برلماني بريطاني: الأوروبيون يفاوضوننا بسوء نية للحؤول دون انسحاب دول أخرى

كازينسكي قال لـ «الشرق الأوسط» إن تحقيق «بريكست» مرهون بالمصادقة على خطة ماي

كازينسكي
كازينسكي
TT

برلماني بريطاني: الأوروبيون يفاوضوننا بسوء نية للحؤول دون انسحاب دول أخرى

كازينسكي
كازينسكي

«تعزيز السيادة البريطانية، قوة الاقتصاد، وحرية إبرام اتفاقات تجارية»، هي بعض القضايا التي أقنعت ملايين الناخبين البريطانيين ومئات النواب بدعم انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي. لكن نائباً محافظاً رأى في إنهاء عضوية بلاده في مؤسسات بروكسل ميزة إضافية، وهي استعادة القدرة على اتباع سياسة خارجية مستقلة قد تكون أحياناً متضاربة مع قرارات الجار الأوروبي.
كان صحن الإفطار لا يزال على مكتب البرلماني دانييل كازينسكي، عندما استقبل «الشرق الأوسط» في مكتبه صباح أمس. لم يستطع هذا النائب الذي يمثّل دائرته شروزبري وأتشام في مجلس العموم منذ انتخابه عام 2005، إخفاء آثار الإرهاق وراء ابتسامته وبدلته الكحلية الأنيقة، بعد سهرة تصويت أخرى استمرت حتى وقت متأخر مساء أول من أمس.
ورغم الفوضى المحيطة بـ«بريكست» والانقسامات الحادة التي يعاني منها مجلس العموم وحزب المحافظين نفسه، فإن كازينسكي الذي دعم خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 ما زال يدعم إعادة طرح اتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماي للتصويت للمرة الرابعة، بعد أن رفضه النواب 3 مرات. ورأى كازينسكي في تغيير بعض زملائه المحافظين المتشددين لـ«بريكست قاس» مواقفهم لصالح دعم اتفاق ماي، خطوة مشجعة، داعياً الآخرين الذين لا يزالون يشكون في قدرة هذه الخطة على تحقيق تطلعات الناخبين إلى «إبداء الثقة في رئيس الحكومة المقبل» الذي سيقود المفاوضات التجارية مع بروكسل. وقد وافقت تيريزا ماي قبل أيام على تقديم استقالتها من رئاسة الوزراء، شريطة المصادقة على اتفاقها.
ويبدو أن البرلمان البريطاني يواجه اليوم طريقاً مسدوداً، مع رفض النواب مرتين جميع الخطط البديلة لخطة ماي. وقد أكد كازينسكي أنه صوت ضد جميع المقترحات البديلة التي طُرحت مساء أول من أمس، بما يشمل اقتراح زميله المحافظ كينيث كلارك بإنشاء اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي بعد الخروج. واعتبر كازينسكي أن هذا المقترح لا ينفذ وعود «بريكست»، ويحدّ من قدرة بلاده على إبرام اتفاقات تجارة حرة مع جهات ثالثة.
وانتقد النائب المحافظ زملاءه في مجلس العموم الذين «يرفضون الامتثال لنتيجة استفتاء 2016، ويؤيدون في المقابل البقاء داخل الاتحاد الأوروبي». وقال كازينسكي إن قادة الاتحاد الأوروبي يسعون اليوم إلى الحد من سيادة الدول الأعضاء، عبر اعتماد «راية واحدة، وعملة واحدة، وجيش أوروبي ينافس الحلف الأطلسي (الناتو) ويحدّ من فعاليته، فضلاً عن سياسة خارجية موحدة تقررها بروكسل»، معتبراً أن هذا النموذج لا يناسب المملكة المتحدة. كما انتقد كازينسكي افتقار النواب في البرلمان الأوروبي للمساءلة أمام المواطنين في المناطق الذين يمثلونها، مشيراً إلى التداعيات الخطيرة لذلك على الديمقراطية.
وأبدى كازينسكي ثقته في قدرة الشركات البريطانية على التأقلم مع القواعد الجديدة للتجارة بعد «بريكست»، حتى إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، عكس «السيناريوهات الاقتصادية الكارثية التي يروج لها الداعمون للبقاء في الاتحاد الأوروبي». ورغم جهوده ودعواته لدعم اتفاق ماي، بدت خيبة الأمل واضحة على كازينسكي، وهو يتوقّع أن تتجه البلاد نحو تنظيم استفتاء جديد، في حال لم يصادق النواب على اتفاق رئيسة الوزراء.
