معاناة مزدوجة لألمانيا بين تطرف يميني وتشدد أصولي

رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه  بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
TT

معاناة مزدوجة لألمانيا بين تطرف يميني وتشدد أصولي

رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه  بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)
رجال شرطة ألمان أمام مسجد الرحمن في برلين بعد توقيف بعض مرتاديه بشبهة التورط في أنشطة إرهابية قبل بضع سنوات (إ.ف.ب)

هل هو قدر مقدور في زمن منظور أن تعاني ألمانيا من تطرفين مزدوجين في الوقت ذاته: تطرف يميني يكاد يضحي سلاح دمار شامل ضد أوروبا بأكملها وليس ألمانيا فقط من جهة... وتيارات أصولية ذات صبغة إسلاموية تسعى لاختراق مؤسسات البلاد الكبرى كافة؟
قبل الجواب، ربما ينبغي الإشارة إلى أن إشكالية العنصرية لم تغب عن سماوات ألمانيا، دائماً وأبداً؛ جرى ذلك قبل ثمانية عقود وأزيد، حين تسربت الأفكار النازية إلى الداخل الألماني، وقد رأى البعض أنها ضرب من ضروب القصاص التاريخي الذي حاول أن ينتقم من الإذلال الذي تعرضت لها ألمانيا، والاتفاقيات المجحفة التي فرضت عليها بعد الحرب العالمية الأولى، وكان ما كان من شأن صعود وارتقاء تلك النازية، من حرب عالمية لم تبقِ أوروبياً أو عالمياً على الزرع أو الضرع، وفاق ضحاياها أكثر من سبعين مليون نسمة.
وتاليا، بدا وكأن هناك نوعاً جديداً من أنواع العنصرية في الداخل الألماني، نوع ظهر محدده الرئيسي في التعاطي مع الأجانب، هؤلاء الذين بدأوا في التوافد إلى الأراضي الألمانية مع خمسينات وستينات القرن العشرين، وقيض لهم أن ينشئوا مجتمعات ذات طبيعة عرقية ودينية، وقد كان جلهم من تركيا وبعض دول شمال غربي أفريقيا، وقد بدأوا في الشعور بأن الألمان لا يبادلونهم المودة، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، جراء ما حدث من انهيارات بنكية في الولايات المتحدة الأميركية.
على أنه من المؤكد أن قضية اللاجئين الذين ألقت بهم تطورات الأحداث في الشرق الأوسط بعد سنوات ما عرف زيفاً باسم الربيع العربي، قد أفرزت حالة مغايرة من العنصرية غير المسبوقة في الداخل الألماني، وأعطت مفاتيح العمل غير الخلاق لجماعات التطرف الألماني المختلفة أسماؤها وأعضاؤها، مثل «بغيدا» ومن لف لفها، وبدا وكأن ألمانيا أمام قصة مغايرة من قصص العنصرية التي تواجهها أصولية؛ وكلاهما لن يضيف إلى ألمانيا إلا المزيد من الانهيار الإنساني والمخاوف الأمنية.
والشاهد أن ذلك التيار اليميني العنصري قد ارتفع مده وحده إلى درجة غير مسبوقة أظهرتها استطلاعات رأي معاصرة. فعلى سبيل المثال، أشار استطلاع للرأي أجرته جامعة «لاينبرغ» الألمانية إلى أن ثلث الألمان يؤيدون شعارات الرفض للأجانب واللاجئين، وارتفعت هذه النسبة إلى النصف في شرق ألمانيا. أما ردود الاستفتاء، فقد بينت أن ظاهرة الرهاب من الأجانب (الإكزنوفوبيا) قد انتشرت منذ سنوات، وأن نسبة عالية من الألمان تطالب بفرض الدور الريادي الثقافي لألمانيا ذات الصبغة والهوية المسيحية، بالقوة لو أمكن. كما بيّن استطلاع الرأي أن 50 في المائة من الألمان يشعرون بأن بلادهم تزدحم بالأجانب، وبأنهم يخشون على المجتمع الألماني من تفكك نسيجه الاجتماعي.
