تشكيك في دمشق بقدرة الحكومة على إصلاح القطاع العام

بعد إقرار وثيقة تنفيذية تتعلق بالمؤسسات السورية

TT

تشكيك في دمشق بقدرة الحكومة على إصلاح القطاع العام

استبعد خبراء اقتصاديون في دمشق، أن تنجح الحكومة في إصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي بعد دمار كبير طاله جراء الحرب، واعتبروا أن «النظام لا يزال يفكر بالعقلية الصينية» بفصله الإصلاح الاقتصادي عن السياسي، وسط إحباط مواطنين من تفاقم الفساد في المؤسسات. وتساءل خبير اقتصادي بعد إعلان الحكومة إقرار «وثيقة تنفيذية» لإصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي: «هل بقي اقتصاد في البلاد حتى يتم إصلاحه؟».
وبلغ إجمالي خسائر الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب، حسب تقرير لـ«البنك الدولي»، أصدره منتصف عام 2017، نحو 226 مليار دولار أميركي، ولفت إلى أن نحو 27 في المائة من مجموع الوحدات السكنية قد دمرت أو تضررت جزئياً، بينما تشير الأرقام المحلية إلى أن 67 في المائة من قدرة سوريا الصناعية دمرت بشكل كامل.
وبلغت خسائر القطاع الزراعي 25 مليار دولار، والسياحي نحو 14 مليار دولار، بينما وصلت الخسائر في القطاع الصحي، حسب دراسات منظمات أهلية متخصصة، إلى نحو 12 مليار دولار، واستنزفت أكثر من 70 في المائة من أطباء البلد من جراء التهجير أو القتل والاعتقال، على حين وصل عدد المشافي التي دمر كثير منها إلى ما يقارب 38 مستشفى و450 مركزاً طبياً وصحياً معطلاً بالكامل.
أما قطاع التعليم، فتشير تقارير منظمة «يونيسيف» لرعاية الطفولة التابعة للأمم المتحدة إلى أن مليونين وثمانمائة ألف طفل سوري في سوريا ودول الجوار لا يستطيعون الحصول على فرصة التعليم، كما لم يعد بالإمكان استخدام أكثر من ستة آلاف مدرسة، وانخفضت نسبة الالتحاق بالمدارس إلى 64 في المائة، بينما تقدر خسائر هذا القطاع بنحو 400 مليون دولار أميركي.
ويقول الخبير الاقتصادي: «ما من شك في أن خزينة الحكومة فارغة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من سيمول هذا البرنامج في ظل امتناع الدول الغربية والعربية والإقليمية عن المساهمة في عملية إعادة الإعمار؟».
وذكرت وسائل إعلام محلية، الأسبوع الماضي، أن لجنة السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة الحكومة أقرت خلال اجتماع موسع «وثيقة تنفيذية» لإصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي. وقررت تكليف مرجعية إدارية واحدة بمتابعة تنفيذ ومراقبة، والإشراف على إصلاح هذه المؤسسات، مع ضرورة وجود جهتين تعنيان بالتحليل الإداري من جهة، والمالي والاقتصادي لواقع هذه المؤسسات من جهة أخرى.
وتبدأ الوثيقة بإيجاد مرجعية قانونية، وتصنيف المؤسسات، وتحليل واقعها، وإعادة الهيكلية الإدارية والتنظيمية والمالية، واعتماد النموذج الإصلاحي الخاص بكل مؤسسة.
وبينما بحث الاجتماع مناقشة الآلية التمويلية للبرنامج والأرضية القانونية والإدارية والتنظيمية لتطبيق المشروع، والاستعانة بالخبرات المحلية، قال رئيس الحكومة عمار خميس، إن خطة إصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي «مستمرة لن تتوقف، والفريق الحكومي ماض بتنفيذ الاستراتيجيات رغم التحديات والمتغيرات إلى جانب تأمين متطلبات صمود المواطن اليومية».
