موجة أفلام المرأة بين الارتفاع بها والهبوط

تتميز بمواضيع كثيرة ومستويات متباينة

مشهد من «على كف عفريت»
مشهد من «على كف عفريت»
TT

موجة أفلام المرأة بين الارتفاع بها والهبوط

مشهد من «على كف عفريت»
مشهد من «على كف عفريت»

من السهل النظر إلى قضايا المرأة وتقديمها على الشاشة، على أساس أن للمرأة حقوقاً مهضومة. هي بالفعل لديها حقوق جرفتها التقاليد، وأتت عليها المفاهيم. وأخفقت قوانين المجتمع والسلطات في معاملة المرأة ككيان شريك متكامل وحيوي في الحياة الاجتماعية.
لكن هناك حقوقاً مهضومة في شتّـى جوانب الحياة الأخرى. الأطفال لديهم حقوق مهضومة، الرجال لديهم حقوق مهضومة، الشجر الذي يموت واقفاً أو يتم قطعه لبناء عمارة سكنية، له حقوق مهضومة، كذلك الماء التي يهدر له حقوق مهضومة. بالتالي المسألة ليست حقوق امرأة؛ بل حقوق حياة.
هذا لا ينفي أن على السينما، وكافة الإبداعات التعبيرية الأخرى، تمنح موضوع المرأة نصيباً أكبر من الحاجة أو أعلى تقديراً مما يجب. على العكس، ومن يتابع أفلامنا العربية يدرك أن هناك عدداً كبيراً من الأفلام يسد النقص السابق في إثارة قضايا نسائية عادلة ومحقة.
المشكلة كانت دائماً في الكيفية. لا توجد رسالة يمكن أن تصل إلى من تتوجه إليهم إلا إذا كانت محصنة بمعالجة فنية؛ لأن هذا من شروط صنع الفيلم. في الوقت ذاته، على تلك الرسالة أن تستوفي شروطاً بالغة الأهمية، من بينها الحقيقة.

على بعد عقود
في السنوات الثلاث الأخيرة، شاهدنا مزيداً من الأفلام العربية التي تتحدث عن المرأة، في مطلق الظروف التي تمر بها. في معظمها تسرد حالات محقة، سواء أكانت مستوحاة من أحداث حقيقية أو من كتابات خيالية. كان هناك مثلاً «عمرة والعرس الثاني» لمحمود صباغ، و«على كف عفريت» لكوثر بن هنية (تونس)، و«غدوة خير» (تونس) للطفي عاشور، و«نور» لخليل زعرور (لبنان)، و«قماشتي المفضلة» لغايا جيجي (موضوع سوري بإنتاج ألماني - فرنسي)، و«ميادين الحرية» لنزيهة عربي (ليبيا)، و«فوضى» لسارة فتّاحي (النمسا)، و«صوفيا» (فرنسا، وبلجيكا)، و«زهرة الصبار» لهالة القوصي، و«زهرة حلب» لرضا الباهي... والتعداد يطول.
بطبيعة الحال تتنوع المواضيع ومصادرها وأساليب مخرجيها، كما تختلف «الفورمات» التي استخدمها المخرجون للتعبير عما يريدون إيصاله. هناك الروائي وهناك التسجيلي. هناك الفيلم الطويل والفيلم القصير؛ لكن الثابت هو التباين في النجاح من فيلم لآخر.
«أمل»، على سبيل المثال، فيلم لبناني التمويل، مصري الموضوع والإخراج (لمحمد صيام) نال جوائز عدة، بينها جائزة أفضل فيلم تسجيلي من مهرجان قرطاج. أفضل ما في «أمل» إحاطته بتاريخ شخصيته الرئيسية (أمل الجمل) قبل وخلال وبعد ثورة 2011. أسوأ ما فيه هو أن نسيجه كمادة تسجيلية ووثائقية مركّـب على نحو بات تقليدياً بين كثير من الأفلام غير الدرامية، وهو الطلب من الشخصية الرئيسية أن تعلّق بصوتها أو أن تتبادل الحديث مع شخصية أخرى، وذلك بهدف الكشف عن مزيد من الأفكار المطروحة.
الفيلم يبدأ ببطلته وهي تشارك في المظاهرات ضد حسني مبارك، وتتعرض للتعنيف من قِبل رجال البوليس، وينتهي بها وهي تقرر أن تنضم للشرطة. كما ينتقل بها الفيلم من متحررة إلى محجبة، وينتهي بها بين الحالتين، ما يكاد يطيح بقيمة الموضوع.
في الدائرة الاجتماعية الواسعة التي تنتمي إليها معظم الأفلام العربية التي تتحدث عن المرأة، نجد «بلا موطن» لنرجس النجار (المغرب) التي توفر موضوعاً يُثير الاهتمام، ناتجاً عن قيام السلطات الجزائرية بترحيل المغربيات المتزوّجات من جزائريين من الجزائر. بذلك فرضت تشتت نحو 40 ألف عائلة، حسب الفيلم، كانت عاشت في الجزائر وأنجبت هناك، ثم وجدت نفسها تواجه مصائر مختلفة، وكلها غير إنسانية؛ لكن إذ توظّـف هذه الخلفية لتقديم حكاية تقع على بعد عقود من ذلك القرار، تنتقل من المأساة العامة إلى الخاصة، متحدثة عن هانيا (غالية بن زاوية) التي فقدت والديها صغيرة. والدتها غابت عنها ووالدها بقي في الجزائر، وهي ترعرعت في بيت امرأة طيبة. من هنا وصاعداً هو ترتيب تراكمات من المصاعب والمآزق التي يتابعها المرء بنصف رغبة.
وفي ذلك الريف البعيد، تقع أحداث «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ. المخرجة الجزائرية تحسن سرد دراما عاطفية، حول امرأة تصل إلى قرية سيدي بوقبور مدفوعة برغبة تأمين مدفن لها بالقرب من قبر شقيقتها. لديها فرصة لأن تقع في الحب؛ لكنها تمتنع من دون مبرر، فتبقى في موضعها الجديد معلقة بين ذكريات الأمس وواقع الحاضر.
الفيلم المصري «زهرة الصبار» لهالة القوصي، ينتقل إلى المدينة (غالب الوقت) ثم ينسل إلى الريف. من العين التي ترقب سكنات الإنسان وتستمع إلى لهاث حياته، إلى التصالح مع الأرض والقبول برحابة الريف وحريته.

