برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون جاءوا بطلب عراقي وبلا قواعد

قال إن قرار بلاده تحركه مصلحتها لكنه يراعي المؤثرات أسوة بالدول الأخرى

الرئيس العراقي خلال الحوار مع رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
الرئيس العراقي خلال الحوار مع رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
TT

برهم صالح لـ«الشرق الأوسط»: الأميركيون جاءوا بطلب عراقي وبلا قواعد

الرئيس العراقي خلال الحوار مع رئيس تحرير {الشرق الأوسط}
الرئيس العراقي خلال الحوار مع رئيس تحرير {الشرق الأوسط}

قال الرئيس العراقي برهم صالح إن الأميركيين جاءوا إلى العراق بطلب من حكومته بعد احتلال تنظيم «داعش» الموصل ولتمكين القوات العراقية من مواجهة هذا التحدي. وأضاف أن التفاهم الذي جاءوا بموجبه يقضي ألا تكون لهم قواعد عسكرية دائمة أو قوات برية مقاتلة. وأكد أن بغداد لا تنظر إلى هذا الوجود الأميركي من زاوية إحداث توازن مع الوجود الإيراني.
وكان الرئيس العراقي يتحدث إلى «الشرق الأوسط» في تونس على هامش مشاركته في القمة العربية. وتطرق صالح في حديثه إلى علاقات بلاده بجوارها الإسلامي وعمقها العربي، مبدياً ارتياحه إلى ما سمعه خلال زيارته إلى السعودية. وأكد أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي سيزور السعودية ودولاً أخرى في منتصف الشهر الحالي. وهنا نص الحوار:

> بماذا يشعر الرئيس العراقي الكردي حين يشارك في قمة عربية؟
- الجامعة العربية طرحت قبل فترة مشروع الدولة الوطنية. العراق بلد متعدد القوميات والتكوينات، فيه العرب والكرد والتركمان ويضم مسلمين ومسيحيين وطوائف عدة. هناك تعددية في كثير من دول المنطقة. الوضع العربي لا يحدد فقط بالعمق القومي أو التوصيف القومي. أنا أمثل العراق، وهو جزء من هذا العمق والامتداد العربي. لنا مصلحة حقيقية كعراقيين أن نكون متواصلين ومتضامنين ومتكاتفين مع العالم العربي لأن في ذلك مصلحة العراق ومصلحة المنطقة. والعلاقة تأكيد لما يربطنا بالعالم العربي من وشائج وأواصر ثقافية واجتماعية وتاريخية لا يمكن فصمها. نحن جزء من هذا العالم ومن هذه المنطقة ونتعامل في هذا السياق. الكردي والعربي والتركماني والمسيحي والمسلم يتشاركون في هذه المنطقة ويتشاطرون التطلع إلى الحياة الحرة الكريمة ونظام تربوي جيد ورعاية صحية جيدة. ويتطلعون أيضاً إلى منظومة أمنية تحميهم من «داعش» والتطرف والإرهاب. يتطلعون إلى احترام كرامتهم. آن الأوان ألا يكون التوصيف القومي هو المحدد الحصري لتعاملاتنا وتصوراتنا.
> هل تشعر أن العراق هو الضلع المستضعف في المثلث العراقي - التركي - الإيراني؟
- كلا ويقيناً كلا. مر العراق بظروف صعبة. قد يختلف المراقبون متى بدأت الأزمة العراقية. لكن لا خلاف على أن المشكلة في العراق تفاقمت بوصول صدام حسين إلى السلطة عام 1979. ثم جاءت الحرب العراقية - الإيرانية واجتياح الكويت والحصار وبعده 2003 واستباحة الإرهاب البلاد. على مدى أربعة عقود من الزمن لم يعرف العراق الاستقرار وكان مستباحاً وساحة لتصفية صراعات الآخرين. هذه الأحداث المتلاحقة دمرت الواقع العراقي والاقتصاد والدولة العراقية. تعرض العراق خلال العقود الأربعة الماضية إلى حالات خطرة من العنف الداخلي والاضطهاد وحروب الإبادة. هذا البلد استُضعف خلال عقود بسبب تحوله ساحة لتصفية حسابات الآخرين وبسبب تمكن الاستبداد واستباحة الإرهاب له. العراق الآن بعد الانتصار الأخير المتحقق ضد «داعش»، وهو انتصار مهم وتحول كبير، يعود قادراً ومقتدراً إلى المنطقة. نحن جزء من هذه المنطقة ولدينا جوار إسلامي مهم يتمثل في إيران وتركيا، ولدينا هذا العمق العربي الذي تحدثنا عنه.
نحن ننطلق من رؤية مفادها أن مصلحتنا يجب أن تكون الأساس في تعاملاتنا. نحتاج إلى علاقات جيدة مع إيران وبيننا وبينها 1400 كيلومتر ولدينا مصالح ووشائج وأواصر تاريخية وثقافية واجتماعية، وكذلك مع تركيا. من مصلحتنا أن تكون لدينا علاقات جيدة مبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة. غياب الدور العربي في العراق على امتداد الفترة الماضية كان عاملاً ترك أثره على الوضع في العراق. نتمنى أن يكون الدور العربي فاعلاً وجدياً في حضوره في العراق، وأن يساعد العراقيين ويمكنهم من التغلب على التحديات. هذا هو واقعنا وثوابتنا الجغرافية، والتراكم التاريخي الذي يجب أن نتعامل بموجبه. أنا متفائل بأن العراق نجاحه مطلوب. ما لمسته من خلال الزيارات المتبادلة مع دول الجوار أن هناك مصلحة إقليمية بدأت تتجسد في التمسك بالنجاح العراقي ودفع العراقيين نحو الاستقرار. كل هذه الدول قد تختلف في أجنداتها المباشرة حول هذا الموضوع أو ذاك، لكن تقديري أن نجاح العراق وتمكنه من تجاوز التحديات الحالية قد يمثل نقطة مشتركة في المصالح بين هذه الدول.
> تشددون في التصريحات على أن العراق لن يكون جزءاً من أي محور. هل هذا الموقف واقعي في ضوء موازين القوى لديكم وحولكم؟
- هذا واقعي، بل هو ضروري أيضاً. لا يمكن للعراق أن يكون منطلقاً وقاعدة لإيذاء أي من جيراننا. لا يمكن أن نكون على الإطلاق جزءاً من أي مخطط يستهدف أياً من جيراننا. ليس من مصلحتنا ذلك. لن نكون جزءاً من أي مخطط يستهدف أياً من جيراننا. أنا أتحدث عن مصلحة العراق ورؤية حكومته. هذه خلاصة تجربة أربعة عقود. نحن جزء من المنطقة، وإذا أردنا أن نلبي استحقاقات الإعمار وتوفير فرص العمل لشبابنا العاطل عن العمل وتوفير الخدمات، فنحن بحاجة إلى حالة توافق ووئام مع جيراننا. العراق كان ساحة لتصفية الصراعات. وهناك من يريد أن يحمل العراق وزر أولوياته. أنا أقول من منطلق مصلحتنا العراقية. مصلحة العراق أولاً. ولهذا لن نكون جزءاً من أي مخطط يستهدف أياً من جيراننا.

