«كبار العلماء» بمصر لإقرار مشروع «الأحوال الشخصية» وسط ترقب برلماني

TT

«كبار العلماء» بمصر لإقرار مشروع «الأحوال الشخصية» وسط ترقب برلماني

أوشكت هيئة كبار العلماء في مصر على الانتهاء من مراجعة وإقرار باقي مواد مشروع قانون «الأحوال الشخصية»، تمهيداً لإحالته إلى الجهات المعنية. وقالت الهيئة في بيان لها إن «اللجنة الفقهية التي تعمل على مراجعة المواد، سوف تعقد اجتماعها غداً (الأربعاء) للانتهاء من المشروع».
وكان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، قد شكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لضمان توسيع نطاق الحفاظ على حقوق الأسرة، وصياغة قضايا الأحوال الشخصية الموزعة على أكثر من قانون، في نسق قانوني موحد، يتسم بالتجانس والشمولية.
وأكدت مصادر داخل «كبار العلماء» (أعلى هيئة بالأزهر)، أن «الدكتور الطيب وضع للجنة الفقهية المشكلة الخطوط العريضة، التي كان أبرزها، التأكيد على أن يتضمن مشروع القانون آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال، بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، ومعالجة المشكلات الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق».
وانتهت الهيئة برئاسة الدكتور الطيب خلال اجتماعها الأخير مساء أول من أمس، من المراجعة النهائية لثلثي مواد مشروع القانون. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجنة تضم قامات فقهية وقانونية رفيعة عقدت أكثر من 30 اجتماعاً انتهت خلالها من صياغة مشروع القانون... وتمت معالجة قضايا ومشكلات الواقع».
من جهته، أكد الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء، إن «مقترح مشروع القانون يمنح الفتاة حق اختيار من تريد الزواج به، فضلاً عن وضع شروط لتعدد الزوجات»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مشروع القانون يصب في صالح المرأة المصرية، وينص على تقديم نفقة عادلة لها حال الانفصال عن زوجها».
وحدث جدل في البلاد عقب إعلان الدكتور الطيب لرأي في مارس (آذار) الماضي، عَدّ فيه أن «تعدد الزوجات» يمثل «ظلماً للمرأة» ويجب «تقييده بالعدل». وقال خلال برنامجه الأسبوعي على التلفزيون المصري، إن «رخصة تعدد الزوجات لم تأت في آية منفصلة أو حكم مطلق دون تقييد، وإنما وردت في سياق آية قرآنية تدافع عن اليتيمات من الظلم الذي قد يتعرضن له من قبل بعض الأولياء عليهن، وهو ما يجعلنا نستحضر الظلم الذي قد تتعرض له الزوجة الأولى بسبب التعدد، إذا لم يتم الالتزام بالشرط المتعلق به وهو العدل».
وأوضح الطيب حينها أن «التعدد كان موجوداً في المجتمع العربي قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليضع حداً لفوضى التعدد التي كانت سائدة، ويضع سقفاً للتعدد، بعدما كان مطلقاً».
ورد الطيب كذلك على الدعوات لتحريم «التعدد بشكل مطلق»، بالتأكيد على أن التعدد في بعض الحالات هو حق طبيعي للرجل، فمثلاً إذا كانت الزوجة لا تنجب والزوج يريد أن تكون له ذرية، فمن حقه أن يتزوج بأخرى؛ لكن عليه ألا يظلم زوجته الأولى، وأن يحرص على أن تنال الاحترام نفسه الذي كانت تلقاه قبل أن يتزوج عليها، كما أن لهذه الزوجة أن تطلب الطلاق للضرر إذا لم تقبل العيش مع زوجة أخرى، ولا يجوز للزوج أن يحبسها. وقال الطيب في لقاء آخر، إن «تناول حقوق المرأة أو الزوجة لا يعني انحيازه أو محاباته لها على حساب الرجل؛ لكنه يحاول تسليط الضوء على بعض النصوص التراثية التي انتبهت لتلك الحقوق».
في حين رجح مراقبون أن يشهد مشروع القانون المقدم من «كبار العلماء» جدلاً داخل مجلس النواب (البرلمان). وقال مصدر في البرلمان لـ«الشرق الأوسط»، إن «أعضاء المجلس ينتظرون مشروع القانون المقترح للتعرف على مواده»؛ لكنه أكد أن «أعضاء البرلمان يكنون كل التقدير لهيئة كبار العلماء». وسبق أن اعترض النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن بمجلس النواب، على إعداد الأزهر لمشروع القانون، قائلاً في تصريحات له: «الأزهر جهة استطلاع رأي في المسائل الدينية، وقانون الأحوال الشخصية قانون مدني بالدرجة الأولى، فيه مواد تتماس مع الدين، وطبقاً للدستور والمادة الثانية يتم استطلاع رأي الأزهر فيه فقط». كما طالب الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، البرلمان من قبل، باستئناف المناقشات حول قوانين «الأحوال الشخصية» المقدمة من النواب، خاصة أن المجتمع بحاجة لإعادة الاستقرار والسيطرة على ارتفاع معدلات الطلاق. وأشار «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في يوليو (تموز) الماضي، إلى ارتفاع حالات الطلاق بنسبة 3.2 في المائة لتسجل 198.2 ألف حالة في 2017 مقابل 192 ألف حالة طلاق عام 2016.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».