يبدو أن عمالقة تقنية المعلومات وجدوا ملعباً جديداً لإظهار مهاراتهم التكنولوجية الإبداعية، إذ شرعوا في اقتحام ميدان الخدمات المالية على نحو واسع. فبطاقة الائتمان التي أطلقتها شركة «آبل» هذا الأسبوع بالتعاون مع «غولدمان ساكس» و«ماستر كارد» تشكل، بالنسبة للخبراء والمتابعين، فرصة نمو للطرفين معا. فمئات الملايين من مستخدمي «الآيفون» يسيلون لعاب «غولدمان ساكس» لأنهم في الغالب الأعم من فئات الشباب الميسورين والراغبين دائما بكل جديد تكنولوجي ومالي معا.
وأكد خبراء قطاع تقنيات المعلومات أن شركات التكنولوجيا يقتحمون الآن عالم الخدمات المالية بعدما كانوا اقتحموا قطاعات أخرى مثل الإعلام والتوزيع والسياحة والنقل. والبداية اللافتة مع بطاقة الائتمان المنتظر إطلاقها هذا الصيف لمساعدة المستهلكين من حملة «الآيفون» على إدارة محفظة نقودهم اليومية. وأرادت «آبل» هذه الخدمة الآن لإعطاء جرعة لأنشطتها التي بدأت تتأثر بتباطؤ مبيعات الجوالات، وبالتالي تباطؤ الإيرادات منها، وستعوض ذلك من خلال خدمات جديدة أطلقتها هذا الأسبوع وبينها خدمة البطاقة الائتمانية.
«غولدمان ساكس»، من جهته، يرغب في تكبير حصته في التجزئة المصرفية وخدمات الأفراد، لأن هذا القطاع هو الأفضل نمواً بعدما شهد البنك، بسبب الأزمة المالية، تراجعاً في إيراداته المحققة من أنشطته المعهودة، لا سيما الإيرادات من الأسواق المالية. وكان أطلق مصرفا رقميا (أونلاين) اسمه «ماركوس» وهو المتخصص بمنتجات وخدمات الادخار والإقراض للأفراد.
ويذكر الخبراء محاولات سابقة على هذا الصعيد، لا سيما بطاقة الائتمان التي أطلقها «جي بي مورغان» مع «أمازون»، علما بأن شركة التجارة الإلكترونية (أمازون) تحضر حاليا لإطلاق خدمة «الحساب المصرفي الجاري أونلاين»، وطلبت من عدة مصارف التقدم بعروض مشاركة في هذا المنتج المالي الجديد. والغرض مزدوج لجهة زيادة فرص الوصول إلى بيانات المستخدمين، كما لجهة خفض العمولات التي تدفعها «أمازون» للمصارف مقابل عمليات الشراء التي تحصل على موقع الشركة.
في المقابل، يرى خبراء أن شركات الإنترنت والتكنولوجيا وتقنية المعلومات لم تستطع بعد تحقيق خرق كبير في جدار الخدمات المصرفية، الذي أصبح أكثر مناعة منذ القواعد والإجراءات الصارمة التي أدخلت على القطاع بعد الأزمة المالية. وهذا ما واجه شركات التوزيع والسوبر ماركات والمتاجر الكبيرة عندما حاولت إطلاق منتجات مصرفية مشابهة أو بطاقات ائتمان بالشراكة مع بنوك.
لكن يشير الخبراء إلى أن تلك المحاولات ستتكرر لأن الجهات غير المصرفية، مثل الشركات التكنولوجية والتجارية ترغب بقوة في خرق هذا القطاع وأخذ موقع محوري فيه لأنه زاخر بفرص مجزية جدا، خصوصا أن تلك الشركات ليست مضطرة للاستثمار في بنى تحتية وفوقية مصرفية، وبالتالي إذا استطاعت تقديم خدمات ومنتجات بنكية ستحقق منها هوامش ربح عالية. كما أن المصارف لا يمكنها ترك فرصة ذهبية تمر أمامها ولا تسعى لاستغلالها، وهي الوصول إلى بيانات المستخدمين والمشتركين في خدمات ومنصات شركات تقنية المعلومات. فتلك البيانات أصبحت الآن منجما ثريا بكل ما يفيد الوصول إلى «بروفايل» أي مستخدم محتمل أينما كان، ولأي شريحة انتمى، وبأي دخل يتمتع.
