الاعتداءات في الطفولة تؤدي إلى تغييرات في المخ

الاعتداءات في الطفولة تؤدي إلى تغييرات في المخ
TT

الاعتداءات في الطفولة تؤدي إلى تغييرات في المخ

الاعتداءات في الطفولة تؤدي إلى تغييرات في المخ

لا شك أن الاعتداءات على الأطفال (Child Abuse) تعتبر من أشد الأحداث التي تترك أثراً غائراً في نفسية الطفل وتؤدي إلى كثير من الأعراض الضارة، مثل الانعزال والانطوائية والخوف من الأقران والفشل الدراسي. ويجب أن يعرف الآباء أن هذه الأثار ليست وقتية فقط، ولكن قد تترك آثاراً نفسية تلازم الطفل طيلة حياته، حيث يحدث تغير حقيقي في البناء العضوي للمخ الذي لا يزال في مرحلة التكوين. وربما لا يدرك كثير من الآباء أن الاعتداء يمكن أن يكون نفسياً وعاطفياً وليس بالضرورة اعتداء بدنياً في صورة ضرب مبرح أو صفع أو ما إلى ذلك، بل يمكن أن يكون الأثر الناتج عن الإهانة النفسية أشد ألماً من الإيذاء البدني.
خلل نفسي
جاءت هذه النتائج في الدراسة الحديثة التي قام بها فريق بحثي من جامعة منستر (Munster) الألمانية، ونشرت في منتصف شهر مارس (آذار) من العام الحالي في مجلة «لانست للطب النفسى» (The Lancet Psychiatry). وأشارت إلى أن الاعتداءات المبكرة تزيد من فرص الإصابة بالاكتئاب في البلوغ كما تزيد من نوبات تكراره. كما أن هناك فرقاً بين مرض الاكتئاب في الذين عانوا من الطفولة التعيسة وغيرهم من بقية المرضى.
وتناولت الدراسة عدداً من الأشخاص بلغ 110 تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً من الذين تم حجزهم في مستشفيات الطب النفسي جراء الاكتئاب الشديد، وتم تقييم الحالة حينما كان المرضى محجوزين بالفعل في المستشفيات وأيضاً بعد خروجهم بعامين. كما أجاب جميع المرضى في استبيان عن تعرضهم لاعتداء أثناء فترة الطفولة من عدمه، وخضعوا جميعاً أيضاً لإجراء فحوصات بالرنين المغناطيسي على المخ.
وكانت النتيجة أن هناك نسبة بلغت 75 في المائة من المرضى انتابتهم حالات انتكاسة ونوبات اكتئاب على الأقل مرة واحدة خلال العامين التاليين لخروجهم من المستشفى بواقع 48 شخصاً عانوا من نوبة واحدة، بينما كان هناك 7 أشخاص عانوا من نوبتين وهناك 6 أشخاص انتابتهم 3 نوبات من الاكتئاب، وأخيراً كان هناك 14 شخصاً تعرضوا لكثير من النوبات، وتم اعتبارهم على أنهم مرضى مزمنون بالاكتئاب.
وكان القاسم المشترك في المرضى الذين عانوا من الانتكاسات مهما كان عددها أو تكرارها هو سوء المعاملة في الطفولة، كما أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي أن كلاً من الاعتداءات أثناء الطفولة والنوبات المتكررة للاكتئاب، أسهمت في تقليص مساحة سطح المخ، خصوصاً في منطقة معينة من «القشرة المخية» (insular cortex) الجانب المسؤول عن تنظيم العواطف والأحاسيس والتحكم في الانفعالات في المخ. وهذه التغيرات تشير بوضوح إلى تغير عضوي في خلايا المخ وليس مجرد تأثير نفسي فقط.
