي - إيراني حول سوريا، وتحوّلت إلى «منصة» سياسية لعبت دوراً أساسياً في دفع هذه الحوارات.
ومع قرار تغيير اسم آستانة إلى «نور سلطان» برزت تعليقات كثيرة حول مصير المسار الذي حمل اسمها، لكن الخارجية الكازاخية أكدت في وقت لاحق أن «مسار آستانة سيحافظ على تسميته»، ما يعني أن الأطراف الفعالة في المسار ستواصل لقاءاتها في العاصمة الكازاخية تحت التسمية القديمة ذاتها، مع أن المدينة باتت تحمل اسم عرّاب الجمهورية «نور سلطان».



موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
TT

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)
لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ مستوياتها منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي السابق، وجرى تقويض كل قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية والأمنية. وحتى «الخط الساخن» الذي طالما عوّل عليه البلدان لمواجهة الظروف الطارئة وتجنّب الانزلاق إلى احتكاكات مقصودة أو غير مقصودة، جرى تجميده كلياً. كانت تلك، وفقاً لمسؤولين روس، أسوأ أربع سنوات في العلاقات، ولقد تحوّلت فيها الولايات المتحدة إلى خصم مباشر، و«شريك رئيس في الحرب الهجينة ضد روسيا». ولم ينعكس التدهور فقط في ملفات أوكرانيا والأمن الاستراتيجي والوضع في أوروبا - وهي القضايا المركزية التي تشغل بال الكرملين - بل أيضاً امتد في تأثيره بعيداً عن الجغرافيا الحيوية لروسيا... ليصل إلى الملفات الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط التي شهدت تصعيداً متواصلاً فاقم تأجيج الأزمة في العلاقات.

بمجرد اتضاح نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، بدأ محللون روس في وضع «سيناريوهات» للتقارب مع الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن. ولطالما كان ينظر في موسكو للرئيس المنتخب دونالد ترمب على أنه «قادر على إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو»، والتوصل إلى تسويات أو «صفقات» حول القضايا الأكثر خلافية.

بيد أن الكرملين كان قد خاض تجربة مريرة مع ولاية ترمب الأولى، عندما بدا الرئيس - المتهم بالتعاون سرّاً مع روسيا - عاجزاً عن مواجهة تركة باراك أوباما الثقيلة في العلاقة مع موسكو. لذلك لم ينجح التفاؤل الروسي في حينه، ولا الخطوات المحدودة التي انتهجها ترمب في تحسين العلاقات جدياً، ووضع «سيناريوهات» للتعاون في ملفات دولية أو إقليمية. بل بالعكس من ذلك، فقد واجهت روسيا في ولاية ترمب السابقة أضخم رُزم عقوبات فرضتها واشنطن. ومن ناحية ثانية، فشل الطرفان أيضاً في تحسين شروط التعاون حيال ملفات إقليمية مهمة، فتدهور الوضع حول إيران بعد انسحاب ترمب من الاتفاقية النووية، وتراجع الأخير عن تنفيذ تعهد الانسحاب من سوريا.

ثلاثة أفخاخ

بناءً عليه، بدت موسكو أكثر حذراً هذه المرة وهي تستقبل أنباء فوز ترمب الساحق. وحقاً، تجنّبت تعليق آمال جدية، بانتظار ما ستقدم عليه الإدارة الجديدة من خطوات عملية فور تسلم الرئيس منصبه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل.

لكن هذا لم يمنع التوقّعات المتشائمة، التي غلبت على العلاقة، من البروز بشكل مباشر أو غير مباشر. والحال أن موسكو تبدو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أجمل أليكسي بوشكوف، عضو مجلس الشيوخ الروسي وأحد خبراء السياسة المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، المأزق الذي يواجه ترمب بأنه يشتمل على «ثلاثة أفخاخ صعبة».

الفخ الأول، بطبيعة الحال، هو ملف أوكرانيا: فلقد استثمرت الولايات المتحدة بالفعل الكثير في أوكرانيا لدرجة أنها ما عادت تعرف كيفية الخروج من هذه الأزمة. وهنا لا تتوقف موسكو كثيراً عند الوعود الانتخابية لترمب بإنهاء الحرب في 24 ساعة. ويتساءل بوشكوف: «هل ستتخلى واشنطن عنها مثل أفغانستان؟ لم يعد يمكنها ذلك». أو تكمل ما بدأته الإدارة الديمقراطية؟ عندها... وكما حذّر ترمب بحق، فإن هذا قد يؤدي إلى صراع نووي مع روسيا. تدرك موسكو حجم الصعوبات التي تواجه ترمب في هذا الملف.

