إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

إنهاء للتهديد أم دفع نحو «القتال الفردي»؟

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا
TT

إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا

فيما عده مراقبون اتجاهاً مستقبلياً للتصدي لخطر «العائدين» من دول الصراعات، تقوم دول أوروبية بتحركات لسحب الجنسية عن «الإرهابيين» مزدوجي الجنسية. هذه الدول ترى أن هذه الخطوات فعالة لإنهاء تهديدات المقاتلين «العائدين»، إلا أن خبراء أمنيين ومختصين في الحركات الأصولية أكدوا أن «سحب الجنسية من (الإرهابيين) ليس عقاباً، بل هو وسيلة لتصدير أزمات جديدة»، موضحين أن «سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى (ذئب منفرد)... والحل الأكثر نفعاً دمجه في المجتمع».

يُشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية، فرضت ضغوطاً قوية على هؤلاء «المقاتلين»، خصوصاً في ظل إجراءات أمنية مشددة اتخذتها دولهم الأصلية، بهدف منع عودتهم مرة أخرى إليها، على نحو يُمكن أن يهدد استقرارها الأمني، ويزيد من احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها. وبالفعل خطت بعض الدول خطوات لسحب الجنسية من «العائدين». فبلجيكا قررت سحب الجنسية من أي شخص يصدر ضده حكم بالسجن لمدة تزيد على 5 سنوات في أي قضية متعلقة بالإرهاب. وفرنسا اقترحت سحب جواز السفر من الأشخاص المرتبطين بتنظيمات إرهابية، مع ترحيلهم من أراضيها. وأقرّت كل من ألمانيا، وأستراليا، وبلجيكا، وكندا، وهولندا، وسويسرا، سلسلةً من الإجراءات والقوانين تفتح الباب أمام سحب جنسية رعاياها المنضمين إلى تنظيمات إرهابية، لقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلادهم. أما هولندا فقد نزعت بالفعل جنسيتها عن 7 أشخاص في عام 2017. وبريطانيا ألغت جنسية 150 شخصاً منذ عام 2010.

خطر كبير

اللواء الدكتور محمد قشقوش، المحلل العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى «ذئب منفرد»... صحيح أن المتطرف ترك بلده، وأخذ موقفاً آخر بالانضمام لأحد التنظيمات، لكن عند عودته وسحب الجنسية، من المرجح أن يقوم بعمليات إرهابية بمفرده من دون أي تكليفات من أي تنظيم، وهذا هو الأخطر، لأن دولته الأم في هذا الوقت ستكون من وجهة نظره عدواً له، لافتاً إلى أن «سحب الجنسية من العائد للوطن الأم تصدير للأزمة إلى جهة أخرى، مثل القضاء».
وتحفّظ عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أيضاً، على إجراءات بعض الدول بسحب الجنسية من «الإرهابيين»، مؤكداً أن سحبها ليس حلاً، وأمراً غير مؤثر، لأن «المتشدد» بعيد كل البعد عن فكرة الإيمان بأمر الجنسية أو الوطن، فهو مؤمن بـ«الأمة»، و«الخلافة»، و«المرجعية الدينية» لكل شيء، ومن ثم «سوف تجد أن فكرة سحب الجنسية ليست عقاباً له، بل هي تكئة يحفظ بها وجوده في أي مكان بالدول الغربية، عبر استغلاله لقوانين هذه الدول، التي تحترم الجنسية».
وقال عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن سحب الجنسية من الإرهابي ليس عقاباً له، بل وسيلة لتصدير أزمة من قبل «الإرهابيين» لدول أخرى، النرويج مثلاً سلمها العراق 12 «إرهابياً» وتدرس الآن إسقاط الجنسية عنهم، مضيفاً أن الإرهابي سوف يتحول لـ«ذئب منفرد» ويفكّر في القيام بعملية إرهابية قد تُحدث فوضى، لذلك فـ«الجهاد الفردي» أخطر من المواجهات الجماعية... وتنظيم «داعش» وصل الآن إلى مرحلة قتال «العملية الجهادية الواحدة» عن طريق «ذئب منفرد»، وقتال «العملية الواحدة» إما يكون عبر تعليمات مباشرة لعناصر التنظيم بالتنفيذ، أو عبر تعليمات غير مباشرة بأن يقوم بها «الانفرادي» عندما تكون الظروف متاحة له في الدولة التي يقيم بها، أو من خلال التجنيد اللحظي، عبر ترصُّد شخص مُعين وإقناعه بأفكار التنظيم ليقوم بتنفيذ عملية إرهابية.

