الديمقراطيون يصوتون للحصول على التقرير الكامل لمولر

ترمب يهدد بإغلاق الحدود مع المكسيك وتحذيرات من عواقب اقتصادية

ترمب يمازح أليس جونسون السجينة السابقة خلال قمة إصلاح السجون في البيت الأبيض (رويترز)
ترمب يمازح أليس جونسون السجينة السابقة خلال قمة إصلاح السجون في البيت الأبيض (رويترز)
TT

الديمقراطيون يصوتون للحصول على التقرير الكامل لمولر

ترمب يمازح أليس جونسون السجينة السابقة خلال قمة إصلاح السجون في البيت الأبيض (رويترز)
ترمب يمازح أليس جونسون السجينة السابقة خلال قمة إصلاح السجون في البيت الأبيض (رويترز)

هاجم الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدات متتالية صباح أمس (الثلاثاء)، سعى الديمقراطيين في الكونغرس للحصول على التقرير الكامل للمحقق روبرت مولر، حول الاتهامات بتعاون حملة ترمب الانتخابية مع الروس خلال عام 2016. وكان النائب الديمقراطي جيرولد نادلر، رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، قد دعا إلى عقد جلسة صباح اليوم (الأربعاء)، للتصويت على طلب استدعاء يمكن الديمقراطيين من إجبار وزارة العدل على تسليم نسخة كاملة من التقرير.
وقال ترمب، عبر حسابه على «تويتر»: «لا يوجد أي قدر من الشهادات أو الوثائق التي يمكن أن ترضي جيرولد نادلر، وأن ترضي آدم شيف (رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب)؛ لقد حان الوقت للتركيز بشكل خاص على إدارة بلدنا العظيم». وانتقد ترمب الديمقراطيين، مشيراً إلى أنهم تعاملوا مع روبرت مولر على أنه «المنقذ»، حيث قال: «تعامل الديمقراطيون مع روبرت مولر باعتباره المنقذ، حتى صدر قراره بأنه لا يوجد تواطؤ، في تقريره الذي تكلف 30 مليون دولار، والآن لا يريد الديمقراطيون الإقرار باسمه ونتيجة التحقيق، ويريدون إعادة العملية بأكملها من جديد؛ هذا لن يحدث».
وسرد ترمب أن النائب جيرولد نادلر عارض عام 1998 الإعلان عن تقرير ستار حول بيل كلينتون، وأطلق النائب الديمقراطي آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، تغريدة موجهة للرئيس ترمب، قال فيها: «لقد صوت مجلس النواب، بأغلبية 420 صوتاً مقابل اعتراض صفر، لإصدار تقرير مولر بالكامل للجمهور، والشعب الأميركي يدعم هذا بأغلبية ساحقة... ما الذي تخشاه سيدي الرئيس؟».
وفي تصريحات للصحافيين، مساء الاثنين، قال نادلر إن الديمقراطيين ليسوا راضين عما أصدره وزير العدل ويليام بار يوم الجمعة الماضي، حول نتائج تقرير مولر الذي برأ ساحة الرئيس ترمب وأفراد حملته من تهمة التواطؤ مع الروس. وكان وزير العدل قد أعلن أنه سيعطي لأعضاء الكونغرس نسخة مصغرة من التقرير الأساسي، تحوي 400 صفحة، بحلول منتصف أبريل (نيسان) الحالي. وقدم للديمقراطيين أواخر الشهر الماضي تقريراً من 4 صفحات، أشار فيه إلى أن تحقيقات المحقق الخاص روبرت مولر لم تجد أدلة على أن حملة ترمب الانتخابية تآمرت مع روسيا خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وقال رئيس اللجنة القضائية بمجلس النواب، جيرولد نادلر، للصحافيين إن الكونغرس سيطالب وزير العدل بتقديم التقرير الكامل، وليس نسخة منقحة منه، وسيطالب أيضاً بالأدلة كافة التي استند إليها التقرير، وتابع: «يجب على وزير العدل النظر في تقديم التقرير بالكامل، والأدلة الأساسية، حتى نتمكن من العمل معاً لضمان أقصى قدر من الشفافية في هذا التقرير المهم لكل من الكونغرس والشعب الأميركي».
ومن المتوقع أن تصوت اللجنة القضائية، التي يسيطر الديمقراطيين بأغلبية كبيرة على مقاعدها، على هذا القرار، فهم لا يحتاجون إلى دعم جمهوري لتمرير قرار استدعاء التقرير بالكامل. وفي حالة الموافقة، سيكون في يد رئيس اللجنة (نادلر) تحديد الوقت الذي يجب فيه تقديم التقرير بالكامل، مما يزيد من الضغوط على وزير العدل لتلبية مطالب الديمقراطيين.
ومن جانب آخر، أثار تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإغلاق الحدود الجنوبية مخاوف اقتصادية وخيمة داخل الولايات المتحدة، وانتفاضة من الخبراء والاقتصاديين الذين حذروا من أثر تنفيذ إدارة ترمب لهذا التهديد على التدفق للبضائع والخدمات، وتأثيراته على الطلبة والأسر والعمال.
وحذر الاقتصاديون من أن اتخاذ ترمب لهذه الخطوة من شأنه أن يمنع الشحنات الآتية إلى الولايات المتحدة، المحملة بالفواكه والخضراوات والأجهزة الطبية والإلكترونية وغيرها من المنتجات، مشيرين إلى 150 ألف شاحنة تعبر الحدود الجنوبية يومياً، وتحمل ما مقداره 1.6 مليار دولار من البضائع. وقال الخبراء إنه إذا توقفت التجارة، فإن المنتجين الأميركيين سيعانون من خلل في سلسلة الإمدادات، وستشهد الأسر الأميركية ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والسيارات، وسيفقد المصدرون الأميركيون جانباً كبيراً من الأرباح من الأسواق الجنوبية التي تعد ثالث أكبر أسواقهم.
وحذر التجار في المدن الممتدة من سان دييفو إلى تكساس من الفوضى التي يمكن أن تحدث إذا تم إغلاق الحدود. وأكدت الغرفة التجارية الأميركية في ولاية كاليفورنيا الأضرار الاقتصادية الشديدة لمثل هذه الخطوة، حيث إن 60 في المائة من المنتجات المكسيكية من الخضراوات والفاكهة يأتي للولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