العلاقات مع السعودية

> زرتم المملكة العربية السعودية واستقبلتم في بغداد وفوداً منها. كيف تصفون العلاقات بين البلدين حالياً؟
- العلاقات السعودية - العراقية تنمو. زرت السعودية والتقيت جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمسؤولين السعوديين. تلمست من خادم الحرمين الشريفين كل الحرص على العراق، والتأكيد على ضرورة تنمية العلاقات. زارنا وفد وزاري سعودي وسيزور بغداد قريباً وفد سعودي كبير للتأكيد على تفعيل اللجنة السعودية - العراقية المشتركة. رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي سيزور المملكة ودول الجوار في منتصف الشهر الحالي. نرى في توطيد العلاقات مع المملكة جزءاً أساسياً من منظورنا لما نريد أن تكون عليه علاقات العراق. قد نختلف في مفردات سياسية هنا وهناك وحول هذا الموضوع أو ذاك، لكن في الوقت نفسه هناك ثوابت جغرافية وتاريخية وثقافية وأواصر.
كان لقائي مع ولي العهد السعودي جيداً وصريحاً ومباشراً، وتحدثنا في عمق ما هو مطلوب. وكان متفهماً لأوضاع العراق وضرورة تمكين العراقيين من تجاوز التحديات وضرورة عدم تحميل العراق وزر معادلات نحن في غنى عنها. وكان تأكيده واضحاً على ضرورة تعزيز العلاقات العراقية - السعودية وتنميتها.
> هل ترى عودة قريبة لسوريا إلى الجامعة العربية؟
- نحن نتمنى ذلك. سوريا تعرضت لكوارث وفواجع خطرة. ما جرى في سوريا جريمة مروعة إنسانياً وتمثل حقيقة خطورة على الأمن الإقليمي والدولي. بعد كل هذه السنوات ودوامة العنف، آن الأوان لنساعد سوريا وشعبها على التوصل إلى حلول سياسية يرتضونها بأنفسهم من دون قيمومة من الخارج. أنا أقول إن من الواجب على العرب احتضان سوريا وشعبها وتجاوز اختناقات تمنع الوصول إلى حلول سياسية. العراق دعا إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن لم نتمكن من ذلك خلال هذه الدورة. الوضع السوري خطر. هناك من يتصور أن الأخطار انحسرت بعد نهاية «داعش». أنا لست مع هذا الرأي. يجب ألا نستخف بحجم التحدي الإرهابي الباقي في سوريا ولا بحجم التحدي الإنساني الخطير الذي تشكله مشكلة النازحين واللاجئين. الواجب الإنساني والديني والأخلاقي، وكذلك الحرص على أمن المنطقة، كل ذلك يستوجب العمل الجاد من أجل دفع الأمور في الاتجاه الصحيح.