ويذكر أن هناك حاليا خدمات دفع لدى «غوغل» و«آبل» و«فيسبوك» و«أمازون»، لكن المصرفيين لا يرون في ذلك ما يهددهم بقوة حتى الآن. ويقول مصرفي أميركي عما أطلقته «آبل» مع «غولدمان ساكس»: «لسنا أمام ثورة كما يعتقد البعض. وما قالته شركة آبل لترويج تلك البطاقة يحتاج إلى تدقيق أكثر بما تعنيه الكلمات. فالمسألة عبارة عن بطاقة رقمية موصولة بحساب رقمي في بنك (ماركوس) التابع لـ(غولدمان ساكس). لذا على من يريد استخدام تلك البطاقة أن يفتح حسابا في ذلك البنك الرقمي الأميركي أونلاين أولا، أي أن المنتج أميركي، وفي بنك واحد، والانتشار محدود في هذا النطاق الضيق».
في المقابل، يرى مصرفي آخر أنه لا يجب الاستخفاف بما أقدمت عليه «آبل» لعدة أسباب. أولها أن المصارف الرقمية تنتشر في معظم الدول، والبنوك التقليدية تحاول اللحاق بالثورة التكنولوجية وتخلق لذلك تطبيقات تشمل كل الخدمات. وما من بنك حول العالم لا يعلم عن قوة «آبل وأمازون وفيسبوك» وغيرها من شركات الإنترنت وتقنية المعلومات. كما أن جيل الألفية الذي ولد في كنف الثورة الرقمية لا يتردد في اعتماد الحلول والتطبيقات التي بين يديه في الأجهزة الذكية. ويضيف: «ما يطلق في الولايات المتحدة الأميركية ويجد انتشارا هناك لا يلبث أن يعم العالم لاحقا، والأمثلة على ذلك كثيرة».
ويسأل المصدر: «هل هناك بنك واحد لا يرغب في التعامل مع آبل»؟ فإذا أرادت الشركة اعتماد بنك أو أكثر في كل بلد سيحصل ذلك لها بسهولة، أو أنه سيحصل بشكل تدريجي وصولا إلى الغاية المرجوة في الأمدين المتوسط والطويل. والأمر ينطبق على الشركات العملاقة الأخرى في عالم تقنية المعلومات، لذا نشهد حاليا كيف تسارع البنوك المركزية حول العالم لتطوير وتحديث قواعدها وإجراءاتها للتوافق مع الدفع الإلكتروني بأشكاله المختلفة.
وتختم المصادر المصرفية بالإشارة إلى أن الحلف الجديد بين مصارف «وول ستريت» وشركات «سيليكون فالي» سيشكل انطلاقة جديدة في عالم الخدمات المالية والبنكية. فكما تقود «وول ستريت» أسواق المال العالمية، تقود شركات «سيليكون فالي» العالم الرقمي الشامل حاليا. وما تحالف الجهتين إلا بداية عصر جديد سيفتح له العالم ذراعيه بكل تأكيد.
تحالف «وول ستريت» و«سيليكون فالي» يستهدف تغيير نمط الخدمات المصرفية عالمياً
بداية ثورة في الدفع الإلكتروني بتعاون «آبل» مع «غولدمان ساكس» و«ماستر كارد»
تحالف «وول ستريت» و«سيليكون فالي» يستهدف تغيير نمط الخدمات المصرفية عالمياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة