عكست بيانات متضاربة لوزارتي الخارجية الأميركية والتركية خلافات في التعاطي مع الملف السوري بين أنقرة وواشنطن، ولا سيما فيما يتعلق بالأكراد وتواجدهم في شرق سوريا، والتصور الخاص بإقامة منطقة آمنة هناك.
وعقب اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو في واشنطن على هامش اجتماعات وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي (ناتو) ليل الأربعاء - الخميس، قالت الخارجية الأميركية: إن بومبيو حذر نظيره التركي من «عواقب مدمرة» إذا نفذت تركيا عملية عسكرية أحادية في شمال شرقي سوريا.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية روبرت بلادينو، في بيان: إن «بومبيو أعرب عن دعمه للمفاوضات الجارية بشأن شمال شرقي سوريا، محذراً في الوقت ذاته من (عواقب مدمرة) لأي عمل عسكري تركي أحادي الجانب في المنطقة».
وأشار إلى أن اللقاء بين بومبيو وجاويش أوغلو ركز، بشكل أساسي، على تناول التطورات المتعلقة بمنطقة شمال شرقي سوريا، إلى جانب صفقة منظومة الدفاع الصاروخي «إس - 400» التي تعتزم أنقرة شراءها من روسيا.
وبدورها، كذّبت وزارة الخارجية التركية بيان الخارجية الأميركية بشأن فحوى اللقاء بين الوزيرين. وقال المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أكصوي، في بيان أمس (الخميس): إن بيان الخارجية الأميركية، الذي من الواضح أنه كُتب قبل اللقاء بين بومبيو وجاويش أوغلو، «لا يعكس فحوى المباحثات» وتضمن قضايا لم تطرح خلال اللقاء. وأوضح أن مثل هذه المشاكل حدثت في اللقاءات السابقة، وأن مما تقتضيه علاقات التحالف بين البلدين إعداد مثل هذه البيانات بطريقة أدق، وبالأخص عدم ذكر قضايا لم تُطرح في اللقاء.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر دبلوماسية تركية، أن اللقاء بين الوزيرين بحث العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، والتطورات الأخيرة، وأن الوزيرين أكدا أهمية العلاقات بين البلدين.
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، رداً على سؤال على هامش اجتماعات الناتو بشأن ما إذا كان يعرف سياسة الولايات المتحدة في سوريا: «لا... لا أعرف... وهذه هي المشكلة». وأضاف: «تخرج تصريحات مختلفة بشأن سوريا من كل مؤسسة أميركية، لكل منها موقف مختلف، ولا استراتيجية واضحة... هذه هي المشكلة».
وبالنسبة لعلاقات بلاده مع روسيا، قال جاويش أوغلو، إن بلاده تؤيد سياسة حلف الناتو تجاه روسيا المبنية على الحوار والردع، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن الحوار بين تركيا وروسيا في تزايد، حيث لا بد لتركيا من العمل بالتعاون مع روسيا باعتبارها دولة جارة، كما أن تركيا تعمل مع روسيا في سوريا أيضاً.
وأضاف أن هناك الكثير من المسائل التي تختلف فيها وجهات النظر بين البلدين، مثل عدم اعتراف تركيا بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، بالإضافة للاختلاف حول عدد من المسائل المتعلقة بسوريا.
وتلوح تركيا بين وقت وآخر بتنفيذ عملية عسكرية، جرى الاستعداد لها، تستهدف وحدات حماية الشعب الكردية في منبج ومنطقة شرقي الفرات، وإقامة منطقة آمنة على حدودها الجنوبية مع سوريا، تحول دون وصول هجمات الوحدات الكردية إلى العمق التركي.
وتسيطر الوحدات الكردية، تحت غطاء «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تشكل عمودها الفقري، على منطقة شرق الفرات التي تشكل نحو ثلث مساحة سوريا، ما عدا مربعاً أمنياً في مدينة الحسكة يقع تحت سيطرة جيش النظام السوري، ومثله في مدينة القامشلي.