تواصل دائم مع دمشق

> هل هناك اتصالات بينك وبين الرئيس بشار الأسد؟
- هناك تواصل دائم بين الحكومتين العراقية والسورية. نحن نرى ذلك ضرورياً. الأخ مستشار الأمن الوطني العراقي يقوم بزيارات متكررة لسوريا ويلتقي الرئيس الأسد، وهناك تعاون أمني بين الحكومتين لضبط أمن الحدود والتصدي لخطر الإرهاب.
> أعادت كارثة عبارة الموصل تسليط الضوء على وحش الفساد في العراق. ما قصة هذا الوحش المتحكم بالبلاد؟
- الفساد آفة. وأنا أعتبره الاقتصاد السياسي للعنف. الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة. إذا لم يتم القضاء على الفساد ومواجهته بجدية سيقضي علينا. المشكلة كبيرة وهي وليدة أربعة عقود من الزمن وسوء الإدارة والحروب والعنف والتدخلات وغيرها من الأسباب. نحن مطالبون الآن بإجراءات جدية. هذا هو الاستحقاق الوطني والسياسي أمامنا. السيد رئيس الوزراء يترأس الآن لجنة عليا لمكافحة الفساد ويتعامل مع هذا الموضوع بمنهجية وبصورةمؤسساتية. ونحن مطالبون كمؤسسات في الدولة وكقيادات سياسية بأن ندعم هذا الجهد بكل ما لدينا من قوة. التحدي كبير وخطر والحل ليس سهلاً لكن لا خيار لدينا غير مواجهة هذه الآفة.
> يحكي الكثير عن المليارات الضائعة في العراق. ما هو الرقم الحقيقي؟
- من الصعب جداً تحديد الرقم. لكن بغض النظر عن الرقم، هناك بالتأكيد أموال هائلة تهدر وتحجب عن خدمة الناس. وفي كثير من الأحيان تنتهي هذه الأموال لتصب في عملية إدامة العنف والفوضى. لذلك أقول إن هذا الاستحقاق سياسي وأمني، وأنا واثق من أن الحكومة والبرلمان جادان في التصدي لهذه المشكلة.

«عناصر غير منضبطة»

> هل الدولة العراقية قادرة على استيعاب الميليشيات أم أنها مهددة بالذوبان فيها؟
- برأيي أن ثمة مبالغة غير مبررة في هذا الموضوع. لنضع الأمور في سياقها الصحيح. في 2014 عندما استولى «داعش» على الموصل كانت بغداد مهددة. أصدر سماحة المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني فتوى «الجهاد الكفائي». العديد من الشباب هبوا للدفاع عن بلدهم، ولولا «الحشد الشعبي» الذي تشكل آنذاك لكنا في خطر محقق. ضحى هؤلاء بالغالي والنفيس وكانوا في صدارة الجهد من أجل القضاء على «داعش». الآن «الحشد الشعبي» مثبت حسب القانون ضمن المنظومة الأمنية للدولة. أنا لا أقول إنه ليست هناك عناصر مسيئة في «الحشد الشعبي». نعم هناك عناصر مسيئة كما هو الحال في الجيش والشرطة وحتى في البيشمركة. التعامل مع هذه الحالات يجب أن يكون في إطار القانون. لا يجوز تعميم التهمة وكأن ليس في العراق مشكلة إلا ما يسميه البعض الميليشيات. هناك عناصر غير منضبطة وعناصر خارجة على القانون ويجب التعامل مع هؤلاء في الإطار القانوني. أساس التعامل مع «الحشد الشعبي» هو أنه جزء من المنظومة الأمنية للدولة ومرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء).

