مصر: سكان مدينة زايد يرفضون الأبراج... والحكومة تدافع

مشروع عقاري جديد يثير الجدل في الضاحية الهادئة

نماذج من التصميمات المقترحة لمشروع «زايد بيزنس بارك»
نماذج من التصميمات المقترحة لمشروع «زايد بيزنس بارك»
TT

مصر: سكان مدينة زايد يرفضون الأبراج... والحكومة تدافع

نماذج من التصميمات المقترحة لمشروع «زايد بيزنس بارك»
نماذج من التصميمات المقترحة لمشروع «زايد بيزنس بارك»

أثار الإعلان عن مشروع عقاري جديد بإحدى المدن المصرية موجة من الغضب بين سكان هذه المدينة، خوفاً من انتقال أمراض العشوائية والاستثناءات إلى مدينتهم الهادئة، لتبدأ حملة هجوم شرسة على المشروع الجديد، الذي دافعت عنه الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الإسكان، مؤكدة أن «المشروع يعد نقلة حضارية للمدينة».
بدأ الجدل عندما أعلن رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، عن عزمه تنفيذ مشروع عقاري في مدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة المصرية، (غرب القاهرة) «زايد بيزنس بارك»، ولم تكن المشكلة في المشروع في حد ذاته، بل في طبيعته، حيث أشار الإعلان إلى أن المشروع يتضمن بناء أبراج يصل ارتفاعها إلى 20 طابقاً، وهو ما أغضب سكان المدينة التي لا تتجاوز ارتفاعات المباني بها منذ إنشائها الأربعة طوابق، ليدشن السكان حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ترفض فكرة إقامة المشروع، واشترك في الحملة عدد من الكتاب والصحافيين من سكان المدينة.
الكاتب الصحافي والروائي عمر طاهر، أحد سكان مدينة الشيخ زايد، بدأ حملة هجوم عنيفة على المشروع، وخصص عدداً من مقالاته لتبرير مخاوفه من المشروع، وأسباب هجومه عليه، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المهندس حسب الله الكفراوي، وزير الإسكان المصري الأسبق، صمم مدينة الشيخ زايد بلا أبراج، واضعاً نموذجاً مختلفاً للمدن العمرانية الجديدة، جذب نوعية من السكان أرادت هذا الشكل والنموذج من العمارة والحياة»، مشيراً إلى أن «من يختار الإقامة في مدينة الشيخ زايد وغيرها من المدن الجديدة، لا يختار منزلاً فحسب، بل يختار نمطاً للحياة».
وأضاف طاهر أن «إنشاء أبراج سكنية يدمر فكرة المدينة القائمة على مباني قليلة الارتفاع»، متخوفاً من أن «يتكرر ما حدث في مدينة نصر بالقاهرة، التي لم تستوعب مرافقها التوسعات العمرانية الجديدة لتنهار في مواجهة الزحام والعشوائية»، مشيراً إلى أن «مرافق مدينة الشيخ زايد لا تتحمل مثل هذه التوسعات».
وعلى الصعيد النيابي قدم الدكتور أيمن أبو العلا، عضو مجلس النواب المصري عن دائرة زايد و6 أكتوبر، بياناً عاجلاً إلى كل من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، والمهندس عاصم الجزار، وزير الإسكان، بشأن المشروع. وقال أبو العلا، في بيانه، إن «هناك حالة من الغضب بين سكان مدينة الشيخ زايد، اعتراضاً على المشروع الذي يخالف مخططات المدينة، وخوفاً من أن يؤثر المشروع على جودة المرافق والبنية التحتية من مياه وصرف صحي». مشيراً إلى أن «تخطيط المدينة لا يسمح بزيادة الارتفاع على 4 طوابق». وأضاف: «طلبت من قبل زيادة ارتفاع مستشفى زايد بطابقين وتم رفض طلبي بسبب مطار سفنكس»، متسائلاً: «كيف وافقت الحكومة على برج 20 دوراً؟». كما قدمت النائبة رشا إسماعيل، بياناً عاجلاً حول الموضوع، مؤكدة أنه «يتنافى مع الخطة الاقتصادية للمدينة، ويكرر أخطاء أحياء أخرى في القاهرة والجيزة».
ورفع عدد من السكان دعاوى قضائية أمام القضاء الإداري لوقف المشروع، مبررين موقفهم بالتخوف من تحول «مدينتهم الهادئة إلى مدينة عشوائية، فمنح ساويرس استثناء بالتعلية سيجعل كثيراً من أصحاب العقارات في المدينة يتجهون إلى تعلية مبانيهم أيضاً»، ولا تقتصر مخاوف السكان على الأبراج بل تمتد إلى الحديقة التي يخشى البعض أن تتحول إلى منطقة تجارية، بدلاً من أن تكون متنفساً لأهالي المدينة.
من جانبه قال تامر ممتاز، الخبير الاقتصادي والعقاري، لـ«الشرق الأوسط» إن «أبراج زايد ستُحدث تنمية في المنطقة، وتزيد من أسعار الأراضي وتفتح فرص الاستثمار في المدينة»، مشيراً إلى أن «مخاوف سكان المدينة ليست في محلها».
