إطاحة مدير المخابرات الجزائرية أبرز خصوم قائد الجيش

TT

إطاحة مدير المخابرات الجزائرية أبرز خصوم قائد الجيش

أفرز تنحي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تحت ضغط الحراك الشعبي وقيادة الجيش، استقالة (أو إقالة) مدير الاستخبارات اللواء بشير طرطاق، الذي يعتبر من أشد خصوم رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.
وشكل تنحي طرطاق، المعروف حركياً بـ«عثمان»، الحدث السياسي الأبرز في «جمعة الحراك السابعة»، ذلك أن الرجل يعد من الوجوه البارزة لعهد بوتفليقة، وقاد المخابرات القديمة «دائرة الاستعلام والأمن» بوزارة الدفاع لبضعة شهور، عندما تم عزل مديرها الفريق محمد مدين في سنة 2015. وبعدها أحاله الرئيس إلى التقاعد. لكن عاد بعد فترة قصيرة ليرأس الهيكلة الجديدة للمخابرات، التي خلفت القديمة، وسميت «المصالح الأمنية». وأصبحت المخابرات بموجب الهيكلة الجديدة تابعة لرئاسة الجمهورية بدل الجيش. وأشيع بأن رئيس الأركان بالمؤسسة العسكرية أزعجه هذا الأمر، فأسس هيكلاً استخبارياً تابعاً له موازياً لمصالح طرطاق، ما أفرز حساسية بالغة بينهما فيما يتعلق بالصلاحيات والسلطات في مجال التحقيق في قضايا الفساد ومحاربة الإرهاب، ومراقبة وسائل الإعلام والأحزاب والنشطاء الحقوقيين.
وقبل بداية الحراك، أثار مدير فضائية خاصة جدلاً كبيراً، عندما نشر حديثاً بالهاتف جرى بينه وبين أحد أبرز مساعدي طرطاق، دار حول اعتقال رئيس تحرير صحيفة إلكترونية تابعة للفضائية، بسبب مقال عن مدير المخابرات. وقد هدد مدير القناة طرطاق بـ«الانتقام لأنه تجرأ علينا». وكان مساعد طرطاق يترجى مدير القناة بألا يفعل شيئاً، وبأن اعتقال الصحافي «كان فقط من أجل تخويفه حتى لا يكتب عن مديرنا مرة أخرى».
وكتبت الصحيفة الإلكترونية، الأشهر في البلاد، «كل شيء عن الجزائر»، أن طرطاق سلم استقالته للرئيس بوتفليقة في الثاني من الشهر الحالي، وأنه وافق عليها، أي في نفس يوم تسلم «المجلس الدستوري» استقالة بوتفليقة. وفي اليوم ذاته أيضاً هدد قائد الجيش من سماها «العصابة»، وطالبها بالتنحي عن الرئاسة. وكان يقصد بالتحديد بوتفليقة وشقيقه السعيد، الذي يعد كبير مستشاريه، ومدير «المصالح الأمنية».
ويتوقع مراقبون عودة المخابرات إلى صيغتها العسكرية القديمة، وإلحاق ضباطها من جديد بوزارة الدفاع، وحينها ستصبح تحت إشراف قايد صالح، الذي أضحى في وقت وجيز الحاكم الفعلي في البلاد، بعد أن انخرط في مطالب الحراك، ومارس ضغطاً شديداً على الرئيس لدفعه إلى التنحي، علماً بأن صالح ظل طيلة السنين الماضية مدافعاً قوياً عن الرئيس، وكان من المتحمسين لاستمراره في الحكم. وعلى هذا الأساس طالب قطاع من الحراك بإبعاد قائد الجيش، باعتباره هو أيضاً رمزاً من نظام بوتفليقة. وخصصت «مجلة الجيش»، لسان حال المؤسسة العسكرية، افتتاحية عدد أبريل (نيسان) الصادر أمس للحراك، وجاء فيها: «إن اقتراح الجيش تفعيل المادة 102 من الدستور (شغور منصب الرئيس بسبب الاستقالة أو المرض أو الوفاة)، جاء من باب وفائه لرسالة نوفمبر (تشرين الثاني/ تاريخ اندلاع الثورة 1954) الخالدة، وكذا وفائه للعهد المتين، الذي قطعه على نفسه بأن يضع الجزائر فوق أي اعتبار وتغليب المصلحة العليا للوطن، وفي سياق إيمانه الراسخ بقدرة الشعب الجزائري على تجاوز كل الصعاب والمحن، مهما كانت طبيعتها. وقد تضمن الاقتراح المذكور حلاً أورده دستور البلاد، يسمح للجزائر بتجاوز الظرف الذي تمر به بسلام، ويجنبها سيناريوهات قد تدفع نحو المجهول».
وفي استهداف ضمني لـ«جماعة الرئيس»، قالت افتتاحية النشرة العسكرية: «في وقت كان من المفروض أن يعمل فيه الجميع وفق منطق وطني خالص، ونكران الذات وتغليب المصالح العليا للوطن، من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة، طبقاً للأحكام المنصوص عليها دستورياً، يحاول بعض الأطراف من ذوي النوايا السيئة والأغراض المشبوهة، من خلال مخطط مناوئ للمصلحة العليا للوطن، استهدف مصداقية المؤسسة العسكرية والالتفاف على المطالب المشروعة، التي رفعها الشعب صراحة في مسيرات سلمية عمت مختلف ولايات الوطن، وذلك عبر شن حملة إعلامية مركزة ومغرضة، تتضمن معلومات كاذبة ومغلوطة في وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش، تتحدث باسم الشعب وتعطي الانطباع أنه يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور، وهو ما يجانب الحقيقة ويكذبه الواقع».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.