وزير المال متفاهم مع الحريري على إجراءات لخفض عجز الموازنة

تلازُم الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد ضروري لتمديد الإفادة من «سيدر»

TT

وزير المال متفاهم مع الحريري على إجراءات لخفض عجز الموازنة

لم يتردّد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في تعاطيه بجدية إلى أقصى الحدود مع التحذير الذي أطلقه نائب رئيس البنك الدولي فريد بلحاج، في جولته على أركان الدولة، من عدم ارتقاء الحكومة إلى المستوى المطلوب في تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية التي تشكل الممر الإلزامي لوضع لبنان على السكة الصحيحة للإفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما ظهر جلياً من خلال اللقاءات الماراثونية التي عقدها الحريري مع وزير المال علي حسن خليل، من أجل الوصول إلى تفاهم غير قابل للنقض يدفع في اتجاه ترشيق الموازنة للعام الحالي بغية خفض العجز فيها الذي يؤدي إلى خفض تدريجي لخدمة الدين العام.
ومن نتائج هذه اللقاءات ما قاله وزير المال أخيراً إنه ورئيس الحكومة على موجة واحدة في نظرتيهما إلى التدابير والإجراءات الرامية إلى خفض العجز في الموازنة، إنما حسابياً هذه المرة وليس ورقياً.
لكن التفاهم بين الحريري وخليل يبقى في حاجة إلى تكريسه في مشروع الموازنة الذي يستدعي، كما قال مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، الارتفاع إلى مستوى المسؤولية وصولاً إلى إعلان حالة من التضامن الوطني يشارك فيها الجميع بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة والمزايدات الشعبوية التي لا تخدم الالتفات إلى التحذير الذي أطلقه بلحاج.
ويلفت المصدر الوزاري إلى أن التعامل بمسؤولية مع ما قاله بلحاج من شأنه أن يقطع الطريق على تفويت الفرصة المتاحة للبنان للإفادة من مؤتمر «سيدر»، خصوصاً أن المجتمع الدولي لا يمانع ولو لمرة واحدة وبصورة استثنائية في تمديد هذه الفرصة لفترة زمنية محدودة. ويشدد المصدر على أهمية التلازم بين مكافحة الفساد ووقف الهدر وبين الإصلاحات المالية والإدارية، ويؤكد أنه لا إمكانية للفصل بينهما لأنهما يصبّان أولاً وأخيراً في الاتجاه الصحيح لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.
ويرى أن الحكومة اللبنانية تقف حالياً أمام استحقاق مصيري يتطلب منها اتخاذ إجراءات وتدابير موجعة يراد منها تهيئة البلد للدخول في مرحلة جديدة عنوانها شد الحزام، شرط ألا يقتصر دفع الأثمان على السواد الأعظم من اللبنانيين بغية تفادي الاقتراب من الهاوية بدلاً من توفير الشروط لمنعه من السقوط لاحقاً فيها.
ويتوقف المصدر الوزاري أمام الصحوة المفاجئة التي يراد منها مكافحة الفساد ووقف الهدر لمصلحة تشديد الرقابة على الإنفاق العام، ويقول إن هذه الصحوة ضرورية وإن جاءت متأخرة، لكنه يحذّر من إقحام المؤسسات والإدارات العامة في مبارزةٍ أقل ما يقال فيها إنها استعراضية لا لزوم لها. ويشدد على دور الأجهزة الأمنية والقضائية والرقابية في هذا المضمار بعيداً عن العراضات الأمنية والعسكرية التي لم يكن بعض الأجهزة الأمنية في حاجة إليها. في إشارة إلى أنه لم تكن هناك ضرورة لما حصل أخيراً في دائرة الميكانيك وتسجيل السيارات في الدكوانة، وكان الأجدى التقيُّد بالأصول وملاحقة المشتبه بهم بصمت بعيداً عن الأضواء.
ولا يتردد المصدر في التنويه بدور «شعبة المعلومات» التابعة لقوى الأمن الداخلي وبفاعليتها في إعداد الملفات الموثّقة والتحقيقات المقرونة بالأدلة تمهيداً لإحالتها إلى النيابات العامة المالية المسؤولة عن تحديد المسؤول عن هدر المال العام. ويؤكد أن «شعبة المعلومات» كغيرها من الأجهزة تعمل من دون ضجة لتحقيق الأمن الاجتماعي بعد أن نجحت في وضع اليد على معظم الشبكات الإرهابية والتفجيرية وإحالتها إلى القضاء المختص.
ترشيق الموازنة وإصلاحات
وبالنسبة إلى ترشيق الموازنة، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن لقاءات الحريري - خليل أدت إلى التوافق على إعداد رزمة من الإصلاحات المالية يُفترض أن تتلازم مع إصلاحات إدارية لئلا يتعامل معها البعض وتحديداً المجتمع الدولي على أنها موسمية للإفادة من توظيف مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
ويعتقد المصدر أن الاجتماعات المفتوحة التي تعقدها اللجنة الوزارية برئاسة الحريري لمناقشة خطة الكهرباء التي أعدتها وزيرة الطاقة ندى البستاني، يجب أن تنتهي إلى تفاهم، وتقول إنّ الحريري وإنْ كان يحرص على ضرورة تأمين التوافق حولها، فإنه في المقابل لا يحبّذ الإبقاء على بعض النقاط من الخطة عالقة لإحالتها إلى مجلس الوزراء للبت فيها، خصوصاً أن جميع المكونات التي تتشكل منها الحكومة ممثَّلةٌ في اللجنة. ويرى أن التوصل إلى إنجاز خطة الكهرباء يشكل أول اختبار ميداني لجدية الحكومة في خفض العجز في هذا القطاع الذي سيُدرج في صلب التدابير التي يراد منها ترشيق الموازنة التي تتيح للبنان أن يتقدّم للمجتمع الدولي بأوراق اعتماده التي تدفع في اتجاه إطلاقه الضوء الأخضر للدول والمؤسسات التي كانت وراء القرارات التي صدرت عن «سيدر».
ومع أن المصدر نفسه يستبعد، من خلال ما توفر له من معطيات، أن يأتي مشروع الموازنة على إعادة النظر في التدبير رقم «3» الذي تستفيد منه الأسلاك الأمنية والعسكرية لجهة منح العاملين فيها ثلاثة أشهر كتعويض في مقابل سنة خدمة، وأيضاً في سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام من دون أن يعني المس ببعض التقديمات التي يمكن لجميع هؤلاء أن يتحمّلوها، لكنه يتوقّع إعادة النظر في رواتب أركان الدولة والوزراء والنواب الحاليين والسابقين ممن يتقاضون تعويضات مالية شهرية تخضع لعدد الدورات النيابية التي أمضوها تحت قبة البرلمان، إضافة إلى إمكانية خفض عدد السفارات اللبنانية في الخارج سواء بالنسبة إلى العاملين فيها أو إلى بعض السفارات التي لا ضرورة لوجودها، ويمكن لسفارات أخرى تقع في دول قريبة منها أن تقوم بمهامها.
كما يتوقع المصدر الوزاري خفض الزيارات إلى الخارج، وتحديداً للوزراء للمشاركة في مؤتمرات تُعقد هناك شرط أن تبقى محصورة بالضروري منها وأن ينوب عنهم السفراء لتمثيل لبنان فيها. ويشدّد أيضاً على تعزيز دور أجهزة الرقابة وتفعيل دور القضاء في إعادة الانتظام لمؤسسات الدولة وإداراتها خصوصاً، وأمام مجلس القضاء الأعلى مسؤولية في محاسبة من يثبت ضلوعهم في الاتهامات الموجّهة حالياً إلى المشتبه فيهم بهدر المال العام، ويرى أن هناك أكثر من ضرورة لدور دائرة المناقصات في تلزيم المشاريع، وأنه لا مانع من تعديل بعض القوانين التي ترفع منسوب مراقبتها لها، لقطع الطريق على الرشى والتأكد من إنجازها وفقاً للمواصفات الواردة في دفاتر الشروط.
ويسأل المصدر عن دوافع الإبقاء على الإعفاءات الجمركية بشكل فضفاض لأن البعض يوظّفها لحسابه الخاص تحت ستار خدمة المنفعة العامة، ويكشف أن عدم وضع ضوابط صارمة لها يؤدي إلى خفض واردات الخزينة على كل ما هو مستورد من الخارج على خلفية عدم سريان إلزام هؤلاء المستوردين بدفع ضرائب ورسوم بذريعة أنها تابعة لجمعيات خيرية وينطبق عليها ما ينطبق على الهبات التي تقدّم للدولة من مؤسسات ودول. ويرى أن هناك ضرورة للتدقيق في تحصيل الضريبة على القيمة المضافة (T.V.A) لأن هناك من يلتفّ على تطبيقها بذريعة إعادة تصدير ما استورده من الخارج وأحياناً بعيداً عن التدقيق في البيانات.
وأخيراً يشدد المصدر الوزاري على ضبط استيراد البضائع سواء عبر مطار بيروت أو المرفأ لوقف عمليات التهريب، إضافة إلى ضبط الحدود اللبنانية المتاخمة لسوريا وتحديداً في البقاعين الشرقي والشمالي، إضافة إلى إعادة النظر في الجسم الإداري العامل في القطاع العام نظراً لوجود فائض بات يكبّد الخزينة تكاليف مالية باهظة زادت أخيراً بنسبة عالية بسبب معظم التوظيفات التي سبقت إجراء الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي.
ويبقى السؤال: هل تُترجَم الصحوة حتى لو جاءت متأخرة ويراد منها ترشيق الموازنة إلى خطوات ملموسة أم تبقى حبراً على ورق ما يُنذر باقتراب لبنان من الكارثة؟



اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)
وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)
TT

اليمن يطالب بحزم أممي لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين

وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)
وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني استقبل في الرياض رئيس بعثة الحديدة مايكل بيري (سبأ)

شدد وزير الخارجية اليمني شائع الزنداني على ضرورة اتخاذ إجراءات أممية حازمة لمنع تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وعلى إسناد جهود الحكومة في بلاده لنزع الألغام التي زرعتها الجماعة بكثافة في محافظة الحديدة.

