السعودية: الاعتراف الباطل بمشروعية احتلال أراضي الغير رافدٌ مهمٌ للإرهاب

طالبت بمكافحة الجذور الفكرية المتطرفة... وتصنيف ميليشيا الحوثي و«حزب الله» تنظيمات إرهابية

TT

السعودية: الاعتراف الباطل بمشروعية احتلال أراضي الغير رافدٌ مهمٌ للإرهاب

أكدت السعودية أن احتلال أراضي الغير والاعتراف الباطل بمشروعية هذا الاحتلال، يشكل رافداً مهماً من روافد الإرهاب، ووسيلة لدعمه وإفساح المجال له، مبينة أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن تنسجم مع أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى إذكاء مشاعر المظلومية ورفض الاحتلال، ومجددة إدانتها لجريمة قتل المسلمين الأبرياء في نيوزيلندا التي تعد واحدة من أسوء الجرائم الإرهابية التي ضربت ضمير العالم.
وشددت السعودية، في كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي تحت بند «تهديدات السلم والأمن الدوليين الناتجة عن الأعمال الإرهابية ومكافحة تمويل الإرهاب»، التي ألقاها مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي، على أن المحطة الأولى في مكافحة الإرهاب يجب أن تنطلق من مكافحة الجذور الفكرية والعقدية في كل المجتمعات، وإدراك أن الإرهاب لا ينتمي إلى عرق أو دين أو جنسية، وأهابت بمجلس الأمن بالبدء في مناقشة تصنيف ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وميليشيا «حزب الله»، بكونهما تنظيمات إرهابية مع إنشاء لجنة عقوبات تعنى بذلك.
وأعرب المعلمي عن شكره لمجلس الأمن لاتخاذ المبادرة نحو عقد هذه الجلسة حول ما يشكله الإرهاب من تهديد للأمن والسلم الدوليين، وما يمثله تمويل الإرهاب من شريان يغذي الإرهاب ويشد من أزره ووطأته.
وقال «إن هذه الجلسة تأتي في ظل واحدة من أدنأ العمليات الإرهابية التي ضربت ضمير العالم، وهي جريمة قتل المصلين المسلمين الأبرياء في مسجدين في نيوزيلاندا، ورغم آهات الألم التي تعتصرنا جراء هذه الجريمة البشعة، إلا أننا يجب أن نقف احتراماً لنيوزيلاندا شعباً وحكومة الذين فاضت مشاعرهم حباً وتعاطفاً وتلاحماً، كما نحيي مسلمي نيوزيلاندا الذين تفاعلوا مع هذه المشاعر بحب متبادل يسمو على الجراح، ويؤكد سماحة الإسلام التي أراد أن يغتالها مجرم نكرة فارتدت إليه خذلاناً وخيبةً».
وأشار مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة إلى أن جريمة نيوزيلاندا أكدت للجميع أن الإرهاب يمكن تمويله بالأموال الطائلة، ويمكن أيضاً أن يموّل بقدر يسير من الموارد، منوهاً بأن «إرهاب نيوزيلاندا، كما هو إرهاب الخليل الذي قتل المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي، كما هم إرهابيو (داعش)، كلهم ينهلون من نبع واحد هو نبع الكراهية وإنكار الآخر».
وأضاف المعلمي: «لقد عانت بلادي، كما عانت كثير من الدول والمجتمعات من الإرهاب، ولذلك سعت إلى اجتثاثه بوسائل عدة، كان منها محاربته أمنياً في كل مكان وموقع، حيث اشتركت المملكة العربية السعودية في الحرب على (داعش)، وتصدت لـ(القاعدة) في اليمن، وواجهت وما زالت تواجه مؤامرات (حزب الله) في سوريا واليمن وغيرها من المواقع»، مشيراً إلى أن محاربة الإرهاب تقتضي حتماً تجفيف مصادر تمويله، ولذلك أعلنت المملكة أنه لا مجال للتسامح مع ممارسات مشبوهة تقوم بها بعض الدول بحجج وذرائع واهية لدعم التطرف السياسي الذي هو مقدمة الإرهاب والمدخل إليه، مبيناً أنه في هذا السياق، انضمت المملكة إلى كل العهود والمواثيق، وشاركت في كل المؤتمرات التي تهدف إلى محاصرة تمويل الإرهاب وتضييق الخناق عليه، وكان بين ما قامت به المملكة إنشاء مراكز للمناصحة والرعاية ومركز لمواجهة الحرب الفكرية.
وتابع: «كما كانت المملكة سبّاقة في مواجهة موجة جديدة تمثّلت في تطور الآلة الإرهابية في تجنيد الإرهابيين، وتمويلهم، وتحريضهم عبر الفضاء الإلكتروني، حيث أنشأت المملكة في عام 2017 مركز (اعتدال) لمكافحة الفكر المتطرف، كما بادرت إلى تأسيس مركز استهداف تمويل الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الشقيقة في الخليج العربي، وأنشأت التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وتمويله، وعلى الصعيد الدولي تم تأسيس مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بتمويل ومبادرة من المملكة العربية السعودية».
وأكد مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة، «أنه إذا ما أردنا أن نهزم الإرهاب، فيجب أن نؤمن جميعاً بأن أي تهديد إرهابي يطال أي بلد يمثل تهديداً لجميع بلداننا، وعلينا أن نتجاوز النظرة الضيقة لمصالحنا دون اعتبار لمصالح وأمن بقية البلدان»، مشيراً إلى أن الشفافية والوضوح في التعاون يعدان أساساً للنجاح في القضاء على الإرهاب.
وأضاف: «إن من أهم الأمثلة المتميزة في التعاون الدولي هو قيام مجلسكم الموقر بإنشاء لجان عقوبات على تنظيمات إرهابية مثل (القاعدة) و(داعش)، إدراكاً منكم لخطرهما وتهديدهما للسلم والأمن الدوليين، ورغم أن خطر (داعش) و(القاعدة) ما زال قائماً، ومقاتلي التنظيمين ما زالوا موجودين في دول ومناطق عدة، سواءً بشكل منظم أو منفرد، إلا أن هذه التنظيمات في انكماش وضعف وتراجع، لا سيما فكرياً وعسكرياً»، مشيراً إلى أنه لا بد أن نبين أن هناك تنظيمات أخرى لا يقل خطرها وتهديدها عن خطر تنظيمات «داعش» و«القاعدة»، وتشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ومنها جماعة الحوثي المسلحة وميليشيا «حزب الله»، الذي وصلت نشاطاته إلى جميع القارات، والمجموعتان تعملان بشكل لصيق تحت حماية إيران وبدعم منها.
وأشار إلى أن سياسة المملكة في مكافحة الإرهاب وتمويله ترتكز على تكثيف التعاون الدولي، حيث إن من أهم التحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية هي احتمالات تسرب مجموعات أو أفراد من المقاتلين الأجانب لبلدانهم دون علم مسبق بخلفياتهم، ولذلك نادت الأجهزة المختصة بالمملكة العربية السعودية مبكراً بضرورة مشاركة وتبادل بيانات الملتحقين بالقتال مع التنظيمات الإرهابية في الخارج، حيث قامت المملكة بمشاركة تلك البيانات مع الجهات ذات العلاقة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم