«الشرق الأوسط» ترصد رؤية «الإسلاميين» لمرحلة ما بعد بوتفليقة

في ظل تزايد المخاوف من هيمنتهم على الحراك الشعبي وتنامي دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية

عبد الرزاق مقري - عبد الله جاب الله
عبد الرزاق مقري - عبد الله جاب الله
TT

«الشرق الأوسط» ترصد رؤية «الإسلاميين» لمرحلة ما بعد بوتفليقة

عبد الرزاق مقري - عبد الله جاب الله
عبد الرزاق مقري - عبد الله جاب الله

تترقب الجزائر المسيرات التي ستخرج اليوم الجمعة في مدن البلاد المختلفة لقياس تعاطي الحراك الشعبي، المستمر منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، مع إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة استقالته، وإطلاق مرحلة انتقالية ما زالت غير واضحة المعالم. ويُتوقع أن يحدد حجم الحراك اليوم، والشعارات التي سيرفعها المحتجون، إمكانية القبول بالسير بما تنص عليه الإجراءات الدستورية الحالية، أي تسليم السلطة إلى رئيس انتقالي هو رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، ومعه رئيس حكومة عينه بوتفليقة قبل استقالته وهو نور الدين بدوي. لكن الإشكالية في هاتين الشخصيتين هو أن الحراك، أو جزءا منه على الأقل، قد لا يقبل بهما على اعتبار أنهما يمثلان نظاماً يطالب المحتجون برحيله. ويقول معارضون إن المؤسسة العسكرية تريد السير بهما لتسيير المرحلة الانتقالية، لكنها قد تغيّر موقفها قياساً على رد فعل الحراك اليوم، علما بأن مؤسسة الجيش أعلنت انحيازها في شكل واضح لمطالب الشعب، وضغطت في الأيام الأخيرة لضمان استقالة الرئيس بوتفليقة، تلبية لإصرار المحتجين.
«الشرق الأوسط» حاورت اثنين من أبرز قادة التيار الإسلامي في الجزائر، هما رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، ورئيس حركة العدالة والبناء عبد الله جاب الله حول رؤيتهما لتسيير المرحلة الانتقالية، ومن يقودها والمخاوف من تنامي دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسة، وأيضاً المخاوف من أن يسعى التيار الإسلامي إلى ركوب موجة الحراك الشعبي والهيمنة عليه، كما حصل في حراكات أخرى في أكثر من دولة خلال ما يُعرف بـ«الربيع العربي». وفي حين أعلن جاب الله رفضه أن تتم تسيير الأعمال في المرحلة الانتقالية بالوجوه نفسها التي خرج الشعب ضدها، قال مقري إن المؤسسة العسكرية «تريد السير ببن صالح رئيساً انتقالياً، لكنها يمكن أن تغيّر رأيها قياساً على رد الشارع اليوم».
عن المرحلة الانتقالية يقول جاب الله: «نأمل بأن تكون لدينا فرصة للتغيير. ولا يزال هناك كثير من الغموض. هناك عوامل عدة تقلقني، فالحراك الشعبي ليس مؤطراً، ومحاولة تأطيره ليست سهلة. الأمور في الجزائر ليست سهلة... وعلى النخبة أن تضاعف جهدها لبلورة موقف موحد، واتخاذ إجراءات لحماية الحراك الشعبي الذي ينبغي أن يستمر وألا يتوقف حتى تتحقق مطالبه. ونأمل أيضاً بأن يستمر الجيش في موقفه الإيجابي في تخندقه في صف الشعب وتبنيه مطالبه، واتخاذ إجراءات لتأمين آليات تسيير المرحلة الانتقالية، ثم الانتقال إلى مرحلة التعددية الصحيحة ذات المرجعية النوفمبرية، (بيان أول نوفمبر «تشرين الثاني»)».
وبخصوص مطالب الحراك يضيف جاب الله: «الحراك واضح فيما يريد من أهداف كبرى. نحن موجودون في الحراك منذ اليوم الأول من خلال إطاراتنا ومناصرينا. والشعارات المرفوعة في الحراك تقول إن الشعب يريد تجسيد الوفاء لبيان أول نوفمبر، أي المرجعية التاريخية التي ضحى الشعب الجزائري من أجلها بمليون ونصف مليون من الشهداء... الحراك يريد بناء دولة ديمقراطية ضمن المبادئ الإسلامية».
