بعض عوائل «داعش» سجلوا أسماء ذويهم كمفقودين في غرق عبّارة الموصل

عبد المهدي يمنح صلاحياته لرئيس خلية إدارة الأزمة في محافظة نينوى

TT

بعض عوائل «داعش» سجلوا أسماء ذويهم كمفقودين في غرق عبّارة الموصل

كشف قائد عمليات نينوى اللواء نجم الجبوري أن بعض عوائل تنظيم داعش سجلوا أسماء ذويهم كمفقودين في غرق عبّارة الموصل. وقال الجبوري في تصريح متلفز أمس إن «عدداً من عوائل «داعش» سجلوا أسماء أبنائهم كمفقودين في العبارة، لكننا وجهنا الأجهزة الأمنية بالتدقيق الكامل بشرط أن يثبت الشخص وجود أحد ذويه في العبارة». وأضاف أن «هناك أوامر قبض صدرت بحق قسم من المسؤولين، وقد ألقي القبض عليهم». وفي السياق نفسه أكد الجبوري أن «خلية الأزمة في نينوى سوف تختار الأسبوع المقبل محافظاً لنينوى»، مبينا أن «خلية الأزمة تسلمت الصلاحيات الكاملة المخولة للخلية». وفي الوقت الذي أعلن رئيس الوزراء، العراقي عادل عبد المهدي، سحب يد محافظ نينوى المقال، نوفل العاكوب، فقد أصدر أمراً يمنح صلاحياته لرئيس خلية إدارة الأزمة في محافظة نينوى، مزاحم الخياط. وبينما طعن المحافظ المقال من قبل البرلمان في قرار إقالته أمام المحكمة الاتحادية بوصفه غير قانوني، أعلن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي يرأسه عبد المهدي نفسه، أنه اطلع على مجريات التحقيق بشأن غرق العبّارة يوم الحادي والعشرين من مارس (آذار) الحالي والتي راح ضحيتها أكثر من 120 مواطناً، ولا يزال البحث جارياً عن نحو 50 جثة أخرى لم تتمكن فرق الإنقاذ من إخراجها من قاع النهر. وقال بيان لمكتب عبد المهدي، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «المجلس استعرض الإجراءات الأخيرة في محافظة نينوى وما رافقها من إقالة المحافظ وتكليف خلية أزمة بتصريف شؤون المحافظة، منعاً لحصول أي فراغ أمني أو خدمي يضر بأهلنا في الموصل». وأضاف أنه «تابع بعناية بالغة ما الت إليه التحقيقات في حادث العبّارة الذي ذهب ضحيته العشرات».
في غضون ذلك، استمر تبادل الاتهامات بشأن حادثة العبّارة بين عدد من أعضاء البرلمان عن محافظة نينوى وحركة «عصائب أهل الحق» بشأن مسؤولية مستثمر المدينة السياحية في الموصل. وفيما اتهمت حركة العصائب أعضاء حماية النائب أحمد الجبوري بعمليات تهريب النفط، نفى الجبوري من جهته هذه الاتهامات. وقال في بيان اطلعت عليه «الشرق الأوسط» إن «ما تحدث به رئيس كتلة صادقون في البرلمان، عدنان فيحان، بشأن قيامهم بتهريب النفط أمر غير صحيح» مبيناً أن «حشد فرسان الجبور الذي ظهر فيه عدد من هؤلاء المقاتلين الذين تم إيقافهم من قبل مفرزة أمنية بعد مشادة كلامية، يرتبط بقيادة عمليات نينوى الحشد الشعبي وهو من أفضل الحشود ولَم يؤشر عليه أي مؤشر سلبي، وسنقوم بكل ما يلزم للدفاع عنهم بكل الطرق القانونية المتاحة».
من جهته قال القيادي في حزب «للعراق متحدون» ومحافظ نينوى السابق أثيل النجيفي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «بصرف النظر عن الجدل المستمر بشأن الحادث المشؤوم فإن هناك إجراءات لا بد من حسمها بطريقة صحيحة». وأشار إلى أنه «ينبغي حسم الجدل بشأن محاولات الاعتراض التي يقوم بها المحافظ المقال على قرار الإقالة، وفتح المجال أمام لجنة خلية الأزمة للعمل دون معوقات». وأضاف النجيفي أنه «سيفتح الباب أمام الموظفين لتخليص أنفسهم واتهامه بالضغط عليهم لتمرير ملفات الفساد، فضلاً عن سهولة عودة الموظفين الذين أقصاهم المحافظ المقال، إلى مناصبهم».
من جهتها أكدت محاسن حمدون عضو البرلمان عن محافظة نينوى، أن «اختيار محافظ جديد لنينوى سيكون من خلال توافق جميع ممثلي المحافظة في البرلمان لضمان عدم بيع المنصب أو مجيء شخص فاسد يهيمن مرة أخرى على مقدراتها». وأضافت حمدون أن «ما مرت به نينوى ليس بقليل ولن نسمح بتكراره لأن أبناء المحافظة عانوا الكثير، وعلينا أن نكون اليوم السند لهم للنهوض بواقع المحافظة وأهلها بعيداً عن المصالح الضيقة وحيتان الفساد». وأضافت أن «تكاتف نواب المحافظة مع الشخصيات الوطنية فيها سيقطع دابر الفساد ولن يسمح بهيمنة الفاسدين من جديد على مقدراتها». وأكدت حمدون أن «مجلس النواب كان في نيته المضي بحل مجلس المحافظة في جلسة التصويت على إقالة المحافظ، لكن رئيس البرلمان رأى عرض الموضوع على الجهات القانونية للاستيضاح عن إمكانية المضي بهذا الإجراء وبانتظار الإجابة من الجهات القانونية على السؤال».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.