إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

إنهاء للتهديد أم دفع نحو «القتال الفردي»؟

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا
TT

إسقاط جنسيات {الإرهابيين العائدين»

عناصر «داعش» في سوريا
عناصر «داعش» في سوريا

فيما عده مراقبون اتجاهاً مستقبلياً للتصدي لخطر «العائدين» من دول الصراعات، تقوم دول أوروبية بتحركات لسحب الجنسية عن «الإرهابيين» مزدوجي الجنسية. هذه الدول ترى أن هذه الخطوات فعالة لإنهاء تهديدات المقاتلين «العائدين»، إلا أن خبراء أمنيين ومختصين في الحركات الأصولية أكدوا أن «سحب الجنسية من (الإرهابيين) ليس عقاباً، بل هو وسيلة لتصدير أزمات جديدة»، موضحين أن «سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى (ذئب منفرد)... والحل الأكثر نفعاً دمجه في المجتمع».

يُشار إلى أن الهزائم الكبيرة التي مُني بها تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق خلال الأشهر الماضية، فرضت ضغوطاً قوية على هؤلاء «المقاتلين»، خصوصاً في ظل إجراءات أمنية مشددة اتخذتها دولهم الأصلية، بهدف منع عودتهم مرة أخرى إليها، على نحو يُمكن أن يهدد استقرارها الأمني، ويزيد من احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها. وبالفعل خطت بعض الدول خطوات لسحب الجنسية من «العائدين». فبلجيكا قررت سحب الجنسية من أي شخص يصدر ضده حكم بالسجن لمدة تزيد على 5 سنوات في أي قضية متعلقة بالإرهاب. وفرنسا اقترحت سحب جواز السفر من الأشخاص المرتبطين بتنظيمات إرهابية، مع ترحيلهم من أراضيها. وأقرّت كل من ألمانيا، وأستراليا، وبلجيكا، وكندا، وهولندا، وسويسرا، سلسلةً من الإجراءات والقوانين تفتح الباب أمام سحب جنسية رعاياها المنضمين إلى تنظيمات إرهابية، لقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلادهم. أما هولندا فقد نزعت بالفعل جنسيتها عن 7 أشخاص في عام 2017. وبريطانيا ألغت جنسية 150 شخصاً منذ عام 2010.

خطر كبير

اللواء الدكتور محمد قشقوش، المحلل العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في مصر، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن سحب الجنسية من الإرهابي يدفعه ليتحول إلى «ذئب منفرد»... صحيح أن المتطرف ترك بلده، وأخذ موقفاً آخر بالانضمام لأحد التنظيمات، لكن عند عودته وسحب الجنسية، من المرجح أن يقوم بعمليات إرهابية بمفرده من دون أي تكليفات من أي تنظيم، وهذا هو الأخطر، لأن دولته الأم في هذا الوقت ستكون من وجهة نظره عدواً له، لافتاً إلى أن «سحب الجنسية من العائد للوطن الأم تصدير للأزمة إلى جهة أخرى، مثل القضاء».
وتحفّظ عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أيضاً، على إجراءات بعض الدول بسحب الجنسية من «الإرهابيين»، مؤكداً أن سحبها ليس حلاً، وأمراً غير مؤثر، لأن «المتشدد» بعيد كل البعد عن فكرة الإيمان بأمر الجنسية أو الوطن، فهو مؤمن بـ«الأمة»، و«الخلافة»، و«المرجعية الدينية» لكل شيء، ومن ثم «سوف تجد أن فكرة سحب الجنسية ليست عقاباً له، بل هي تكئة يحفظ بها وجوده في أي مكان بالدول الغربية، عبر استغلاله لقوانين هذه الدول، التي تحترم الجنسية».
وقال عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط» إن سحب الجنسية من الإرهابي ليس عقاباً له، بل وسيلة لتصدير أزمة من قبل «الإرهابيين» لدول أخرى، النرويج مثلاً سلمها العراق 12 «إرهابياً» وتدرس الآن إسقاط الجنسية عنهم، مضيفاً أن الإرهابي سوف يتحول لـ«ذئب منفرد» ويفكّر في القيام بعملية إرهابية قد تُحدث فوضى، لذلك فـ«الجهاد الفردي» أخطر من المواجهات الجماعية... وتنظيم «داعش» وصل الآن إلى مرحلة قتال «العملية الجهادية الواحدة» عن طريق «ذئب منفرد»، وقتال «العملية الواحدة» إما يكون عبر تعليمات مباشرة لعناصر التنظيم بالتنفيذ، أو عبر تعليمات غير مباشرة بأن يقوم بها «الانفرادي» عندما تكون الظروف متاحة له في الدولة التي يقيم بها، أو من خلال التجنيد اللحظي، عبر ترصُّد شخص مُعين وإقناعه بأفكار التنظيم ليقوم بتنفيذ عملية إرهابية.

خلايا نائمة

الكلام السابق اتفَقَ مع دراسة حديثة لمركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة» في أبوظبي، أكدت أن «قوى اليمين في أوروبا أيدت سحب الجنسية من (الإرهابيين)، لا سيما بعد تصاعد عدد (الإرهابيين) من مزدوجي الجنسية، الذين كثيراً ما يتم استقطابهم من جانب المجموعات الإرهابية، وإقناعهم بالعودة إلى دولهم الأصلية بهدف زرعهم كـ«خلايا نائمة» قد تقوم بعمليات إرهابية مستقبلية... ومن ثم يؤكد البعض أن «هذه القرارات لا تمس سوى المقاتلين الأجانب مزدوجي الجنسية، لدفعهم إلى الرحيل لبلدانهم الأصلية».
المراقبون قالوا إنه حال تضييق الغرب على عناصر «داعش» سوف تنحصر مهمتهم في تجنيد عناصر جديدة... وقد يظن البعض أن رجوع عناصر التنظيم لدولهم قد يُثنيهم عن تطرف أفكارهم وإعلان التوبة، لكنهم للأسف يتسللون ويتخفّون لإيجاد مناخ يناسب تكتيكهم العسكري المتطرف.
فـ«العائدون» مصطلح شهد تغيّراً كبيراً بعد هزيمة «داعش» في سوريا والعراق، فقد كان يُطلق في البداية (قبل هزيمة التنظيم) على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته ثم سرعان ما اكتشفوا (بعد انضمامهم إليه أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم). وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق أصبح المُصطلح يحمل معنى مغايراً تماماً؛ إذ لا يُمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء «العائدون» لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟ وقد أعربت كثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء «المقاتلين العائدين».
وقال المراقبون إن «بعض هؤلاء المقاتلين كانوا يتولون مهام رئيسية داخل تنظيم (داعش) لقدراتهم القتالية والتنظيمية الكبيرة، خصوصاً في العمليات الانتحارية، أو الانغماسية، التي يكون الهدف منها الإيقاع بأكبر عدد من الخسائر البشرية».
دراسة «مركز المستقبل» قالت إن اليسار الأوروبي عارَض إجراءات التجريد من الجنسية، انطلاقاً من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يؤكد الحق في امتلاك الجنسية، فضلاً عن اتفاقية صادرة عن الأمم المتحدة عام 1961 حظرت سحب الجنسية في الحالات التي يؤدي فيها سحبها إلى ترك الشخص بلا هوية.
وتساءلت الدراسة نفسها: هل تساعد إجراءات التجريد من الجنسية في تحجيم الإرهاب بأوروبا؟! وأجابت: «هُنا تبرز أطروحات تؤكد أن إجراءات نزع الجنسية عن (الإرهابيين) تمثل خطراً على الأمن العالمي، حيث سيبقون طُلقاء بعيدين عن مراقبة الأمن المحلي، كما أن الآراء التي تطالب بنزع الجنسية عن المواطنين الأوروبيين (الإرهابيين) تعني أن يتم إرسال التهديدات لدولة أخرى».

المناطق الفارغة

عبد المنعم حذّر من أنه حال سحب الجنسية من الإرهابي، فسوف يذهب إلى «المناطق الفارغة»، خصوصاً في صحراء دول أفريقيا، وسوف يتعامل مع الموقف بطريقة مختلفة، فـ«العائدون» من «داعش» كارثة تهدد الدول، والإحصائيات تقول إننا أمام 40 ألف مقاتل بعائلاتهم (زوجاتهم وأطفالهم) من دول أوروبا، و«داعش» أعلن من قبل أن «القتال والمعارك ستكون في عقر داركم»... ويتوعّد «داعش» الغربيين دائماً بهجمات «تنسيهم» (على حد زعمه) هجمات نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) من عام 2001.
وعن أفضل الحلول لمواجهة «العائدين»، أوضح اللواء قشقوش، أن علاج أزمة «العائدين» بالذوبان في المجتمع، وهذا الكلام ليس سهلاً، لأن معظم «العائدين» من الجيلين الثاني والثالث من الأفارقة والعرب، وهم ليسوا أوروبيي الأصل، فأوروبيو الأصل نسبة قليلة جداً، قد يكونون قد دخلوا الإسلام حديثاً، لافتاً إلى أن «بعض المجتمعات مُضطرة لأن تستوعب (العائدين)، مثل السويد والنرويج، لكن في فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، الأمر مختلفاً»، مضيفاً: «لا بد من الاستيعاب المجتمعي لـ(العائدين)، وتعديل الفكر السلوكي الإنساني لهم، مشيراً إلى أن (المهاجرين) أيضاً يمثلون إشكالية للدول مثل (العائدين)».
أما عمرو عبد المنعم، فقد فنّد الخيارات المطروحة لمواجهة «المقاتلين العائدين»، إما بالدمج في المجتمع، أو العقاب بالسجن على ما ارتكبوه بهروبهم من دولهم والانضمام لتنظيمات إرهابية وتنفيذ عمليات قتل، أو بالمراقبة، أو بردّهم بالكلية وطردهم وعدم الاعتراف بهم... وفي تصوري أن «الدول لا بد أن تستخدم أياً من تلك الخيارات».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».