وحول تولي عبد القادر بن صالح قيادة الفترة الانتقالية، أوضح جاب الله أنه «لا يمكن أن يكون عبد القادر بن صالح في (قيادة) الفترة الانتقالية. هذا خيانة للشعب. لقد وضعنا خريطة طريق للحل، تقوم على المادة 7 والمادة 102 من الدستور، فالمادة 102 (شغور منصب الرئيس نتيجة الوفاة أو العجز أو الاستقالة) وضعت لمعالجة وضع عادي في البلاد. والمجلس الدستوري يقوم بتفعيل مادة الشغور، والإجراءات الموضوعة تضمن استمرارية نظام الحكم بمؤسساته المختلفة، ولا شيء يتغير حتى تتم الانتخابات الرئاسية. الرئيس الذي يأتي نتيجة تلك الانتخابات هو الذي يباشر التغيير. لكن الشخص الذي يتولى تسيير المرحلة الانتقالية، سواء نتيجة الشغور أو الوفاة أو الاستقالة، إلى حين تنظيم الانتخابات، فإن المؤسسات القائمة ستستمر (في عهده الانتقالي)، أي ستبقى الحكومة القائمة والبرلمان الحالي. إذن من سيتولى تسيير الأعمال الوجوه نفسها التي خرج الشعب إلى الشارع ضدها، وسحب الثقة منها. ولذلك فإن الوضع ليس عاديا ولا يمكن أن يعالج بحلول عادية».
وتابع جاب الله موضحا أن الانتخابات المقبلة «لا تكون حرة ونزيهة بهؤلاء. وإذا بقي لهم دور فسوف يلتفون على هذا الحراك... وحتى تكون هناك انتخابات نزيهة يجب إبعاد كل من كانت له مساهمة في تسيير شؤون البلد خلال عقدين ماضيين من الزمن. هؤلاء كلهم يجب ألا يكون لهم دور. فكرهم استبدادي، وكل من لديه فكر استبدادي لا يصلح للمساهمة في البناء الديمقراطي أبداً. أتريدون أن يكون الجزائريون مغفلين؟ لسنا كذلك». واعتبر جاب الله أن «الشعب عبّر عن إرادته في جمعات مليونية، وسيخرج يوم الجمعة بالتأكيد 24 مليوناً شاركوا في المسيرات وهم يطالبون بحقهم. لقد قرر الشعب أن يمارس سيادته بنفسه. ورفض الوصاية عليه، سواء من الرئيس أو مؤسسات السيادة. وبالتالي يجب إيجاد آليات ترد هذا الحق في السلطة إلى الشعب. وهذه الآليات لم ينص عليها الدستور».
ويرفض جاب الله فكرة أن الإسلاميين هم من يحرك الحراك الحالي، ويشير في هذا السياق إلى أن «أماكن التجمعات (في العاصمة) بعيدة نسبياً عن المساجد. هناك من يقطع سيراً مسافة 20 كلم للوصول إلى ساحات التظاهر. وهذه المسيرات قائمة على الفعل الإرادي البحت. لا إغراء أو دفعا فيه».
وعن موقف الجيش، يقول جاب الله: «لو وقف الجيش، لا سمح الله، مع بوتفليقة لكانت الجزائر تعيش الآن مأساة لا نظير لها، مثلما حصل في سوريا ربما. لكن الجيش عندنا وقف على الحياد أولا، ثم تخلى عن بوتفليقة والتقى مع الشعب».
أما عبد الرزاق مقري فيتحدث عن إشكالية المرحلة الانتقالية المقبلة قائلاً: «إذا مشينا في المسار الدستوري فالأمر واضح. المادة 102 تسيّر 3 حالات للشغور: المانع بالمرض أو الوفاة أو الاستقالة. نحن في حالة الاستقالة، والفترة الانتقالية تكون من 90 يوماً برئاسة رئيس مجلس الأمة. المجلس الدستوري ثبّت الاستقالة، ثم أخبر رئيس مجلس الأمة، الذي كان حاضراً في جلسة تقديم الاستقالة. ورئيس مجلس الأمة هو من يبلغ البرلمان بغرفتيه باستقالة الرئيس، ثم يصبح هو رئيساً يسيّر البلاد لمدة 90 يوماً».
وتابع مقري موضحا: «كان هناك اليوم لقاء لمكتبي البرلمان، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، والأحد سيتم اجتماع للغرفتين وننطلق في المرحلة الانتقالية لمدة 90 يوماً. التدابير الدستورية لا تسمح بأي إجراء. لا تسمح بتغيير الحكومة القائمة، ولا بتعديل الدستور، لكن هناك نقاشاً يدور الآن. المؤسسة العسكرية فاعل أساسي. هي المايسترو حالياً. هذه هي الحقيقة. وهذه المؤسسة أعلنت عن اللجوء إلى المادة 102 وتعهدت بتحقيق طموحات المواطنين من خلال المادة 7 والمادة 8. السابعة تؤكد أن الشعب هو مصدر السلطات ومصدر السيادة الوطنية. والثامنة تقول إنه يعبر عن سيادته من خلال المؤسسات المنتخبة عبر الاقتراع الحر. وهاتان المادتان تمثلان مواد عامة تتطلبان إجراءات عملية. وإذا احترمنا الدستور فهذه الإجراءات العملية ستكون صعبة. يُضاف إلى ذلك أن الحراك مهتم بالوجوه أكثر من القوانين. وهناك معضلة أساسية تتعلق برئيس الحكومة. فبعد استقالة الرئيس لا أحد يستطيع إقالة رئيس الحكومة. وبالتالي ففي ظل الوضع القانوني الحالي لن تكون هناك إصلاحات، وستكون هناك خيبة أمل قوية».