مخرجات سعوديات
في دورته الخامسة، كشف مهرجان «أفلام من السعودية» عن عدد كبير من الأفلام التي طرحت موضوع المرأة. طبعاً قبلها احتل فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور مكانه في هذا الخصوص، كما فعل فيلم محمود الصباغ الثاني «عمرة والعرس الثاني»؛ لكن هناك نشاطاً مكثفاً لأفلام تسلط الضوء إيجابياً على المرأة السعودية، وما هو منتظر منها في عهد منفتح جديد. من هذه الأفلام «صوت» لرهف إبراهيم، و«قضية هند» لدينا ناجي، و«أغنية البجعة» لهناء العمير، من بين أخرى.
هذه النماذج الثلاثة، وهناك أخرى، هي لمخرجات، وهي نتيجة أخرى موازية للطروحات النسائية التي نجدها في الأفلام السعودية الجديدة.
بعض الأفلام التي تدور حول المرأة وواقعها، لا يخلو من المغالطات. ففي مقابل «على كف عفريت» لكوثر بن هنية، الذي يتناول واقعة اغتصاب حقيقية لفتاة تبحث عن رجلي الشرطة اللذين قاما بهذه الجريمة، نجد «صوفيا» للمخرجة المغربية مريم بن مبارك، يستلهم من حادثة واقعية أخرى موضوعه. على عكس الفيلم التونسي، يخفق في إيصالها إلى حيث يجب أن تصل.
ففي «صوفيا» رسالة مغالطة تشي بأنه في وجود قيود على المرأة التي تحبل دون زواج، فإن بطلة الفيلم (صوفيا)، دافعت عن هذا الحق بذكاء، وخرقت القيود، وساهمت في تغيير قوانين مرعية، كما يدّعي الفيلم. لا يهم إذا ما كانت وسائلها في ذلك تعتمد على الكذب وإيذاء أبرياء. ابتسامتها في نهاية الفيلم هي ابتسامة شريرة، قُصد بها أن تكون ابتسامة انتصار.
ويرمي المخرج الجديد خليل زعرور في «نور» لدراما عاطفية، تقع في بيئة مسيحية، وتتمحور حول فتاة اسمها نور (عايدة صبرا) التي ترغَم على الزواج ممن لا تحب. طبعاً الموضوع على هذا الشكل مطروق مئات المرات؛ لكن الشيء الوحيد الجديد هنا هو أن الأحداث تقع في كنف قرية مسيحية، بينما اعتدنا في أفلام عربية شتى، مشاهدة أعمال ذات حكايات مشابهة تقع في بيئات مسلمة، في أفلام مغربية أو جزائرية أو تونسية أو مصرية. ولا يفوت المخرج التعرض للتركيبة الاقتصادية والطبقية أيضاً.
السينما المصرية ما زالت توفر الجزء الأكبر من الأفلام التي تتعرض لمواضيع وشؤون المرأة، كما نرى في «بلاش تبوسني» لأحمد عامر، و«الظرافة» لأحمد مجدي، و«ورود مسمومة» لأحمد فوزي صالح، و«أخضر يابس» لمحمد حماد.
في نتاجها الكلي هي أفلام اجتماعية مطلوبة، وبطبيعة الحال تتفاوت في المستوى، وتلتقي في الحديث عن المرأة التي هي نصف المجتمع والأكثر تحملاً لأعبائه.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.