تغيرات عضوية
أوضح الباحثون أن التغيرات العضوية في المخ من شأنها أن تزيد من احتماليات تكرار نوبات الاكتئاب. وأضافوا أن الاعتداء على الطفل يعتبر واحداً من أقوى الأسباب المعروفة التي تؤدي إلى هذه التغيرات العضوية، وبالتالي الاكتئاب. وفسر الباحثون لفظ الاعتداء بأنه يشمل «الاعتداء البدني والعاطفي والجنسي والمعاملة السيئة وأيضاً الإهمال»، وأن هذه التغيرات في القشرة المخية تجعل من الشخص غير مستجيب بشكل طبيعي للأحداث التي تدور في محيطه سواء بالإيجاب أو بالسلب ما يزيد من عزلته واكتئابه.
ويعتبر إهمال الطفل من الأمور التي تحدث دون أن يلاحظ الآباء ودون قصد منهم وتكون نتائجها بالغة السوء، ولذلك يجب أن يلتفت الآباء لهذا الأمر، إذ إن مجرد إهمال الطفل وعدم التفاعل الإنساني والعاطفي معه سبب كافٍ لحدوث الاكتئاب له. ومهما كان حجم المسؤوليات والانشغال لدى الآباء يجب عليهم أن يظهروا التعاطف مع الأحداث الصغيرة التي تمر على الطفل؛ سواء السعيدة أو المؤلمة (من وجهة نظر الطفل بطبيعة الحال). وقد يكون ذلك هو الخطأ الأهم الذي يقع فيه الآباء، بمعنى أن مجرد موت طائر خاص بالطفل يمكن أن يسبب له آلاماً نفسية مبرحة والاستهانة بتلك الآلام والسخرية منها تسبب للطفل صدمة نفسية، وكذلك في الانتصارات الصغيرة في لعبة معينة، وما إلى ذلك، حيث يعتبر الآباء أهم الأشخاص الذين يمنحون الدعم النفسي.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الدراسة الحديثة تضيف دليلاً آخر على مدى الهشاشة (fragility) في تكوين خلايا المخ في مرحلة الطفولة وخطورة التأثيرات النفسية عليها، التي قد تترك آثاراً دائمة تؤدي إلى تغيرات وظيفية وعضوية، ولذلك يجب أن تحظى هذه النتائج بالاهتمام الكافي من أجل أجيال أكثر صحة نفسية.
وأوضح الأطباء من الجامعات الأميركية المختلفة أنه على الرغم من أن هناك دراسات سابقة أشارت إلى احتمالية أن تؤدي المعاملة السيئة إلى تغيرات بالمخ، فإن دراسة الفريق الطبي الألماني أثبتت ذلك بالدليل العملي، كما تابعت مسار الاكتئاب. ولكن ينقص الدراسة أنها أغفلت احتمالية الحوادث النفسية المؤلمة في حياة الأشخاص البالغين (بمعنى أن هذه التغيرات قد تكون نتيجة لعدة صدمات نفسية، ولكن يبقى بالطبع سوء المعاملة في الطفولة سبباً مهماً جداً).
وفي النهاية، نصحت الدراسة الآباء بمتابعة الأبناء في فترة الطفولة عن كثب، خصوصاً أن الاعتداء يمكن أن يكون من خارج المنزل مثل الاعتداء الجنسي أو التنمر وغيرهما، وضرورة وجود قنوات اتصال دائمة بين الطفل وذويه ومحاولة معرفة سبب حزن الطفل أو تغير أحواله بشكل مفاجئ ومتابعة الأداء المدرسي الذي يعتبر مؤشراً مهماً للصحة النفسية.
- استشاري طب الأطفال



دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
TT

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

ويوجد في أمعاء الإنسان عدد من الميكروبات يفوق عدد النجوم في مجرة ​​درب التبانة. وهذه الميكروبات ضرورية لصحة الإنسان، ولكن العلماء ما زالوا يحاولون تحديد ما تفعله بالضبط وكيف تساعدنا.

في دراسة جديدة نُشرت في مجلة «ناتشر ميكروبيولوجي»، اكتشف علماء كيف يمكن لبعض بكتيريا الأمعاء أن تحمينا من البكتيريا الضارة، وتشمل هذه البكتيريا أنواعاً مثل إيكولاي. وهي غير ضارة عادةً بكميات صغيرة ولكنها يمكن أن تسبب التهابات ومشكلات صحية أخرى إذا نمت كثيراً، وفق موقع «ساينس ألرت». ووجد باحثون أن بيئة أمعائنا - التي تشكلها أشياء مثل النظام الغذائي - تلعب دوراً كبيراً في إبقاء البكتيريا الضارة المحتملة تحت السيطرة.

للوصول إلى هذا الاستنتاج، قام علماء بتحليل أكثر من 12000 عينة براز من أشخاص في 45 دولة. باستخدام تقنيات تسلسل الحمض النووي، وتمكن العلماء من تحديد وقياس الميكروبات المكتشفة في كل عينة. ووجدوا أن تركيبة ميكروبيوم الأمعاء كانت مختلفة بشكل أساسي عن غير المصابين بها.

من خلال تحليل هذه الميكروبات وجيناتها، تمكنا من التنبؤ بدقة (نحو 80 في المائة من الوقت) بما إذا كان شخص ما مصاباً ببكتيريا في أمعائه. وقد ظهر للعلماء أن أنواع البكتيريا في أمعائنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما إذا كانت الأنواع الضارة قادرة على السيطرة على أمعائنا.

وبالبحث بشكل أعمق، اكتشف العلماء مجموعتين من البكتيريا: تلك التي ازدهرت جنباً إلى جنب مع البكتيريا المعوية (ما يسمى «المستعمرات المشتركة») وتلك التي نادراً ما توجد معاً («المستبعدات المشتركة»).

وقد برز نوع واحد من البكتيريا التي تستبعد البكتيريا المعوية، باعتبارها مهمة بشكل خاص، وتسمي Faecalibacterium. وهي تنتج مواد كيميائية تسمى الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة عن طريق تكسير مجموعة متنوعة من الألياف في نظامنا الغذائي. وهذا بدوره يمكن أن يمنع البكتيريا الضارة من النمو.

كان وجود هذه الأحماض الدهنية إحدى أقوى الإشارات التي لاحظناها بين البكتيريا المستبعدة والمستعمرة. كما تم ربطها سابقاً بمجموعة واسعة من الفوائد الصحية، مثل تقليل الالتهاب وتحسين وظيفة الأمعاء.

كان هذا مفاجئاً بشكل خاص حيث زعمت دراسات سابقة أجريت على الفئران أن البكتيريا التي تأكل نفس أنواع الأطعمة والمغذيات ستواجه صعوبة في العيش معاً في الأمعاء.

وهذا يشير مرة أخرى إلى حقيقة مفادها بأن الظروف البيئية للأمعاء (المغذيات، درجة الحموضة، مستوى الأكسجين) هي العوامل الرئيسة التي تحدد ما إذا كان الشخص سوف يصاب ببكتيريا ضارة في أمعائه أم لا.

أكثر فاعلية من البروبيوتيك. قد تؤدي تلك النتائج إلى طرق جديدة للوقاية من وعلاج الالتهابات دون استخدام المضادات الحيوية. على سبيل المثال، بدلاً من قتل البكتيريا الضارة بشكل مباشر (والتي يمكن أن تضر أيضاً بالبكتيريا الجيدة)، يمكننا تعزيز البكتيريا المستبعدة أو إنشاء أنظمة غذائية تدعم نموها.

قد تكون هذه الاستراتيجية أكثر فاعلية من تناول البروبيوتيك بشكل مباشر، حيث ثبت سابقاً أن البكتيريا الجديدة المضافة إلى القناة المعوية لا تعيش إلا لفترة محدودة في الأمعاء. يمكننا أيضاً استهداف مسارات محددة تستخدمها البكتيريا الضارة للبقاء على قيد الحياة، مما يجعلها أقل تهديداً.

ورغم أن تلك الدراسة تقدم رؤى جديدة ومهمة، فإنه لا يزال هناك الكثير للتيقن منه، فالعديد من المناطق، بما في ذلك أجزاء من أميركا الجنوبية وأفريقيا، لا تحظى بالقدر الكافي من التمثيل في دراسات الميكروبيوم. وهذا يحد من فهمنا لكيفية اختلاف بكتيريا الأمعاء بين مختلف السكان.