«العالم أفقياً» يتجاوز «الفهم الصفري» في قراءة القرن الأميركي ـ الصيني

السؤال البارز الذي يشغل المساحة الأكبر من كتاب «العالم أفقيا: أميركا والصين والسعودية»، هو كيف يمكن للمملكة العربية السعودية - والاختيار هنا مقصود؛ كونها أكبر قوة إقليمية استراتيجية ومالية ونفطية وثقافية - أن تؤثر في التوازنات الدولية التي تتشكل الآن، وأن توازن مصالحها بالقدر نفسه مع الولايات المتحدة والصين اللتين باتتا محور السياسة العالمية في القرن الحادي والعشرين، رغم التوتر وحالة الصراع بينهما.
يجيب المؤلفان الدكتور عثمان الصيني والدكتور عصام عبد الله عن سبب اختيار هذا الموضوع في الكتاب، بأن «مستقبل العلاقة بين أميركا والصين مختلط، ومزيج معقد من التعاون والصراع، وقدر منطقتنا أن تكون في القلب من هذا التعاون والصراع، وقدر السعودية أن تكون في قلب هذه المنطقة».
أما لماذا يؤلفان معاً هذا الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار «مدارك»؟ ولماذا شغلت العولمة القسط الأكبر منه؟ فيقولان: «كلانا ينتمي إلى المنطقة العربية فكرياً وثقافياً، ويمثل في الوقت نفسه نموذجاً للعولمة من الناحية العملية»، الدكتور عثمان الصيني سعودي مسلم، والدكتور عصام عبد الله مصري - أميركي مسيحي. «أما من الناحية الموضوعية، فقد عشنا أحلام العولمة ونهاية التاريخ والقرية الكونية الصغيرة، واستيقظنا صباح ذات يوم لنفاجأ بالعكس، وأن العالم ليس مستوياً، وإنما يتألف من مجموعة هائلة من المطبات والهضاب والصخور والجبال والسهول الوعرة، أو بالأحرى تضاريس سياسية وبشرية شديدة الصعوبة كثيرة العقبات، تتجلى في تنوع الثقافات والهويات ومستوى العقلانية والأطماع، وتباين الآمال والتطلعات والإحباطات، وبروز أنواع غير مسبوقة من الصراعات».
ينشغل المؤلفان بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة، أبرزها «ماذا سنكون عام 2030؟» و«ما المشكلات والتحديات المتوقعة في العقد المقبل وما بعده؟»، و«ما هي أهم ساحات الصراع ومداراته في القرن الحادي والعشرين؟»، و«ما الآفاق والفرص المتوقعة في عالم تغير؟»، والأهم: «كيف نتجنب أكبر كمين استراتيجي - تاريخي يعصف بالشرق الأوسط لسنوات مقبلة؟ وما هو موقع السعودية ودورها في خضم هذه التحولات والعواصف؟».
يلفت الكتاب إلى أن «معظم دول المنطقة أصبحت مهددة بالتفكك من أسفل بالعودة إلى حدودها ما قبل الوطنية، ومن أعلى بالذوبان عبر الاستسلام لإرادة الشركات والمنظمات العابرة للقوميات، وبين مطرقة الولايات المتحدة وسندان الصين، شئنا أم أبينا».
ويوضح، أن «المشكلة التي تواجه الباحثين وسط تلاطم أمواج العلاقات الدولية هي أن صراعات العولمة في القرن الحادي والعشرين بين قوى كبرى، رغم اختلافها، تشبه الشركات المتنافسة العابرة للحدود، هي تقريباً الشيء نفسه، والفروق بينها شكلية وليست في العمق. لذا؛ سعينا قدر الإمكان إلى تجنب الوقوع في خطأ التفكير بمنطق الحرب الباردة ما قبل العولمة، ونحن نتناول أشد مشكلات العولمة تعقيداً، أي التعاطف مع طرف ضد طرف آخر، مثلما كان الحال مع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق. ناهيك عن أن أغلب المؤلفات التي تتعرض للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين في السنوات الأخيرة لا تسعف كثيراً، ربما لأنها ما زالت تروج لمنطق ما قبل التسعينات من القرن العشرين، وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق عام 1989، وهو منطق يحكمه الفهم الصفري لحالة العالم».
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الصراعات في القرن الحادي والعشرين أصبح ينطبق عليها المثل العربي الدارج: «خلاخل والبلا من داخل»، أي أنها لم تعد خارجنا وإنما في أعماقنا، فما يجمعنا ويربط بيننا في عصر العولمة هو نفسه ما يفرقنا ويدفعنا إلى التصارع، أو بالأحرى فقد دخلنا فيما بات يعرف بـ«حروب الاتصال»، أو ما يسمى أحياناً بحروب المحيطات والإنترنت والبنية المترابطة للاقتصاد العالمي وأدوات النقل الثقافي والطرق والمواصلات، إنه عصر يعيش في داخلنا بمعضلاته وتداعياته أكثر مما نعيش نحن فيه؛ «لذا لا يمكن الفرار منه، كما كانت الحال في مرحلة الحداثة والحرب الباردة، بالتوجه والاصطفاف إلى جانب طرف دون طرف آخر جغرافياً واقتصادياً وتكنولوجياً أو تغيير مواقفنا ومواقعنا بسهولة من هنا إلى هناك أو العكس».
باختصار، يؤكد المؤلفان، أنه «لا يمكن لأي باحث ومثقف حقيقي في عصر العولمة أن يتهرب من مسؤوليته الفكرية والأخلاقية في هذا المنعطف التاريخي، وتلك المسؤولية وحدها هي الدافع الأكبر لتأليف هذا الكتاب المشترك».