وأضاف أن «السكان يقولون إن التوسع في المدينة يجب أن يكون أفقياً، وليس رأسياً، لأن التوسع الرأسي عادةً ما يكون مرتبطاً بالأماكن المكدسة سكانياً، ويؤدي إلى عشوائيات كما حدث في مدينة نصر والمهندسين، لكنّ الواقع يقول إن مدينة الشيخ زايد ليس بها عشوائيات، والأبراج ستكون في منطقة محددة»، مؤكداً أنه «ما دامت الحكومة لم تمنح تراخيص أخرى بالارتفاعات، واقتصر الأمر على هذا المشروع، فلا توجد مشكلة بشرط أن تكون للحكومة حصة من عائده، ليعود بالنفع على الدولة ككل ويحقق التنمية والمنفعة العامة».
ورداً على الهجوم كتب ساويرس، تغريدات متتالية على حسابه الشخصي على «تويتر»، أوضح فيها أن «المشروع يتكون من برج واحد بارتفاع 20 طابقاً، يمثل نحو 10% من مساحة المشروع، والباقي عمارات مكونة من أرضي و9 طوابق»، مشيراً إلى أن «هذه الارتفاعات موجودة فعلاً في مدينة الشيخ زايد».
وأكد ساويرس أن «المشروع حاصل على ترخيص من عام 2017، وفقاً للمخطط العام للمنطقة، وهو يستوعب نفس الكثافة السكانية لأي تجمع سكني في المنطقة».
وأعلنت شركة «أورا إيجيبت للاستثمار العقاري»، المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، عن إطلاق مشروع «ZED» في مدينة الشيخ زايد، على مساحة 165 فداناً، ويطل المشروع على حديقة الشيخ زايد المركزية البالغة مساحتها 65 فداناً، ويتضمن المشروع مجموعة من الأبراج يتراوح ارتفاعها ما بين 10 و20 طابقاً، سيتم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع بعد 4 سنوات، ويبدأ سعر المتر في البرج المكون من 20 طابقاً، من 29 ألف جنيه مصري، (الدولار الأميركي يعادل 17.3 جنيه مصري)، وتتراوح مساحات الوحدات السكنية به ما بين 131 متراً و416 متراً، على أن تُخصص الأدوار الثلاثة الأولى للأعمال التجارية والخدمية، أما الأبراج ذات الطوابق العشرة، فيبدأ سعر المتر فيها من 19 ألف جنيه.
لكن هذا الرد لم يرضِ أهالي مدينة الشيخ زايد، وأعلن الكاتب عمر طاهر توقفه عن التفاوض مع شركة ساويرس السينمائية، بخصوص إنتاج أفلام سينمائية من تأليفه، كما أعلن مقاطعته مسابقته الثقافية، مؤكداً أنه «مستمر في معارضته وهجومه على المشروع، وإن كان غير واثق من استجابة الحكومة لمطالب السكان»، معرباً عن «أمله أن تستجيب الحكومة وتستمع لشكوى سكان الشيخ زايد».
وفي ظل حملة الهجوم المتصاعدة على المشروع خرجت وزارة الإسكان المصرية عن صمتها، وأصدرت بياناً مطولاً تدافع فيه عن المشروع، وقال المهندس وليد عباس، معاون وزير الإسكان لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إن «المشروع محل الشكوى بمساحة إجمالية 165 فداناً، مقسمة إلى قطعتين، الأولى بمساحة 106.1 فدان، وتشتمل على حديقة الشيخ زايد المركزية بمساحة نحو 65 فداناً، وأنشطة استثمارية سكنية، وترفيهية، وخدمية بمساحة 41.1 فدان، والثانية أرض فضاء بمساحة 58.9 فدان بأنشطة استثمارية تجارية، وفندقية، وطبية، وترفيهية، بما يمثل 1% من مساحة المدينة الأصلية».
وأضاف أن «المشروع يتفق مع المخطط الاستراتيجي العام لمدينتي الشيخ زايد و6 أكتوبر، والمعدّ من قِبل أحد بيوت الخبرة الهندسية، والتي بناءً عليها تم تحديد الاحتياجات الخاصة بالمرافق، والتوسع في طاقة محطة المياه، وتطوير محاور الطرق بالمدينة».
وأكد عباس أن «الارتفاعات الموجودة في المشروع تتماشى مع المخطط الاستراتيجي، ولا تتعارض مع شؤون الدفاع عن الدولة، وتتماشى مع قواعد وزارة الطيران المدني»، وقال إن «المشروع لن يكون بأكمله أبراجاً، وسيلتزم المستثمر بتوفير أماكن انتظار السيارات اللازمة للمشروع»، مشدداً على أن «المشروع لن يتسبب في أي أضرار بالطرق الخارجية أو مرافق المدينة، وأن الحديقة المركزية ستكون متاحة لجميع المواطنين».
وقال إن «المشروع سيمثل قيمة مضافة لمدينة الشيخ زايد، وتنوعاً مطلوباً في ارتفاعات المباني بها، خصوصاً أنه تمت الاستعانة بكبريات شركات التصميم، وسيتم التنفيذ بالمستوى الذي يليق بمدينة الشيخ زايد».
جدير بالذكر أن مدينة الشيخ زايد أُنشئت عام 1995 بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية (منحة الشيخ زايد)، وتضم مجموعة من التجمعات السكنية (كمبوند) الراقية، ويسكنها عدد من الفنانين والإعلاميين.