تبدو ألمانيا اليوم قلقة مضطربة جراء ما يحدث فيها، سواء داخل مؤسساتها المدنية أو ما هو موصول بقواتها المسلحة، الأمر الذي أضحى يسبب لها إزعاجاً كبيراً. فعلي سبيل المثال، وفي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، كان اليمين الألماني المتطرف يشكل مجموعات للدفاع الذاتي في مدينة بولاية بافاريا، مجموعات تتخذ من أخطار المهاجرين ومشاكلهم تكأة لإعادة بلورة جماعات لها ميول نازية عنصرية، وقد نشروا صوراً لها على «فيسبوك»، ظهر فيها عدد من أعضاء تلك المجموعات من الحزب الوطني الديمقراطي اليميني المتطرف يرتدون سترات حمراء واقية عليها شعار الحزب، وبدأت هذه المجموعات في تسيير دوريات في الأماكن التي وقعت فيها الاعتداءات قبل احتفالات رأس السنة... ماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مخل، نحن أمام حالة توسع وانتشار لمريدي حزب «البديل من أجل ألمانيا» و«الحزب الوطني الديمقراطي الألماني»، لا سيما أنهما يقدمان أنفسهم وتابعيهم بوصفهم مجموعات الدفاع الذاتي التي تحافظ على الأمن والأمان، في حين أنهما يعززان من حالة التطرف وصعود الأصولية في داخل البلاد.
والثابت أن اليمين الألماني لم يعد خطراً فيما يتصل بوقائع الصدامات داخل المدن الألمانية فحسب، بل بات أثره وتجاذباته واقع حال فيما يخص علاقة ألمانيا أولاً بالاتحاد الأوروبي، وتكاد فعالياته تمضي في أثر «البريكست البريطاني».
وفي يناير الماضي أيضاً، افتتح اليمين القومي الألماني مؤتمراً يهدف لتنظيم حملة لخروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، ويتهم حزب «البديل من أجل ألمانيا» الاتحاد الأوروبي بأنه «أصبح هيكلية غير ديمقراطية، أعدها بيروقراطيون لا يتحلون بكثير من الشفافية، ولا يخضعون إلى مراقبة».
ويطالب الحزب الألماني المتشدد بإجراء إصلاحات عميقة بحلول عام 2024، أي مع انتهاء الولاية البرلمانية الأوروبية المقبلة، ويحذر من أنه في حال لم يتم ذلك «فسيكون من الضروري انسحاب ألمانيا، أو القيام بحل منسق للاتحاد الأوروبي»، وهذا السيناريو أطلق عليه اسم «ديكسيت بالألمانية»، في إشارة إلى دويتشلاند. ويرى رئيس الحزب، يورغ موتين، أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» يريد «اتحاداً أوروبياً أفضل»، وقد هدف المؤتمر بإجمالي أحداثه إلى وضع استراتيجية استعداداً للانتخابات الأوروبية المرتقبة في أواخر مايو (أيار) المقبل.
على أن السؤال المزعج للألمان مؤخراً: «هل قدر لتلك العناصر الحزبية الألمانية المتطرفة اختراق بعض من وحدات الجيش الألماني، لتضحي المخاوف هنا وبنوع خاص أشد هولاً؟
الجواب من واقع وجهة نظر سيسيولوجية بداية يقودنا إلى القول إن القوات المسلحة الألمانية وأفرادها ليسوا استثناء من التطورات الجارية هناك بشكل مقلق للجميع، فهي في كل الأحوال مجتمع مصغر يعكس جميع الأفكار والتوجهات، وكذلك الولاءات والتجاذبات الممزقة للمجتمع الألماني، وما يدور في داخله، وقد أشارت صحف ألمانية كثيرة إلى اكتشافات أفادت بها الاستخبارات العسكرية الألمانية تؤكد وجود عناصر من اليمين الألماني المتطرف داخل وحدات للجيش الألماني.
ولعل الاهتمام الفائق بما يجري في الجيش الألماني قد تبدى قبل نحو عامين، بعد اكتشاف مؤامرات يرتب لها ضباط ألمان يميلون للأفكار النازية المحظورة، ويحاولون إلصاقها بعدد من المهاجرين من الشرق الأوسط، الأمر الذي كشفته مجلة «ديرشبيغل» الألمانية الشهيرة، بعد نشرها صوراً لجنود ألمان قاموا برسم رموز نازية على جدران بعض الوحدات السكنية في معسكرات بها جنود ألمان في ثكنة «الكيغش»، في شمال فرنسا من جهة، وأخرى في الجنوب الغربي من ألمانيا.
ومن ناحية ثانية، لم يقتصر الأمر على صور الجدران، بل تخطاها إلى وجود مسدسات وخوذات وميداليات عسكرية نازية. أما وكالة الأنباء العالمية «رويترز»، فقد نقلت عن الناطق باسم وزارة الدفاع الألمانية قوله إن المواد التي عثر عليها لم تحتوِ على رسوم للصليب المعقوف، وإن كانت قد وجدت علامات أخرى قريبة الشبه من الانتماء النازي.
أما الهول الأعظم فيما يخص التطرف الألماني المسلح، فقد أفردت مجلة «فوكوس» الألمانية أخباره في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك حين كشفت إدارة التحقيقات الجنائية الاتحادية الألمانية عن مؤامرة كانت تحضر داخل صفوف الجيش الألماني للقيام بعمليات اغتيال لشخصيات ووجوه سياسية في البلاد.
المعلومات المتاحة تشير إلى أن المخططين هم مجموعة من عسكريين في الجيش الألماني، بالإضافة إلى عسكريين في القوات الخاصة الألمانية، ومجموعات عسكرية متخصصة أخرى... ماذا كانت ملامح خطة عسكر ألمانيا من المتطرفين؟
لا تتبدى خطورة الحدث فقط من مجرد التخطيط العسكري، رغم فداحة المشهد، بل الأسوأ والأخطر معاً هو أن المجموعة اعتبرت أن الدولة الألمانية أصبحت على حافة الانهيار، وأنه لا بد من بديل يكون جاهزاً لتسلم البلاد، وقد استطاع هؤلاء جمع أسلحة مختلفة ومواد بنزين خصيصاً ليوم الانقلاب بالتحديد.
وفي المقابل... كما ينتشر التوجه الألماني المتطرف في السياقين المدني والعسكري، كذلك تجري الأحداث في البلاد من الإسلامويين في المؤسسات ذات الصبغة الأهلية، ومن دون أن يغفلوا تسريب عناصرهم في داخل صفوف الألمان أنفسهم على الجانب العسكري، مما يجعل المخاوف هائلة والخسائر مضاعفة. ويمكن للمتابع لشؤون ألمانيا أن يرصد ما يشبه الصحوة الألمانية تجاه المؤسسات الإسلاموية على الأراضي الألمانية، لا سيما تلك التي ترعاها تركيا، والمرتبطة ارتباطاً جذرياً وثيقاً بالإخوان المسلمين.
ولا يغيب عن أعين المحلل السياسي وثيق الصلة بما يحدث على الأراضي الألمانية أن هناك تاريخاً طويلاً للحضور الأصولي في ألمانيا، حضور يسبق الحرب العالمية الثانية، وقد قام الكاتب الصحافي إيان جونسون بتضمين كتابه «مسجد في ميونيخ» أبعاد ما جرى، وكيف أن النازية قد تلاعبت بالقوى الإسلاموية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمين في صراعها مع الجانب الروسي قبل عقود طوال.
وتجددت الروح الأصولية الإسلاموية في الداخل الألماني مرة جديدة بعد اكتشاف خلية هامبورغ، تلك التي كانت تقف وراء حادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، أي هجمات نيويورك وواشنطن، بقيادة الانتحاري محمد عطا، وبلغ الأمر منتهاه مع وصول وتسرب عناصر من «داعش» وبقية الجماعات المتطرفة إلى الداخل الألماني، ضمن عشرات الآلاف من المهاجرين في الأعوام الأخيرة.
ومؤخراً، بدا وكأن أجهزة الأمن والاستخبارات الألمانية تقف بالمرصاد للمؤسسات والجمعيات الإخوانية، وإن اتخذت لها ستاراً من العمل المدني، غير أن ما لم يكن في الحسبان هو اكتشاف اختراقات لمتطرفين إسلامويين لقوات الجيش الألماني على حد سواء... ماذا عن هذا؟
وفي أوائل فبراير (شباط) الماضي، كشفت إحصائيات للاستخبارات العسكرية الألمانية عن ارتفاع حالات الاشتباه، فيما يتعلق بالتطرف الإسلاموي داخل صفوف القوات المسلحة الألمانية. ولاحقاً، كانت صحف مجموعة «فونكه» الألمانية الإعلامية تشير إلى اكتشاف وجود 3 عناصر شديدة الخطورة داخل الجيش الألماني، وقد تم اتخاذ إجراءات تأديبية بحقهم، وغالبيتهم غادروا صفوف القوات المسلحة مطرودين من الخدمة. ما الذي يريده هؤلاء بانضمامهم إلى معسكرات الجيش الألماني؟
قد يكون الجواب مثيراً وخطيراً في الوقت ذاته، ذلك أن هناك دوائر إسلاموية في ألمانيا على علاقة وثيقة بالتطرف الأصولي في العالم العربي والإسلامي، دوائر تريد لعناصرها الالتحاق بالجيش الألماني لتلقى تدريبات عالية المستوى، أولئك المعروفين باسم «المجندين على المدى القصير»، وهؤلاء عادة ما يضحون «خميرة شر» جاهزة للانتقال إلى أماكن أخرى حول العالم، لنشر شرورهم المجانية، وإشاعة إرهابهم الآثم.
ما يجري على الأراضي الألمانية، من تطرف يميني واختراق أصولي إسلاموي، أمر شديد الخطورة والوعورة، يتوجب الانتباه له عربياً وشرق أوسطياً في الحال والاستقبال.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».