من جهة أخرى، حمل النائب البريطاني بشدة على أسلوب التفاوض الأوروبي، معتبرا أن «بروكسل تتفاوض معنا بسوء نية، فيما يعاملنا مفاوضوها كأطفال مدارس»، مذكراً بتصريح نسبته الصحافة الفرنسية لكبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، مفاده أنه يسعى لإعطاء لندن أسوأ اتفاق ممكن، «حتى تعود مرة أخرى لطلب العضوية الأوروبية». وقال كازينسكي إنه من صالح الاتحاد الأوروبي تعقيد خروج بريطانيا وعرقلة حصولها على اتفاق جيد، للحؤول دون تفكير دول أوروبية أخرى في الانسحاب. لكنه توقع أن تقدم بلاده خلال 10 سنوات من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي نموذجا واضحا لفرص الازدهار خارج التكتل.
وأعطى كازينسكي مثالاً بنموذج مجلس التعاون الخليجي، وقال: «أعتقد أننا نستطيع الاستفادة منه بشكل كبير، فالدول الأعضاء تحافظ على عملاتها الوطنية، وتشارك في جهود الدفاع المشتركة بشكل أكبر من ذي قبل، والوضع في اليمن مثال أساسي على ذلك». وأضاف أن الدول الأعضاء تستخدم مواردها وتتعاون فيما بينها، مع الحفاظ وحماية سيادتها في الوقت ذاته.
وإلى جانب قضايا السيادة والاقتصاد، توقف كازينسكي عند أهمية استعادة بريطانيا القدرة على سن سياسة خارجية مستقلة، واستدل في ذلك بموقف بلاده من سلوك إيران الذي وصفه بـ«الخطير والمزعزع». واعتبر أن انسحاب بلاده من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى تجاه إيران، مع دعم لندن سياسات الضغوط الأميركية تجاه طهران. وأوضح كازينسكي أن بريطانيا اضطرت إلى الالتزام بسياسة «غير منطقية» اعتمدها الاتحاد الأوروبي تجاه إيران، تقوم على التعاطي مع طهران وتخفيف العقوبات عليها ومصادقاتها. وانتقد النائب البريطاني هذه السياسة، معتبراً أن «سلوك إيران أصبح أكثر زعزعة لاستقرار المنطقة، وشديد الخطورة. فهي تتدخل في الشؤون الداخلية في كل من البحرين والعراق وسوريا، كما تمول حزب الله وتمد الحوثيين بالسلاح». وأضاف أن «الإيرانيين اعتقلوا وسجنوا مواطنتنا نزانين رادكليف، رغم كل الاعتراضات البريطانية والتأكيدات على براءتها».
واعتبر كازينسكي أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - إذا اكتمل - قد يغير موازين القوى تجاه إيران، قائلاً إنه سأل وزير الخارجية البريطاني الحالي جيريمي هانت، الذي يعتبر من بين المرشحين المحتملين لخلافة تيريزا ماي على رأس حزب المحافظين، ما إذا كان سيلتزم بدعم الخط الأميركي لتعزيز الضغوط على إيران وحملها على تغيير سلوكها المزعزع. وأوضح كازينسكي أن رئيسة الحكومة البريطانية التزمت بالخط الأوروبي بسبب الظروف الصعبة المحيطة ببريكست، «لكننا بمجرد ما ننسحب من الاتحاد الأوروبي، سنستطيع اتباع سياسة خارجية مستقلة. وأُفضّل في هذا الإطار السياسة الأميركية التي تقوم على فرض عقوبات على إيران، وترهن التعاون مع هذا البلد بتغيير سياساته غير المسؤولة».
وأكّد النائب المحافظ أنه سيدعم، بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، اصطفاف بريطانيا مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بالسياسة تجاه إيران. وقال إن «مقاربة (باراك) أوباما، التي اتبعتها واشنطن في السنوات العشر الماضية، أثبت أنها فشلت بشكل تام»، متسائلاً: «أين هو الدليل على تحسن سلوك إيران وتحوله إلى سلوك طبيعي وحضاري؟ بل على العكس، أصبح سلوك طهران أكثر سوءاً من ذي قبل». وأضاف: «تمويل إرهابيين يقاتلون الحكومة اليمنية الشرعية ليس سلوك بلد طبيعي. كما أن تمويل وتسليح حزب الله، وهو منظمة إرهابية في لبنان، ليس سلوك بلد طبيعي».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».