أما الفخ الثاني، فهو شرق أوسطي. وهنا - حسب بوشكوف - «لا يمكن لترمب التراجع عن دعم إسرائيل بسبب وجود لوبي قوي جدّاً مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. لكنه لا يستطيع دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً في كل ما يفعله، لأن هذا يضرّ بمكانة الولايات المتحدة في العالم العربي (...) ولأن المخطط الأميركي لمصالحة إسرائيل مع جيرانها ما زال موضع شك. لقد حاولت الولايات المتحدة إخراج إسرائيل من عزلتها في المنطقة... لكن هذا المدخل لم يعد يعمل. وعلاوة على ذلك: يُصرّ العالم العربي على إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع. إذن فهذا أيضًاً فخ».

وأما الفخ الثالث فهو تايوان. ووفقاً لبوشكوف: «من الممكن أن تصبح قضية تايوان فخاً كبيراً للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستدعم أوروبا الأميركيين إذا دخلت الولايات المتحدة في صراع مع الصين؟ لقد قوّضت أوروبا نفسها اقتصادياً بشدة بالفعل بسبب انفصالها عن روسيا. وإذا فتحت أيضاً معركة مع الصين، التي يبلغ حجم تجارة الاتحاد الأوروبي معها تريليون دولار أميركي، فمن المرجح أن ينهار الاقتصاد الأوروبي ببساطة».

قنابل موقوتة

السياسي الروسي يرى أن «الأفخاخ الثلاثة» تمثل قنابل موقوتة بالنسبة إلى دونالد ترمب... مهما كانت طبيعة التركيبة النهائية لفريقه الرئاسي، أو خطواته الأولى على صعيد السياسة الخارجية.

فضلاً عن ذلك، يرى بوشكوف، أن ترمب الذي تعهد بإيلاء القدر الأكبر من الاهتمام للإصلاح الداخلي، سيواجه صعوبة كبرى في إيجاد توازن بين الانكفاء إلى الداخل من أجل تحسين الأداء الاقتصادي ومواجهة الهجرة و«إعادة أميركا عظيمة» بقدراتها واقتصادها ومستوى المعيشة لشعبها، وبين العمل بسرعة لتنفيذ وعود انتخابية بإنهاء حروب وتقليص التوتر في أزمات خارجية. ويضيف متسائلاً: «كيف يمكن أن تكون أميركا عظيمة مجدّداً... وهي تنكفئ في السياسة الدولية؟».

تبدو موسكو حالياً ضعيفة الثقة بقدرة «ترمب الجديد» على تجاوز

التغيّرات الكبرى التي شهدتها الأوضاع الإقليمية والدولية خلال السنوات الأخيرة

تباين حيال التسوية في الشرق الأوسط

لا يبدو أن موسكو تثق كثيراً بقدرة ترمب على لعب دور نشط لإنهاء الحرب على غزة ولبنان، ودفع الإسرائيليين إلى التوصّل لحلول سياسية تعيد الهدوء - ولو نسبياً - إلى الشرق الأوسط.

وهنا، يذكر خبراء أن المدخل الأميركي السابق قام على أساس تعزيز اتفاقات تطبيع وفرض سلام من نوع خاص، لا يؤدي إلى تسوية سياسية حقيقية تنهي العنف في المنطقة وتنزع ذرائعه.

وترمب نفسه أعرب خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى عن نيته التوسط في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه أظهر لاحقاً التقارب مع إسرائيل من أجل كسب دعم المانحين الرئيسيين والناخبين الرئيسيين، وخاصة الصهاينة المسيحيين الإيفانجيليين.

بحسب خبراء، هذا الموقف يتوافق مع النهج القائل: «أميركا تفعل ما تريد، وبالتالي أصدقاء أميركا يفعلون ما يريدون». مع الإشارة هنا إلى أن هذا النهج المائل إلى عقد «صفقات» ينصّ على «امتيازات خاصة للحلفاء كدفعة مقابل الأمن». غير أن موسكو ليست مقتنعة بأن هذا المدخل سيعزّز طريق الحلول النهائية للمنطقة.

