ملامح سورية في «حين حدث ما لم يحدث»

يوسف بشير يرسم صوراً متخيلة بديلاً لأحداث واقعية

ملامح سورية في «حين حدث ما لم يحدث»
TT

ملامح سورية في «حين حدث ما لم يحدث»

ملامح سورية في «حين حدث ما لم يحدث»

لا أعرف الكثير عن يوسف بشير الكاتب والصحافي اللبناني ليكون بين عوامل جذبي لقراءة كتابه «حين حدث ما لم يحدث» الصادر أخيراً عن دار الساقي في لندن عبر 222 صفحة من القطع المتوسط. ومع ذلك أخذت الكتاب ربما بدافع الفضول، أو لرؤية ما وراء غرابة عنوانه الذي يوحي بشيء، لكنه لا يبين أي شيء على الإطلاق، أو للاثنين معاً، ورغبة في التعرف على المؤلف من جهة ثالثة.
يتضمن الكتاب أربعة وعشرين مقالاً، تتابع وتعالج قضايا وموضوعات، تقع في دائرة الأهم لسياسات الشرق الأوسط ومنطقة شرق المتوسط منها في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية. لكن وفق متابعة ومعالجة، تأخذ مساراً مختلفاً. إذ لا يتناول فيها الكاتب ما حدث - فهذا قيل فيه الكثير - إنما يذهب إلى صورة متخيلة، لتكون بديلاً عم حدث، ويقدمها للقارئ في خطوة غير مسبوقة، تاركاً قراءه وسط بيئة مختلفة في تعاملهم مع ما عرفوه من أحداث وتطورات، أحاطت ببلدانهم، وتركت إثرها الثقيل في حياتهم.
وإذ تعددت موضوعات الكتاب في تناولها شؤوناً تتصل بغالبية بلدان شرق المتوسط. فإن أغلب الموضوعات ركزت على سوريا أو أنها اتصلت بالموضوع السوري بشكل رئيسي أو قاربته في أمر ما، وهو أمر طبيعي بسبب ما كان لسوريا من دور وحضور في خلق نماذج للمحيط منها تأسيس وخط سير الأهم في الجماعات السياسية من البعث إلى الحزب الشيوعي، وإطلاقها نهج الانقلابات العسكرية، وتأسيسها التجربة الأولى في النظام الأمني - المخابراتي في المنطقة، وكله مضاف إلى دورها في السياسات الإقليمية من الصراع العربي - الإسرائيلي إلى الصراع بين العرب وإيران.
ومن الخطوط المعقدة للحضور السوري في أحداث شرق المتوسط، يأخذنا يوسف بشير إلى أغلب موضوعات سورية بالكامل، ومنها اخترنا موضوعين لهما أهمية راهنة، أولهما «بشار الأسد يستضيف عبد الحميد السراج في دمشق ص147» و«اكتشاف وصية خالد بكداش التي ظن أنها ضاعت ص115».
في اللقاء المتخيل بين بشار الأسد وعبد الحميد السراج والذي تم افتراضاً عام 2005، يجري حوار بين السراج المؤسس الأول للنظام الأمني في سوريا والأسد الابن الذي ورث النظام الأمني للأسد الأب، كاشفاً التوافقات في طبيعة القمع العاري لدى الطرفين وامتداده خارج كيانهما السياسي، إضافة إلى رؤية تمايزات في طبيعة ومشروع كل منهما، وأهمها تركيز الأول على فكرة الأمن «مغلفة» بخدمة مشروع سياسي عام ميز عقد الخمسينات، فيما يرى الثاني الأمن عارياً في سياق مشروع فئوي، وهو سياق مسار الصراع في سوريا بعد انطلاق ثورة السوريين 2011. واستعانة نظام الأسد بإيران وميليشياتها في مواجهة ثورة السوريين. أما وصية خالد بكداش الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي السوري المتوفى عام 1995، كما تخيلها الكاتب، فتكشف أمراض النخبة المؤسسة في سوريا، وقد امتدت تلك الأمراض إلى الجيل الثاني على نحو ما، يمكن ملاحظته اليوم لدى العديد من شخصيات، تولت مسؤوليات قيادية في أطر المعارضة من إعلان دمشق للتغيير إلى هيئة التنسيق الوطني.
وصية بكداش، ينبغي أن تكون متصلة بالقضايا السياسية، لكن ما بين أيدينا نص يتصل بصاحبه أكثر مما يتصل بالقضايا السياسية. ففي الوصية بصفحاتها العشر، يتواصل حديث عن شخصية بكداش ومواقفه أو عمن يحب ويكره من الأشخاص، وهو في ذلك قلما أشار إلى قضايا، إذ لم ترتبط به شخصياً. فإن الإشارات إليها عرضية وسريعة.
وجود بكداش الطويل على رأس الحزب، جعل في حياته وتجربته كماً هائلاً من أشخاص، صنفهم في أربع مراتب، وكان أبرز من كرههم عبد الناصر وغورباتشوف، وأكثر من أحب لينين وستالين، وأكثر من احتقرهم خروتشوف وفرج الله الحلو، وأكثر من حسدهم حافظ الأسد وياسر عرفات، وأكثر من أحبهم زوجته وصال بكداش وابنه عمار، وكلاهما على التوالي ورث الأمانة العامة للحزب بعد وفاة بكداش الأب. ورغم تركيز الوصية على أسماء كبيرة، تركت بحضورها أو بسياساتها أثراً مباشراً على حياة بكداش وحزبه، فإنها تضمنت هجمات على أشخاص أساسيين بالحزب، كان فرج الله الحلو أولهم والأكثر تعرضاً وهو صاحب مقولة «عبادة الشخصية»، وبينهم الانقساميان يوسف فيصل ورياض الترك، وقد وصف الأول بـ«التافه» واستعار للثاني وصفاً روسياً خلاصته: القومي المتنكر بزي شيوعي. لقد لامست الوصية في إشاراتها أمراضاً سائدة في النخبة السورية والسياسية منها خاصة، من حيث التركيز على الأشخاص لا القضايا، واعتبار الفرد محور الأحداث والتغييرات لا الطبقات والفئات الاجتماعية، بل أظهرت التنافر بين الأشخاص الواصل حد العداء المكشوف لاختلافات في الرؤى أو الممارسة، لا تبدل كثيراً من الموقع السياسي للأشخاص.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.