وفي حين تبنت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجمات جديدة باتجاه إسرائيل، أتت تصريحات الزنداني خلال استقباله في الرياض، الأحد، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، اللواء متقاعد مايكل بيري.

وذكر الإعلام الرسمي اليمني أن وزير الخارجية اطلع من المسؤول الأممي، على نشاط البعثة والقضايا المتصلة بمهامها، ومسار مواءمة عملها وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ونقلت وكالة «سبأ» الحكومية أن الوزير الزنداني تطرق إلى التهديدات الحوثية للملاحة الدولية، مشدداً على ضرورة اتخاذ مواقف حازمة من عمليات تهريب الأسلحة إلى ميليشيات الحوثي، مع تأكيده على أهمية عمل البعثة الأممية على إسناد جهود الحكومة لنزع الألغام التي زرعتها الميليشيات بكثافة وعشوائية في الحديدة.

ونسبت الوكالة الحكومية إلى المسؤول الأممي أنه عبَّر عن تقديره لتعاون ودعم الحكومة والسلطات المحلية في المديريات المحررة من الحديدة، وأنه أكد التزام البعثة بالعمل وفقاً لقرار ولايتها واستعدادها لمعالجة كافة التحديات والإشكاليات بالشراكة مع الحكومة اليمنية.

وسبق أن دعت الحكومة اليمنية البعثة الأممية الخاصة بالحديدة والمنشأة عقب اتفاق استوكهولم في أواخر 2018 إلى نقل مقرها إلى المناطق المحررة لكي تستطيع ممارسة دورها بعيداً عن ضغوط الحوثيين الذين يسيطرون على معظم مناطق الحديدة وعلى موانئها.

وتتهم الحكومة اليمنية الجماعة الحوثية باستغلال موانئ الحديدة وسواحلها لاستقبال الأسلحة المهربة من إيران إلى جانب النفط الإيراني، فضلاً عن استخدام المحافظة لشن الهجمات البحرية ضد السفن والتعاون مع الجماعات الإرهابية في القرن الأفريقي.

هجمات حوثية

في سياق الهجمات الحوثية باتجاه إسرائيل، تبنت الجماعة، مساء السبت، تنفيذ عملية عسكرية ضد هدف حيوي إسرائيلي في إيلات، بعدد من الطائرات المسيَّرة، وفق بيان لمتحدثها العسكري يحيى سريع.

وبحسب البيان الحوثي، حققت الهجمات أهدافها، وهو ما لم يؤكده الجيش الإسرائيلي، الذي عادة ما يشير إلى الهجمات القادمة من اتجاه اليمن.

صورة وزّعها الحوثيون لطائرة مسيّرة زعموا أنها استهدفت تل أبيب (أ.ف.ب)

وفي حين توعد المتحدث العسكري الحوثي باستمرار الهجمات حتى توقف العمليات الإسرائيلية في غزة ولبنان، كان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي تبنى، الخميس الماضي، في خطبته الأسبوعية تنفيذ عمليات عسكرية بـ29 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرة مسيَّرة، خلال أسبوع.

وزعم الحوثي أن جماعته شنت هجمات باتجاه العمق الإسرائيلي، وباتجاه سفن أميركية حربية في البحر الأحمر والبحر العربي، وأن الهجمات أجبرت حاملة الطائرات «إبراهام لينكولن» على الابتعاد من موقعها في البحر العربي مئات الأميال.

وبخصوص هجمات واشنطن، في الأسبوع الماضي، على مواقع الجماعة، قال الحوثي إن الضربات التي طالت محافظات عدة، لم يكن لها أي تأثير على قدرات جماعته العسكرية.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، في سياق مزاعمها لمناصرة الفلسطينيين في غزة. وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.

واشنطن استخدمت مقاتلات «إف 35» في ضرب مواقع الحوثيين (الجيش الأميركي)

ورداً على التصعيد، فإن الجماعة تلقت نحو 800 غارة غربية بقيادة أميركا، أملاً في الحد من قدرتها على شن الهجمات البحرية. وإلى ذلك استهدفت إسرائيل مرتين مواقع خاضعة للجماعة في محافظة الحديدة من بينها مستودعات الوقود رداً على الهجمات.

وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانئها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.