وعلقت تركيا العملية العسكرية المحتملة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب الأميركي من سوريا، واقترح إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً في شرق الفرات، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأعلنت تركيا أن السيطرة على المنطقة ستكون لها وحدها، بينما قالت واشنطن: إن السيطرة على المنطقة يجب أن تكون لقوات أوروبية من دول التحالف الدولي للحرب على «داعش».
وفشلت جهود أنقرة على مدى الأشهر الماضية في إقناع واشنطن بتسليمها السيطرة على المنطقة الآمنة المقترحة؛ إذ تتمسك الأخيرة بتقديم ضمانات لحماية وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت الحليف الأساسي لأميركا في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا.
والأسبوع الماضي، قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال الحملة الدعائية لحزبه في الانتخابات المحلية، التي أجريت يوم الأحد الماضي: «أول ما سنفعله بعد الانتخابات هو حل المسألة السورية بالمفاوضات، وإن تعذر ذلك فحتماً سنحلُّه ميدانياً». وتوعد بتلقين الوحدات الكردية، «الدرس اللازم في منطقة شرقي الفرات بسوريا، إذا لم يُضبَط الوضع فيها، وذلك على غرار ما فعلت القوات التركية في عفرين.
وأضاف: «فعلنا ذلك عندما قضينا على (الممر الإرهابي) في عفرين... والآن إذا لم تضبط الولايات المتحدة الوضع في شرق الفرات، فإننا سنلقّنهم (الوحدات الكردية) الدرس اللازم، وقد استكملنا جميع استعداداتنا».
وبالتزامن مع هذه التصريحات، افتتح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، السبت الماضي، غرفة متقدمة للعمليات المشتركة على الحدود مع سوريا، لإدارة العملية العسكرية المحتملة ضد مواقع للوحدات الكردية تشمل منبج وشرق الفرات.
وشهدت العلاقة بين تركيا وواشنطن توتراً خلال الأشهر الماضية، بسبب التباطؤ في تنفيذ اتفاق خريطة الطريق في منبج الموقعة بين أنقرة وواشنطن في 4 يونيو (حزيران) الماضي، حيث تقول أنقرة: إن واشنطن لم تنفذ ما تم الاتفاق عليه بشأن سحب الوحدات الكردية من منبج.
وتسعى أنقرة إلى جانب المفاوضات مع الجانب الأميركي، الداعم الرئيسي لأكراد سوريا، إلى ضمان تأييد روسيا، صاحبة السيطرة الميدانية والسياسية في سوريا، لخططها المتعلقة بشرق الفرات.
وبحث وزير الخارجية التركي، التطورات في سوريا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال لقائهما في أنطاليا جنوبي تركيا يوم الجمعة الماضي. وقال: «بعد قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، نرى أن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية أو خطة عمل بالمنطقة، ما عدا التصريحات المتضاربة الصادرة عنها، وما يهمنا هو عدم استغلال التنظيمات الإرهابية الفراغ الذي سيتشكل بعد الانسحاب؛ لأن هذا يشكل أهمية بالنسبة لأمن بلادنا وسوريا معاً».
وتبقى إقامة المنطقة الآمنة رهناً بالتفاهمات مع كل من واشنطن وموسكو، حيث لم تقدم الأولى تصوراً واضحاً لمقترح المنطقة الآمنة، في حين لا تبدي موسكو حماساً للمقترح، الذي طرحت مراراً بديلاً عنه هو إعادة تفعيل «اتفاق أضنة» المبرم بين الحكومتين التركية والسورية في عام 1998.
واشنطن تحذر أنقرة من «عواقب مدمرة» في حال التدخل شرق الفرات
الخارجية التركية أعلنت أنها «لا تفهم السياسة الأميركية» في سوريا
واشنطن تحذر أنقرة من «عواقب مدمرة» في حال التدخل شرق الفرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة