قبل أيام قليلة أصبح رئيس الدولة عبد العزيز بوتفليقة، الذي يمسك بمقاليد الحكم منذ 1999، ويستند إلى دائرة واسعة من الأوفياء، شيئاً فشيئاً معزولاً؛ خصوصاً بعد تعرضه لجلطة في الدماغ في 2013. ومنذ أسبوع بدأ مقربون منه، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش المخلص له الفريق أحمد قايد صالح، يطالبونه بمغادرة السلطة. لكن رغم ذلك فمن الصعب معرفة من لا يزال مخلصاً له في نظام يتسم بعدم الشفافية. ويبقى السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الأصغر منه بـ21 سنة ومستشاره، الشخصية الرئيسية الأكثر تأثيراً حوله، حسب تقرير بثته وكالة الصحافة الفرنسية أمس، لذلك كان شعار «لا بوتفليقة... لا السعيد» من أبرز الشعارات التي ردّدها المحتجون، بعدما سرت شائعات حول إمكانية أن يخلف السعيد شقيقه في الرئاسة. وقد أصبح تأثير هذا الرجل الذي يبقى بعيداً عن الأضواء، والمقل في الحديث في وسائل الإعلام، أقوى مع تدهور صحة شقيقه. لكن استقالة عبد العزيز بوتفليقة ستجرده من الكثير من سلطاته.
بعد انتخابه رئيساً للدولة في عام 1999، عمل بوتفليقة تدريجياً على التحرّر من وصاية المؤسسة العسكرية التي أوصلته. وفي عام 2004، اختار اللواء أحمد قايد صالح رئيساً لأركان الجيش، ثم رقاه إلى رتبة فريق، ولا يزال في منصبه بعد 15 سنة، وهو رقم قياسي في هذا المنصب.
وخدم رئيس الأركان رئيس الدولة بأمانة، من خلال إخضاع الجيش للسلطة المدنية، وليس العكس، كما كان الوضع سابقاً، ومساعدته في تفكيك جهاز الاستخبارات القوي، المتمثل في دائرة الاستعلام والأمن. وبالتدريج أصبح الجنرال قايد صالح أحد أقوى الفاعلين في النظام بعد مرض الرئيس، لكنه دخل في صراع مع السعيد بوتفليقة في السنوات الأخيرة.
وبعد تحذيرات شديدة اللهجة للمتظاهرين، خفف الجنرال قايد صالح تدريجياً من خطابه وصولاً إلى التخلي عن رئيس الدولة. وفي 26 مارس (آذار) الماضي، صدر عنه الإعلان «المفاجأة»، الذي دعا إلى إعلان عجز الرئيس عن ممارسة مهامه بسبب مرضه، ثم طالب قبل ساعات من إبلاغ بوتفليقة المجلس الدستوري باستقالته، بـ«تطبيق فوري للحل الدستوري» الذي يؤدي إلى عزله.
أما الأحزاب السياسية، وخصوصاً المعارضة منها، فقد تعرضت إلى تهميش كبير من جانب المحتجين، الذين نزلوا إلى الشارع بشكل عفوي، وتداعوا إلى التظاهر على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد طالت المطالب رحيل الحزبين الرئيسيين في التحالف الرئاسي، حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الوحيد سابقاً والحاكم منذ استقلال البلاد في 1962، والتجمع الوطني الديمقراطي.
ومع تزايد حدة المظاهرات، تخلى «التجمع الديمقراطي» وجزء من «جبهة التحرير» عن الرئيس، ما اعتبره المتظاهرون ركوباً للموجة، معتبرين أنه لا يمكن لأي من الحزبين المشاركة في «التغيير». وكان رئيس الوزراء وزعيم «التجمع الوطني الديمقراطي» أحمد أويحيى، الذي لا يحظى بشعبية بين الجزائريين أول من دفع الثمن، إذ أقيل من منصبه الذي شغله لثلاث مرات في عهد بوتفليقة، على أمل تهدئة الشارع. لكن ذلك لم يُجد. كما تعرّض خليفته نور الدين بدوي لانتقادات شديدة بالنظر إلى منصبه السابق وزيراً للداخلية.
بدورها، لم تسلم أحزاب المعارضة من الانتقاد هي أيضاً، إذ اتهمت بإضفاء شرعية على النظام من خلال المشاركة في لعبة الانتخابات والمؤسسات لـ20 سنة. وقد شارك جزء من المعارضة فعلاً في الحكم، مثل علي بن فليس، المنافس البارز لبوتفليقة بعد أن كان رئيس حكومته، وإسلاميون معتدلون في حركة مجتمع السلم، التي يرأسها عبد الرزاق مقري، والتي كانت لوقت طويل عضواً في التحالف الرئاسي.
ويبدو أن المعارضة المنقسمة غير قادرة على تبني مطالب الشارع وترجمتها سياسياً.
وستنجم عن الاستقالة إجراءات دستورية لاستمرار مؤسسات الدولة، لن يكون للمحتجين فيها أي وزن، لعدم وجود ممثلين لهم. وقد برزت بعض الوجوه خلال الأسابيع المتتالية من الاحتجاج، مثل المحامي الحقوقي مصطفى بوشاشي أو القيادي السابق في جبهة القوى الاشتراكية كريم طابو، لكن لا أحد منهما يريد أن يكون الناطق باسم المتظاهرين.
أبرز اللاعبين في الأزمة التي أطاحت ببوتفليقة
تابع الجزائر
أبرز اللاعبين في الأزمة التي أطاحت ببوتفليقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة