مأكولات الريف المصري تفتح شهية سكان العاصمة

المشلتت والكشك والخبز الصعيدي الأكثر شهرة

مأكولات الريف المصري تفتح شهية سكان العاصمة
TT

مأكولات الريف المصري تفتح شهية سكان العاصمة

مأكولات الريف المصري تفتح شهية سكان العاصمة

تحولت أطعمة ومنتجات الريف الفلكلورية إلى أكلات شوارع منتشرة على أرصفة العاصمة المصرية، ولاقت الأطعمة التقليدية التي تشتهر بها قرى الريف المصري إقبالا كبيرا بسبب جودتها وتميزها بنكهة تحافظ على أصالتها التاريخية.
ويبدو مشهد الفلاحات اللاتي يجلسن يوميا منذ الصباح الباكر على أرصفة شوارع وسط القاهرة وبجوار محطات مترو الأنفاق الرئيسية لافتا، إذ يفترشن الأرض بمنتجاتهن التي يتم تحضيرها في المنازل بقراهم النائية التي تقع على أطراف العاصمة.
وتجذب منتجات الريف وأطعمته الفلكلورية الكثير من المصريين في العاصمة، وتتنوع ما بين الفطير البلدي «المشلتت» والجبن «القريش» والجبنة القديمة، وأنواع مختلفة من الخبز المصنع منزليا على أفران القرى التقليدية المبنية من الطين، والرقاق، والسمن البلدي، و«المفتقة»، والكشك، والبيض البلدي، إضافة إلى العديد من المنتجات المنزلية، كما يقمن بتجهيز بعض أنواع الخضراوات ووضعها في أكياس بلاستيكية كي تكون سهلة الطهي، إذ أن الكثير من زبائنهن نساء عاملات وموظفات لا يجدن الوقت الكافي لتجهيز بعض الأكلات، ويقمن بإعداد أنواع مختلفة من المحاشي، منها محشي ورق العنب، و«الكرنب»، و«الباذنجان»، حيث يتم تجهيز خلطتها وتكون محشوة وجاهزة للطهي.

الفطير المشلتت
يعد الفطير الفلاحي «المشلتت» الذي يطلق عليه البعض «البيتزا المصري» من أكثر منتجات الريف الفلكلورية شهرة، وهو عبارة عن رقائق خفيفة متعددة مغلفة بالسمن الفلاحي «الزبدة»، وتصنع رقائقه من الدقيق الأبيض غير المختمر، وتفرد لتصبح رقيقة للغاية، وكلما زادت رقتها وكثرت طبقاتها صارت أكثر جودة، وتدهن بالزبدة حتى لا تلتصق ببعضها، وتطهى حتى يتحول لونها إلى الذهبي في الفرن الفلاحي التقليدي المصنوع من «الطين» والذي ما زال سكان القرى يستخدمونه، ويؤكل الفطير منفردا أو مع بعض الإضافات الأخرى التي تعطيه نكهة مختلفة، حيث تتم إضافة الجبنة القديمة على سطحه، أو العسل الأسود مع الطحينة أو العسل الأبيض.

الجبن القريش
يصنع الجبن القريش من الحليب الطازج بطريقة بدائية تتوارثها الفلاحات منذ سنوات، ولا تنتج إلا في القرى، حيث يتم وضع اللبن فيما يعرف بـ«القربة» وهي آنية من جلد الحيوانات المعالج بالملح، ويتم دفع «القربة» التي تعلق على بعض القوائم الخشبية، فيؤدي الدفع المتكرر في خط مستقيم إلى فصل الجبن عن السمن، ثم توضع لنحو يومين في إناء بلاستيكي خشن كي تصفى من السوائل العالقة، وبعدها تتم إضافة الملح الخفيف لتصبح جاهزة للأكل وطازجة.

الجبنة القديمة
الجبنة القديمة من أشهر أنواع الجبن المصري، وتصنع من الجبن القريش، لكنها تمر بمراحل تجهيز إضافية تمتد لعدة شهور كي تكتسب مذاقها المالح، حيث تنقع في السوائل الأولية التي صفيت منها خلال فصلها عن الحليب، ويضاف إليها الملح والفلفل الحار والحلبة، وتترك داخل وعاء خزفي كبير الذي يطلق عليه أهالي القرى «البلاص أو الزلعة» لعدة شهور حتى تتشبع بكافة الإضافات ويتحول لونها من الأبيض إلى الأصفر.

الكشك
تقوم الفلاحات بصناعة «الكشك» من القمح الذي يتم غليه ثم يطحن ويعجن مع الحليب الصافي، ويضاف للخليط الملح والكمون ليضفي عليه نكهة، ويترك يومين ليختمر، ثم يقطع إلى قطع دائرية كروية صغيرة، ويترك في الشمس فوق سطح المنزل ليومين إضافيين حتى يجف تماما. ويتم تناول «الكشك» بطريقتين، حيث ينقع في الماء حتى يلين، ويتم تحميره بالسمن البلدي، وأحيانا يضاف إليه البيض خلال التحمير.
وتعرف الطريقة الثانية بـ«كشك الألماظية» وهي أكلة مصرية تاريخية شهيرة، حيث ينقع في الماء ثم يضاف إليه حساء اللحم أو الدجاج والقليل من الدقيق ليصبح أكثر كثافة، ويضاف الخليط ساخنا إلى الخبز المحمص ويوضع عليه الصلصة الحمراء والأرز المحمر وبعض شرائح البصل المحمرة والمقرمشة.
الرقاق
الرقاق هو نوع من الخبز الأبيض الرقيق، ويكون إما محمصا أو لينا، ويصنع من طحين القمح النقي الأبيض والملح والماء، ويعجن جيدا ويفرد بعصي خشبية أسطوانية تسمى «النشابة» ويدخل الفرن الطيني التقليدي لينضج.ويستخدم الرقاق كمكون رئيسي في صناعة العديد من الأطباق الشهيرة، حيث يمكن إعداده بوضع اللحم المفروم المطهو مع حلقات البصل والفلفل الحار الملون والتوابل، وتوضع طبقات عديدة منه يتخللها مكونات حشوة اللحم، وتدهن كل طبقة بالزبدة واللبن والبيض بكثافة، ثم يدخل إلى الفرن لينضج.

أنواع الخبز المختلفة
يشتهر الريف المصري بالعديد من أنواع الخبز المختلفة التي تتم صناعتها منزليا وتسويتها داخل الأفران الطينية التقليدية، أشهرها الخبز الفلاحي والذي يختلف عن الخبز الذي يباع بالمدن والذي يتم تصنيعه في أفران آلية في جودة القمح المستخدم وحجمه ووزنه الكبير.
كما يعد خبز «البتاو» الذي يطلق عليه «الخبز الصعيدي» أحد أشهر منتجات القرى التي تصنع في المنازل، ويصنع من طحين الذرة، ويكون عبارة عن رقائق من الخبز ذات اللون الأصفر ويشبه كثيرا رقائق «الكريب»، لكنه يكون محمصا وليس لينا، ويتكون من طحين الذرة ونسبة محدودة من طحين القمح والحلبة الصفراء والملح والماء، ولا يتم تخمير مكوناته كما يحدث مع أنواع الخبز الأخرى، ويفرد الخليط على مسطحات من جريد النخيل، ثم يدخل الفرن البلدي فيخرج لينا، ويتم تحميصه بعدها، ويشتهر بتناوله مع أنواع الجبن المختلفة.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».