ومقابل القناعة الروسية بالعودة إلى الآليات التي توافر عليها نوعٌ من الإجماع الدولي، كإحياء «الرباعية الدولية» وتوسيعها بضم بعض الأطراف الإقليمية المهمة (المملكة العربية السعودية ومصر وجامعة الدول العربية)، وأيضاً العودة إلى مبادئ التسوية القائمة على أساس رفض التوسّع الجغرافي للاحتلال، وإعلاء «مبدأ حل الدولتين» ووضع خرائط طريق جديدة بينها «المبادرة العربية للسلام»، فإن مدخل ترمب يقوم على عقد صفقات سريعة للتهدئة، وترك المناطق أمام «برميل بارود» قابل للانفجار مجدداً في أي وقت.

في هذا الإطار لا يتوقّع خبراء روس أن تكون التسوية في الشرق الأوسط بين أولويات الحوار المنتظر مع الإدارة الأميركية الجديدة، بالنظر إلى أن هذا الموضوع فيه تباعد واسع في وجهات النظر، ولا يدخل ضمن الملفات التي قد يكون بوسع الطرفين التوصل إلى صفقات حولها.

وفي الوقت ذاته، ترى موسكو - وفقاً لتحركات محدَّدة برزت في سوريا، ومن خلال حوارات مكثفة أجريت غالباً خلف أبواب مغلقة مع الجانب الإسرائيلي - أن بوسعها لعب دور أساسي في تأكيد دورها بضمان أمن إسرائيل من جهة سوريا وإيران مستقبلاً. وهو ما يعني أن هذا الموضوع قد يكون جزئياً على طاولة حوار روسي - أميركي في وقت لاحق.

تأهب للحوار حول سوريا

في هذه الأثناء، لدى الأوساط الروسية نظرة إيجابية، ولكن حذرة، بشأن احتمالات سحب ترمب القوات الأميركية من سوريا إبان ولاية ترمب الجديدة.

موسكو تتذكر الإرادة الأميركية في الانسحاب من سوريا إبان ولاية ترمب السابقة، لكن يومذاك كان التهديد الإرهابي ما زال نشطاً، والخطوط الفاصلة ومناطق النفوذ لم تكن قد تبلورت بشكل شبه نهائي. لذا يرى خبراء روس أن ترمب عندما يتكلّم عن سحب القوات حالياً فهو ينطلق من واقع ميداني وسياسي جديد. وبالتالي، سيكون حذراً للغاية عند مناقشة هذه المشكلة مجدداً.

أيضاً، ونظراً لوعود ترمب الانتخابية المتكررة، يُرجح أن ترغب واشنطن في سحب قواتها من سوريا، لكن لا يبدو لموسكو أن هذه القضية ستكون مُدرجة على جدول الأعمال ضمن أولويات التحرك الأميركي حالياً.

لقد قوبلت خطط ترمب لسحب القوات في السابق بمقاومة مفتوحة، خاصة من «القيادة الوسطى» الأميركية وشخصيات، مثل بريت ماكغورك، الذي عمل مبعوثاً خاصاً لمكافحة «داعش» حتى أواخر عام 2018، واستقال قبل شهرين من انتهاء فترة ولايته، مباشرة بعد قرار إدارة ترمب سحب القوات من سوريا في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018. بعدها عيّن جو بايدن، الرئيس الأميركي المنتخب، عام 2020، ماكغورك منسقاً لمجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واكتسبت سياسة واشنطن في سوريا لدعم حزب العمال الكردستاني «وحدات حماية الشعب» زخماً.

حالياً يعود الملف إلى دائرة النقاش، ولقد برز بشكل واضح خلال اجتماعات «جولة آستانة للحوار» التي انعقدت أخيراً. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف إلى سوريا في ختام الاجتماعات أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة فور تشكيلها، لبحث الملفات المتعلقة بسوريا. وقال الدبلوماسي الروسي: «إذا كانت هناك مقترحات، فإن الجانب الروسي منفتح، ونحن على استعداد لمواصلة الاتصالات مع الأميركيين».

وفي هذا المجال، تنطلق موسكو من قناعة بأنه لا يمكن التوصل إلى بعض الحلول الوسط إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وهي هنا مستعدة للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى، وربما تقديم بعض الضمانات التي تحتاج إليها واشنطن لتسريع عملية الانسحاب ودعم التسوية في سوريا برعاية روسية تضمن مصالح الأخيرة.