بالصور... «القاهرة الخديوية» تصارع من أجل الحفاظ على تراثها العالمي

مخاوف على مصير مبانٍ قديمة قبل الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة

قصر سعيد حليم باشا في شارع شامبليون بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
قصر سعيد حليم باشا في شارع شامبليون بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
TT

بالصور... «القاهرة الخديوية» تصارع من أجل الحفاظ على تراثها العالمي

قصر سعيد حليم باشا في شارع شامبليون بوسط القاهرة (أ.ف.ب)
قصر سعيد حليم باشا في شارع شامبليون بوسط القاهرة (أ.ف.ب)

تزدهر منطقة وسط القاهرة بالمباني الفريدة، ومنها مبانٍ قديمة ذات تصميم أوروبي، تنشد الحفاظ على التراث الثقافي، في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لعاصمة إدارية جديدة في قلب الصحراء.
وتنتشر الزخارف الإسلامية مع الأوروبية في تلك المباني، إضافة إلى الأعمدة الكلاسيكية الجديدة والديكورات المزخرفة، وتتميز منطقة وسط القاهرة بالمباني الأثرية، والتي تعد قبلة لعشاق السياحة، ولراغبي البحث عن الكتب والتحف والأنتيكات، ومحبي التراث.
لكن تلك الأناقة مهددة بالانهيار، إذ تتعرض تلك المباني إلى خطر الزوال، وسط انتقال باعة الملابس والبضائع وسطها، وعدد من مبانيها «في حالة متداعية للغاية»، وفقا لأحمد البنداري، وهو مؤرخ معماري ومرشد سياحي متطوع.
ويروي المؤرخ المصري بحماس عن تاريخ المباني القديمة، وبعض الوزارات الحكومية الموجودة في وسط القاهرة، والممرات الصغيرة هناك، معتبرا أنه لا توجد «إرادة سياسية» من أجل الحفاظ على التراث.
ويخاف البنداري وآخرون على مستقبل المباني القديمة في المنطقة، ويخشون من أن أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى الإصلاح سوف يقعون ضحية للتجديد الحضري.
لكن كيف نشأت تلك المباني الأثرية؟ هنا في قلب القاهرة وعلى حدود ميدان التحرير، تُعرف المنطقة باسم القاهرة الخديوية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل باشا الحاكم العثماني الذي حكم مصر في منتصف القرن التاسع عشر، وينسب إليه الفضل في تحويل القاهرة إلى عاصمة حديثة ذات تأثيرات أوروبية بعد تأثره بباريس.
وكان الخديوي إسماعيل قد أمر ببناء أول دار أوبرا في الشرق الأوسط في عام 1869 للاحتفال بافتتاح قناة السويس الاستراتيجية، كما كلف المهندسين المعماريين الفرنسيين بتصميم شوارع هندسية تصطف على جانبيها الأشجار، وأصبح وسط المدينة المركز الثقافي للمدينة المزدهرة بالمقاهي ودور السينما والمحلات التجارية.
واستضافت منطقة وسط القاهرة مشاهد أدبية حيوية بالمقاهي فيها، وكذلك بمباني الوزارات الحكومية، بجانب وجود عدد من التماثيل البرونزية في شوارعها، أسوة بالعواصم الفرنسية أو الإيطالية.
وتحرص السلطات على ضمان الحفاظ على المباني بتصميمها، كما أن العديد من سكان القاهرة البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة مغرمون بالمنطقة.
لكن منذ الخمسينات، انتقل سكان الطبقة الوسطى تدريجياً خارج منطقة وسط القاهر لصالح الضواحي الأكثر هدوءاً والأكثر أناقة وحداثة.
ومن المقرر أن تنتقل وزارات حكومية من المنطقة إلى العاصمة الإدارية الجديدة المزمع إنشاؤها، إلى بعد نحو 45 كيلومتراً (28 ميلاً) من وسط القاهرة، لكن لا تزال هناك تساؤلات عن مصير مبانيها التاريخية، فيقول البنداري: «ماذا سيحدث في العديد من الوزارات مثل وزارات الزراعة والتعليم والصحة الموجودة في القصور والمباني التاريخية؟».
ويشير المؤرخ إلى التطوير بمنطقة مثلث ماسبيرو، والتي تعانق ضفاف نهر النيل بالقرب من وسط القاهرة، وتعيد الحكومة المصرية تطويرها لتصبح مركزاً مالياً، مع مراكز التسوق والفنادق الفاخرة، رغم أن ذلك التطوير أدى إلى نقل الآلاف من السكان إلى سكن بديل.
وأضاف البنداري «أخشى أنه تحت شعار التجديد، أن يتم هدم مناطق حضرية بأكملها...».
وفي عام 2014. تم ترميم نحو 350 مبنى في إطار مبادرة لتطوير القاهرة الخديوية، وتقول ريهام عرام، مدير عام إدارة الحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة ومدير مشروع تطوير القاهرة التاريخية: «لقد قمنا بإعادة طلاء المباني بأكملها وترميم الديكورات باستخدام مواد مماثلة لما كان يستخدم أصلاً أثناء البناء».
ولم تحسم عرام مصير المباني القديمة في وسط القاهرة، قائلة: «سيتم فحص 18 مبنى حكوميا وسط القاهرة لإعادة استخدامها»، محذرة «يجب أن نحافظ على هذه المنطقة التاريخية حتى لا تتحول إلى أحياء فقيرة في المستقبل»، حسب قولها لوكالة الصحافة الفرنسية.
ودخل القطاع الخاص على خط التطوير، فيما تهدف شركات مالكة لعدد من العقارات إلى تجديدها أو بيعها أو استئجارها لجلب الأرباح، وبحسب الوكالة فيواجه عدد من شركات القطاع الخاص عقبات بيروقراطية في هذا الشأن.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.