هكذا تأهبت طرابلس لـ{الحرب القادمة}

نزوح جماعي وارتفاع في الأسعار... ومخاوف من تفاقم الأوضاع

TT

هكذا تأهبت طرابلس لـ{الحرب القادمة}

عاش سكان العاصمة الليبية طرابلس أمس يوما استثنائيا، اكتسى بالخوف والذعر من احتمال دخول قوات الجيش الوطني مدينتهم، فضلاً عن نزوح جماعي، وارتفاع مفاجئ في أسعار السلع، وسط اصطفاف ملحوظ لعموم الميلشيات المسلحة، التي يتبع بعضها المجلس الرئاسي، بقيادة فائز السراج، والبعض الآخر لما كان يعرف بـ«فجر ليبيا»، استعداداً لمواجهة ما سموه «الحرب القادمة».
وتهيأت العاصمة، التي ينظر إليها على أنها من أكبر مخازن السلاح في البلاد، بعد يومين من العملية التي أطلقها حفتر «لتحريرها من الجماعات الإرهابية» لمواجهة الطارئ الجديد. وأطلع عدد من المواطنين «الشرق الأوسط» على حجم الاستعدادات الأمنية، التي تُجرى من جانب المجموعات المسلحة، خاصة الآتية من مدينة مصراتة الساحلية، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر شرق العاصمة.
يقول رائف أمحمد وزاوي، المنتمي إلى ضواحي مصراتة: «هناك تحركات واسعة للواء الصمود، الذي يترأسه صلاح بادي أحد قادة تحالف (فجر ليبيا) السابق، باتجاه جنوب العاصمة، بالإضافة إلى خروج آليات وعتاد بشكل كبير من المدينة إلى وجهات مختلفة».
وأضاف وزاوي، الذي أوضح أنه سبق له أن شارك في الانتفاضة التي أطاحت الرئيس الراحل معمر القذافي في 17 فبراير (شباط) عام 2011، أن السلاح الذي «استحوذوا عليه قبل أكثر من ثمانية أعوام، تم إخراجه بشكل كبير، أمس، قصد استخدامه دفاعاً عن العاصمة». لافتا إلى أن «كثيرا من المواطنين أظهروا أسلحة متوسطة كانت مخبأة في منازلهم، بهدف استخدامها للدفاع عن أنفسهم».
ويوجد في مصراتة ست كتائب تضم أكثر من 200 وحدة، ويمتلك أغلبها عددا من مخازن السلاح والحاويات في مواقع عدة.
وسبق أن رصدت تقارير محلية ودولية حجم السلاح المخزون في مصراتة، وقالت إنها تتنوع ما بين الدبابات والصواريخ بمختلف أنواعها، والأسلحة المتوسطة، بالإضافة إلى قاذفة صواريخ محمولة على شاحنات.
ويقارب عدد سكان طرابلس العاصمة المليون نسمة حسب تعداد عام 2012. ويعاني مواطنوها غالبية الوقت من أزمات اقتصادية، ويشتكون من سطوة الميليشيات المسلحة على مظاهر الحياة العامة، وتغولهم في المصارف، والهيئات القضائية والمؤسسات الحكومية، لكن هناك من يرى أن هذه الحرب التي باتت على الأبواب زادت من مشقتهم».
في هذا السياق، أوضح حميد عبد الوارث أن «المشهد العام في الشارع الطرابلسي يسوده حالة من التخوف وهلع من الحرب»، وقال إن «المواطنين فوجئوا بغلاء الأسعار بشكل مبالغ فيه، أمس، إلى جانب ارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار».
وكشف عبد الوارث، أحد سكان منطقة الشوك (جنوب شرقي طرابلس)، أن «حالة التخوف دفعت بكثير من المواطنين إلى النزوح من جنوب طرابلس باتجاه غرب وشرق العاصمة، لكونها مناطق أكثر أمنا، وأبعد عن الاشتباكات المحتملة». وقال إن «ميليشيات الإخوان دخلت على الخط. فالأزمة وحدت الجميع. كما أن هناك مواطنين بدأوا في حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم».
ويستند السراج في مواجهة الجيش الوطني على 9 ميليشيات مسلحة موالية له، وتقوم منذ توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب نهاية 2015، بحماية الوزارات والمنشآت الحكومية.
ومن أبرز هذه الميليشيات كتيبة «ثوار طرابلس» بقيادة هيثم التاجوري، التي تعد من أكبر الميليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة، بالإضافة إلى كتيبة «النواصي»، بقيادة عائلة قدور، و«قوة الردع الخاصة» بقيادة عبد الرؤوف كارة، ووحدة «أبو سليم» التابعة لجهاز الأمن المركزي، بقيادة عبد الغني الككلي.
ويولي المجلس الرئاسي اهتماماً بدعم «النواصي» و«قوة الردع» الخاصة، وكلتاهما متمركزة في منطقة سوق الجمعة، وتسيطر على المنطقة حول القاعدة البحرية، حيث يوجد المجلس، وتسيطر قوات الردع على المطار العامل الوحيد في العاصمة.
وأمس، أعلنت «قوة حماية طرابلس» عن إطلاق عملية «وادي الدوم 2»، بعدما قالت إن قواتها تمكنت من السيطرة على «كوبري 27 وكامل الطريق الساحلي». وتضم القوة كلا من «قوة الردع الخاصة»، وكتيبة «ثوار طرابلس» والقوة الثامنة (النواصي)، و«قوة الردع والتدخل المشترك أبو سليم»، وكتيبة «باب تاجوراء»، التي تمثل المجموعات المسلحة الرئيسية في طرابلس، والتي اتحدت تحت هذا الاسم خلال الحرب الأخيرة التي اندلعت في ضواحي الجنوبية للعاصمة في 26 أغسطس (آب) الماضي.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.