حيرة بين الاحتفال بـ«رحيل» بوتفليقة والاحتفاء بـ«إنجازات» عهده

TT

حيرة بين الاحتفال بـ«رحيل» بوتفليقة والاحتفاء بـ«إنجازات» عهده

شهدت العاصمة الجزائرية حتى وقت متقدم ليلة الثلاثاء - الأربعاء احتفالات بتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مستجيباً بذلك لمطالب حراك شعبي «مليوني» استمر أسابيع، وانضمت إليه أخيراً قيادة أركان الجيش. وشاركت في الاحتفالات حشود من المواطنين الذين اتشح جلهم بأعلام جزائرية، مرددين شعارات وأناشيد وطنية، فيما رفع بعضهم لافتات تشيد بموقف الجيش الشعبي الوطني، الذي جاءت استقالة بوتفليقة بعد وقت قصير فقط من إنذار وجهه قائده الفريق أحمد قايد صالح إلى ما سماها «العصابة» المحيطة بالرئيس، في إشارة فسرها سياسيون ووسائل إعلام محلية بأنها تعني مجموعة من مستشاريه، وعلى رأسهم شقيقه السعيد.
وبدت الحشود عفوية في احتفالاتها ونزولها إلى الشارع، وعبّر المشاركون فيها عن سعادتهم برحيل رئيس لم يشاهدوه منذ سنوات، سوى من خلال بيانات تصدرها الرئاسة باسمه، ما أطلق لفترة طويلة موجة تكهنات بأنه ليس على دراية بالقرارات التي يُفترض أنها صادرة عنه. لكن التلفزيون الجزائري عرض مساء الثلاثاء مشاهد مصورة للقاء جمع بوتفليقة بالطيب بلعيز، رئيس المجلس الدستوري الذي تسلّم منه رسالة استقالته، بحضور رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، المفترض أن يتولى بموجب الدستور رئاسة البلاد لفترة انتقالية، تدوم 90 يوماً، يؤمل في نهايتها أن تُنظم انتخابات رئاسية جديدة.
سائق التاكسي إبراهيم لم يشارك في احتفالات التنحي. لكنه عبّر عن سعادته برحيل الرئيس واستجابته لمطالب الشارع والجيش، غير أنه بدا أيضاً حزيناً لمشاهدة رئيس بلاده ينتهي بالطريقة التي انتهى إليها. قال وهو يشير إلى مشاريع بنية تحتية شُيّدت خلال عهد بوتفليقة (1999 – 2019): «هذه الإنجازات كلها حصلت في عهده. كان يُفترض أن يذكره الناس بأنه الرئيس، الذي عاد في عهده السلم والأمان إلى البلد بعد عشرية سوداء، وأن يذكروه أيضاً بأنه قام بكل هذه الإنجازات العمرانية التي تشهدها الجزائر في مجال البنى التحتية».
كان إبراهيم يشير بذلك إلى قانون الوئام المدني، الذي صدر في بدايات عهد بوتفليقة، وتضمن عفواً عن آلاف المسلحين الذين وافقوا على النزول من الجبال، وتسليم أنفسهم إلى أجهزة الأمن، وأيضاً إلى مشاريع بمليارات الدولارات في مجال البنية التحتية للبلد. والحقيقة أن زائر الجزائر لا بد أن يلحظ ثورة عمرانية تشهدها البلاد منذ سنوات، بما في ذلك شق طرقات سريعة، تربط بين المناطق الجزائرية، وتوسيع نطاق تغطية المترو الذي يربط العاصمة بضواحيها، وتشييد المطار الجديد (يفتتح قريباً). إضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكثيرة، يبرز في العاصمة الجزائرية معلم جديد، يتم إنجازه حالياً على طريق المطار، ويتمثل في تشييد أحد أكبر المساجد في العالم، وقد صُمم ليستوعب ما يصل إلى 120 ألف مصل، وبمئذنة ترتفع 265 مترا، وهو يمتد على مساحة تصل إلى 40 هكتاراً. وكان يُفترض أن يتوّج بوتفليقة عهده بافتتاح هذا المعلم الجديد في العاصمة الجزائرية.
وتأثرت مشاريع البنية التحتية في السنوات الأخيرة بالانخفاض الكبير في أسعار المحروقات، المدخول الأساسي للبلاد بالعملة الصعبة، ما أدى إلى تقليص بعض المشاريع بهدف خفض النفقات على الخزينة العامة.
سعاد، وهي ربة منزل كانت تتبضع في سوق بضاحية الأبيار في العاصمة، بدت قلقة حول المستقبل في مرحلة «ما بعد بوتفليقة»، مشيرة إلى أن المرحلة الانتقالية ما زالت غير واضحة المعالم، لا سيما في ضوء الغموض المحيط بموقف الشارع، وهل سيستمر في احتجاجاته الأسبوعية، رغم تلبية رئيس الجمهورية لمطلب التنحي. قالت: «لا نعرف ماذا سيحصل الآن. الوضع غامض. أخشى أن الجزائريين لا يمكن أن يفرحوا طويلاً، خصوصاً إذا ما بدأت الأسعار في الارتفاع، واضطرت الدولة إلى خفض الدعم الذي اعتاد الجزائريون عليه».
محمد، وهو موظف في شركة مقاولات، ضم صوته إليها، قائلاً إن الجزائر لا يجب أن تنسى ما تحقق في عهد بوتفليقة، رغم الأخطاء التي حصلت في أواخر ولايته الرابعة. لكنه حذّر من أن البلاد تواجه حالياً مشكلة تتمثّل في أن الإجراءات التي اتخذت ضد مجموعة من رجال الأعمال النافذين «يمكن أن تتسبب في إخافة رؤوس الأموال، وتدفع بها إلى الهرب إلى الخارج»، مشدداً على ضرورة أن تظهر الملاحقات بوصفها تستهدف الفاسدين حقاً وضمن الإطار القانوني، وليست استهدافاً لـ«رجالات العهد السابق».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.