ويصف خبير اقتصادي آخر لـ«الشرق الأوسط»، ما تضمنته «الوثيقة التنفيذية»، بأنه «ممتاز على الورق، وهناك منظمات دولية شاركت في رسم هذا البرامج الذي يركز على عملية التنمية، والمنهجية هي عبارة عن منهجية تقنية تركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فقط». ويلفت إلى أن الوثيقة «تغفل كلياً الإصلاح السياسي، وكيفية التعامل مع إدارة ذاتية»، ويعتبر أن الحكومة، إما أنها تعتبر «القوانين التي أصدرتها قبل الحرب، وفي السنة الأولى منها (قانون الإعلام، قانون الأحزاب...) كافية، ولا داعي لإصلاح سياسي، أو أنها ترى أن هذه القوانين ستخضع للتطوير بعد عملية جنيف».
ويشدد الخبير على أن الوثيقة يجب أن تتضمن «مقاربة شاملة لإصلاح اقتصادي وسياسي»، ويضيف: «النظام للأسف لا ينظر للوقائع على الأرض. هو لا يزال يفكر بالعقلية الصينية، أي يفصل بين الإصلاح الاقتصادي، والسياسي والإداري».
وخلال سنوات الحرب تفشى الفساد بشكل كبير في عموم المؤسسات التابعة للحكومة، لدرجة أن استخراج أي وثيقة (إخراج قيد، سند إقامة، تأجيل عن الخدمة الإلزامية، تسجيل عقد إيجار...) يحتاج من المواطن لقضاء يوم كامل من أجل الحصول عليها، وربما يومين أو ثلاثة، وقد لا يحصل عليها إذا لم يتم دفع «رشوة» للموظفين.
«أبو يوسف» هو صاحب معمل صغير لصناعة «الخراطيم البلاستيكية» التي تستخدم في عملية «الري بالتنقيط»، يقع في ريف دمشق الجنوبي، يتحدث لـ«الشرق الأوسط»، بأنه ومع ترويج وسائل الإعلام الحكومية لأنباء عن معاودة بعض المعامل استئناف عملية الإنتاج، بذل مساعي كثيرة استمرت لزمن طويل من أجل ترميم معمله، واستئناف عملية الإنتاج، إلا أنه «لم يوفق بذلك بسبب صعوبة الحصول على الموافقات اللازمة» من الجهات الأمنية والحكومية، ويقول: «خلال المراجعات تبين أن العملية تحتاج إلى رشاوٍ كبيرة قد تفوق ثمن المعمل فتوقفت!»، ويضيف: «مستحيل أن يعود الاقتصاد إلى ما كان عليه بهذه الطريقة».
أما «أم زهير»، وهو اسم مستعار لموظفة في المؤسسات الحكومية، فتسخر من إعلان الحكومة عن إقرار «وثيقة تنفيذية» لإصلاح مؤسسات القطاع العام الاقتصادي، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «الكلام ليس عليه ضريبة»، وتضيف: «عملية إصلاح حقيقية لتلك المؤسسات التي تحول أغلب من فيها إلى مافيات للسرقة والنهب، تعني قلبها رأساً على عقب من المدير إلى الموظفين حتى المستخدمين، وهذا أمر مستبعد، لا أمل في ذلك. الحكومة حالياً مشغولة بكيفية تأمين الرواتب، والغاز، والكهرباء، والخبز، والمواد الغذائية...».
وتشهد عموم مناطق سيطرة الحكومة منذ بداية فصل الشتاء، أزمات خانقة في توفير الغاز المنزلي، ونقصاً كبيراً في وقود التدفئة، وإعادة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، إضافة إلى تراجع قياسي في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي (الدولار يساوي نحو 550 ليرة)، ما أدى إلى تحليق جديد في الأسعار ضيق سبل العيش، وجعل الحياة بالغة الصعوبة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.