وحول رؤيته للسيناريوهات المحتملة يضيف مقري: «المعضلة لدى الحراك هي في رئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة. رئيس مجلس الأمة يمكن أن يحل المشكلة، إذا كانت هناك إرادة سياسية. يمكن أن يستقيل بن صالح، وعندها يأتي مكانه الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري، وهو كذلك مرفوض. إذن هناك إمكانية لأن يستقيل بدوره. وإذا استقال فسندخل في فراغ دستوري. ليست هناك قواعد دستورية أو قانونية تعالج هذا الوضع. سيكون فراغ وحالة الفراغ إيجابية لأنها تساعد على الاجتهاد. يمكن حل حالة الفراغ عن طريق التوافق على شخصية يقبلها الحراك، وهناك بالطبع شخصيات مقبولة لديه. لكننا أضفنا لذلك شرطين: ألا يكون (الشخص التوافقي) متورطاً في الفساد، وألا يكون متورطاً في تزوير الانتخابات سابقاً. وإذا لم يحصل ذلك فإن الصدام مع المواطنين سيدخل البلاد في أزمة كبيرة».
ويرى مقري أن «الحل يكون بحوار بين الأحزاب والمؤسسة العسكرية والمجتمع المدني وممثلي الحراك. ولا يشترط أن يأخذ الحوار أبعاداً إعلامية. الهدف هو الاتفاق على شخص، لأن الخطأ ممنوع هنا. فإذا استقال بن صالح، ثم استقال بلعيز، ووقع خطأ في اختيار الشخص، ورفضه الحراك فسنكون أمام مشكلة لا حل لها. هذا هو تصورنا. ولكن اعتقادي هو أن المؤسسة العسكرية ماضية في خيار بن صالح لتسيير المرحلة الانتقالية. هم يريدون البقاء في الإطارات (الدستورية) الموجودة. والشيء الوحيد الذي يستطيع تغيير الأمور هو الحراك. فإذا كان الحراك يوم الجمعة قوياً، والرفض صارماً وواضحاً ضد بدوي وبن صالح، عندها يمكن أن يغيّروا (المؤسسة العسكرية) رأيهم. الجزائر تكون كل يوم جمعة أمام محاكمة كبيرة. والناس تتكيف بحسب ما يقوله الحراك كل يوم جمعة. نتائج الحراك هي التي تملي التصرفات، سواء من المؤسسة العسكرية أو من الأحزاب».
وبخصوص إشكالية عدم وجود من يمثل الحراك، أوضح مقري: «هذه قوة الحراك ونقطة ضعفه. لو كان في الحراك من يمثله لوقعت فيه اضطرابات وصراعات قوية... لأن الحراك لم يكن لديه من يمثله فصار حراً طليقاً».
ويقر زعيم «حركة مجتمع السلم» بأن الحراك «من حيث شكله وضخامته فاجأنا، ولكن من حيث وقوعه لم يفاجئنا. نزل 22 مليون جزائري إلى الشارع بطريقة حضارية، رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا».
ورفض مقري فكرة أن يحاول الإسلاميون ركوب موجة الحراك، بقوله «غير وارد إطلاقاً أن يسيطر الإسلاميون على الحراك. السؤال مشروع. منذ اليوم الأول أعطينا تعليمات لمناضلينا في الولايات: كونوا كالمواطنين. شاركوا في الحراك ولكن لا تتصدروه. نزلت شخصياً في الحراك يوم 22 فبراير. كنت رئيس الحزب الوحيد الذي نزل في الجمعة الأولى. نزلت مع أربعة أشخاص فقط، وسرنا وسط المواطنين. كنا قد قررنا ألا نكون في الواجهة وألا نتصدر. عندما خرجنا ضد العهدة الرابعة ضربنا الأمن، وكان المواطنون يتفرجون علينا. لم يقف أحد معنا ولم نستطع أن نفعل شيئا. ولكن عندما خرج الشعب غيّر المعادلة. ولذلك نحن دون الشعب. الشعب هو السيد. نحن حريصون على عدم تصدر الحراك، أو التحدث باسمه».
وبسؤاله إن كان يخشى أن تستغل المؤسسة العسكرية وضعها الحالي بعد انحيازها للحراك كي تبقى مهيمنة على مقاليد الأمر في البلاد، رد مقري قائلاً: «هناك سيناريوهات مختلفة. هناك من يسأل هل ستتكرر التجربة المصرية في الجزائر. هذا الخوف ليس موجوداً على الإطلاق. لا خوف أن تمسك المؤسسة العسكرية السلطة في شكل مباشر في الجزائر. التجربة المصرية ليست ما يخيفنا. ما يخيفنا هي التجربة الجزائرية، لأن العسكر عندنا يحكم من الخلف. هم الذين يصنعون الرؤساء، وهم الذين يصنعون التوازنات السياسية. التجربة الجزائرية لا المصرية هي ما يخيفنا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.