مقالات ذات صلة

انكماش القطاع الخاص في مصر خلال ديسمبر بسبب ضعف الجنيه

الاقتصاد مبانٍ تحت الإنشاء بوسط القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

انكماش القطاع الخاص في مصر خلال ديسمبر بسبب ضعف الجنيه

واصل القطاع الخاص غير النفطي بمصر انكماشه خلال ديسمبر في الوقت الذي تدهورت فيه ظروف التشغيل مع انخفاض الإنتاج والطلبيات الجديدة بأسرع معدل بثمانية أشهر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مدبولي مترئساً اجتماعاً لمتابعة إجراءات طرح شركتَي «صافي» و«وطنية» (رئاسة الحكومة)

مدبولي: الحكومة المصرية ستتابع إجراءات طرح 10 شركات خلال 2025

أعلن رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة ستتابع إجراءات طرح 10 شركات خلال عام 2025، وتحديد البرنامج الزمني للطرح.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد وسط القاهرة من بناية مرتفعة بوسط البلد (تصوير: عبد الفتاح فرج)

معدل نمو الاقتصاد المصري يرتفع إلى 3.5% في 3 أشهر

سجل الناتج المحلي الإجمالي في مصر نمواً 3.5 % في الربع الأول من السنة المالية 2024-2025، بارتفاع 0.8%، مقابل 2.7% في نفس الربع المقارن من العام السابق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أرشيفية لمواطن داخل أحد محلات الصرافة في القاهرة يستبدل الجنيه بالدولار (رويترز)

 «صندوق النقد» يتوصل لاتفاق مع مصر بشأن المراجعة الرابعة

توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الرابعة بموجب اتفاق تسهيل ممدد مع مصر، وهو ما قد يتيح صرف 1.2 مليار دولار بموجب البرنامج.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد حصَّادة تحصد القمح في حقل زراعي (رويترز)

روسيا تسعى لخفض التكاليف المتعلقة بمدفوعات القمح لمصر

قال رئيس اتحاد منتجي ومصدري الحبوب في روسيا إدوارد زرنين، إن مصدّري الحبوب الروس سيقترحون سبلاً لخفض تكاليف المعاملات المتعلقة بسداد أسعار تصدير القمح لمصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».