سليماني والقرار العراقي

> بماذا يشعر المسؤول العراقي حين يقرأ كلاماً من نوع أن القرار العراقي هو عملياً في يد الجنرال قاسم سليماني؟
- في هذا الزمن حيث لديك وسائل التواصل الاجتماعي تحول كل شخص إلى محلل وخبير وقائد سياسي ويصرح كيفما أراد. أنا أقول لك إن إيران جارة مهمة لنا وساعدتنا ضد الاستبداد وضد «داعش». القول إن لإيران وجودها وتأثيراتها صحيح. كما أن للعراق تأثيراته داخل إيران. التأثير متبادل لكن القرار العراقي هو في النهاية متمثل في المؤسسات الدستورية أي الحكومة والبرلمان والقضاء وهناك عملية انتخابية تشارك فيها الأحزاب.
> هل تستطيع مثلاً أن تقول إن قرار العراق عراقي؟
- أنا أقول إنه في هذا الزمن ليس هناك قرار بمعزل عن الواقع الموجود. هل القرار الفرنسي فرنسي فقط أم يجب أن يأخذ بالاعتبار البعد الأوروبي والبعد الأميركي وإلى غير ذلك؟. هناك تأثيرات متبادلة وأنا لا أريد التغني بشعارات. نحن نعيش في هذه المنطقة ونراعي في قراراتنا العمق العربي والوضع الإيراني والتركي والخليجي. نحن مثلاً نجلس ونناقش تداعيات قراراتنا وترابطها أحياناً مع الوضع السوري. أرى أن هذا التهويل في غير محله. العراق جزء من هذه المنطقة، ومن مصلحتنا أن تكون علاقاتنا جيدة مع إيران ومبنية على المصالح المشتركة ومن دولة إلى دولة. ومن مصلحتنا أن تكون علاقاتنا جيدة مع السعودية والأردن ومصر. الأخ رئيس الوزراء زار مصر والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني وكانت هناك أمور اقتصادية وتفاهمات لخير المنطقة. الحقيقة أن العراق يتحول إلى عنصر توازن وتواصل في المنطقة. إذا رجعنا إلى العقود الأربعة الماضية نجد أنها جعلت المنظومة الإقليمية مفككة أمنياً وسياسياً واقتصادياً، مما أتاح للإرهاب والتدخلات الخارجية أن تنفذ إلى داخلها. من منظور آخر أقول إن غياب العراق عن المنظومة الإقليمية كان من أسباب الفوضى والحراك غير المجدي. يعود العراق قادراً مقتدراً إلى المنطقة، والعراق بموقعه الجغرافي والتاريخي وموارده يمكن أن يكون محوراً لإعادة لم شمل المنطقة، وأن يكون جسراً للتواصل بين مصالح دولها. المنظومة الإقليمية لا يمكن أن تتجاهل إيران وتركيا، ولا يمكن حتماً أن تتجاهل العمق العربي للعراق. المنطقة مطالبة بإعادة النظر وتشكيل منظومة جديدة لأمنها واقتصادها والتعامل مع التحديات الخطرة التي نعاني منها وهي التطرف والبطالة والفشل الاقتصادي. ومن هذا المنظور يمكن أن يكون العراق منطلقاً لهذه المنظومة.
> لماذا لا يزال منصب نائب الرئيس لديكم شاغراً؟
- نعيش في نظام برلماني، وكل حزب بما لديهم فرحون. سجالات سياسية. فيما يتعلق بمنصب نائب الرئيس ننتظر استكمال تشكيل الحكومة ثم نتحرك.
> وهل هذا التأخير في تشكيل الحكومة طبيعي؟
- ليس طبيعياً، لكن قلت لك إن لدينا الكثير من الأحزاب وفي أي حال يبقى هذا أفضل من الاستبداد.
> هل هناك بدايات لكسر الجليد بينك وبين الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود بارزاني. وهل يلعب هوشيار زيباري وزير الخارجية السابق دوراً في هذا المجال؟
- هناك تواصل بين الإخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني وبيني. وإن شاء الله هذه المفردات لن نتوقف عندها والبلد أكبر من ذلك. زارني زميلي هوشيار في بغداد قبل فترة.
> هل كان لديك حلم أن تكون رئيساً للعراق؟
- لا شك أن لدى كل إنسان طموح في هذا المسعى أو ذاك. توسمت في نفسي وتوسم أصدقائي وحلفائي في القدرة على أن أكون رئيساً جيداً في هذه المرحلة، وعسى أن أكون ناجحاً وموفقاً في تقديم مساهمة جدية في إخراج بلدنا من نفق الأزمات التي ألمت بنا.
> للأسف دهمنا الوقت. أريد أن أسأل: هل يشكل الوجود العسكري الأميركي في العراق عنصر توازن مع الوجود الإيراني؟
- نحن لا ننظر إلى هذا الموضوع بهذا المنظار. العناصر الأميركية التي جاءت إلى العراق جاءت بدعوة من الحكومة العراقية لتمكين القوات العراقية من مواجهة «داعش» بعد التحدي الإرهابي الكبير الذي واجهته البلاد. أؤكد في هذا المجال أن هناك تأكيداً عراقياً على السيادة والأولوية للمصلحة العراقية والرؤية العراقية في التعامل مع الملف الأمني والاحتياجات. هناك تأكيد على ألا تكون هناك قواعد عسكرية أميركية وألا تكون هناك قوات برية مقاتلة. أي ما تراه القيادة العراقية مناسباً ضمن استحقاقات الأمن العراقي والسيادة العراقية.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».