خلايا نائمة

الكلام السابق اتفَقَ مع دراسة حديثة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «قوى اليمين في أوروبا أيدت سحب الجنسية من (الإرهابيين)، لا سيما بعد تصاعد عدد (الإرهابيين) من مزدوجي الجنسية، الذين كثيراً ما يتم استقطابهم من جانب المجموعات الإرهابية، وإقناعهم بالعودة إلى دولهم الأصلية بهدف زرعهم كـ«خلايا نائمة» قد تقوم بعمليات إرهابية مستقبلية... ومن ثم يؤكد البعض أن «هذه القرارات لا تمس سوى المقاتلين الأجانب مزدوجي الجنسية، لدفعهم إلى الرحيل لبلدانهم الأصلية».
المراقبون قالوا إنه حال تضييق الغرب على عناصر «داعش» سوف تنحصر مهمتهم في تجنيد عناصر جديدة... وقد يظن البعض أن رجوع عناصر التنظيم لدولهم قد يُثنيهم عن تطرف أفكارهم وإعلان التوبة، لكنهم للأسف يتسللون ويتخفّون لإيجاد مناخ يناسب تكتيكهم العسكري المتطرف.
فـ«العائدون» مصطلح شهد تغيّراً كبيراً بعد هزيمة «داعش» في سوريا والعراق، فقد كان يُطلق في البداية (قبل هزيمة التنظيم) على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته ثم سرعان ما اكتشفوا (بعد انضمامهم إليه أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم). وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق أصبح المُصطلح يحمل معنى مغايراً تماماً؛ إذ لا يُمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء «العائدون» لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟ وقد أعربت كثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء «المقاتلين العائدين».
وقال المراقبون إن «بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل تنظيم (داعش) لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خصوصاً في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية».
دراسة «مركز المستقبل» قالت إن اليسار الأوروبي عارَض إجراءات التجريد من الجنسية، انطلاقاً من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد الحق في امتلاك الجنسية، فضلاً عن اتفاقية صادرة عن الأمم المتحدة عام 1961 حظرت سحب الجنسية في الحالات التي يؤدي فيها سحبها إلى ترك الشخص بلا هوية.
وتساءلت الدراسة نفسها: هل تساعد إجراءات التجريد من الجنسية في تحجيم الإرهاب بأوروبا؟! وأجابت: «هُنا تبرز أطروحات تؤكد أن إجراءات نزع الجنسية عن (الإرهابيين) تمثل خطراً على الأمن العالمي، حيث سيبقون طُلقاء بعيدين عن مراقبة الأمن المحلي، كما أن الآراء التي تطالب بنزع الجنسية عن المواطنين الأوروبيين (الإرهابيين) تعني أن يتم إرسال التهديدات لدولة أخرى».

المناطق الفارغة

عبد المنعم حذّر من أنه حال سحب الجنسية من الإرهابي، فسوف يذهب إلى «المناطق الفارغة»، خصوصاً في صحراء دول أفريقيا، وسوف يتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة، فـ«العائدون» من «داعش» كارثة تهدد الدول، والإحصائيات تقول إننا أمام 40 ألف مقاتل بعائلاتهم (زوجاتهم وأطفالهم) من دول أوروبا، و«داعش» أعلن من قبل أن «القتال والمعارك ستكون في عقر داركم»... ويتوعّد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» (على حد زعمه) هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) من عام 2001.
وعن أفضل الحلول لمواجهة «العائدين»، أوضح اللواء قشقوش، أن علاج أزمة «العائدين» بالذوبان في المجتمع، وهذا الكلام ليس سهلاً، لأن معظم «العائدين» من الجيلين الثاني والثالث من الأفارقة والعرب، وهم ليسوا أوروبيي الأصل، فأوروبيو الأصل نسبة قليلة جداً، قد يكونون قد دخلوا الإسلام حديثاً، لافتاً إلى أن «بعض المجتمعات مُضطرة لأن تستوعب (العائدين)، مثل السويد والنرويج، لكن في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، الأمر مختلفاً»، مضيفاً: «لا بد من الاستيعاب المجتمعي لـ(العائدين)، وتعديل الفكر السلوكي الإنساني لهم، مشيراً إلى أن (المهاجرين) أيضاً يمثلون إشكالية للدول مثل (العائدين)».
أما عمرو عبد المنعم، فقد فنّد الخيارات المطروحة لمواجهة «المقاتلين العائدين»، إما بالدمج في المجتمع، أو العقاب بالسجن على ما ارتكبوه بهروبهم من دولهم والانضمام لتنظيمات إرهابية وتنفيذ عمليات قتل، أو بالمراقبة، أو بردّهم بالكلية وطردهم وعدم الاعتراف بهم... وفي تصوري أن «الدول لا بد أن تستخدم أياً من تلك الخيارات».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».