عون يطلب مساعدة موسكو في إعادة النازحين السوريين

بوتين: لبنان شريك قديم وتقليدي في الشرق الأوسط

الرئيس اللبناني يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول في موسكو  (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول في موسكو (أ.ف.ب)
TT

عون يطلب مساعدة موسكو في إعادة النازحين السوريين

الرئيس اللبناني يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول في موسكو  (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني يضع إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول في موسكو (أ.ف.ب)

أجرى الرئيس اللبناني ميشال عون محادثات أمس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارة رسمية هي الأولى له إلى موسكو بعد توليه منصبه. وأكد الطرفان سعيهما لتطوير التعاون في مجالات مختلفة، وأطلقا إعلانا سياسيا مشتركا عكس تطابق مواقفهما حيال الملفات الإقليمية والدولية والوضع في سوريا والعراق، كما تضمن دعوة مشتركة لدفع مسار عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتهيئة الظروف اللازمة لذلك عبر إعادة إعمار البنى التحتية السورية.
واستهل بوتين اللقاء بالتأكيد على أن لبنان «شريك تقليدي مهم لروسيا في منطقة الشرق الأوسط»، وزاد أن روسيا «تحافظ على العلاقات مع قيادة بلادكم ومع كل القوى السياسية والفئات الدينية». وخاطب عون مؤكداً على سعادته «برؤيتكم في روسيا كممثل للمجتمع المسيحي».
ووصفت مصادر الرئاسة اللبنانية الزيارة بـ«الممتازة»، مشيرة إلى إجماع روسي من قبل كل من التقاهم الرئيس عون والوفد المرافق على دعم لبنان ودوره في المنطقة وأهمية الحفاظ على استقراره.
وتمنى عون أن يكون التعاون مع روسيا أيضا في مجال إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم «خصوصا أنه إذا لم نصل إلى حل لمعاناتهم، فإن الكثيرين منهم قد يفرون من الظروف الصعبة التي يعيشون فيها إلى دول أخرى ولا سيما أوروبا التي لدى دولها مصلحة بحل هذه المشكلة بسرعة».
وكان الرئيس اللبناني استهل اليوم الثاني والأخير من زيارته الرسمية إلى روسيا بوضع إكليل من الزهور على ضريح الجندي المجهول عند حائط الكرملين، حيث أقيمت المراسم التقليدية، ثم التقى مجلس الدوما الروسي والرئيس بوتين.
وأشار بوتين إلى أن هذا العام يصادف الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ولبنان. وشدد عون بدوره على الأهمية الخاصة لعلاقات لبنان مع روسيا وقال إن تاريخها يعود إلى أكثر من قرن. وأشاد بموقف روسيا في حماية الأقليات الدينية في الشرق، وزاد: «تعيش منطقتنا أوضاعا صعبة على هذا الصعب، ونتطلع إلى دعمكم الدائم».
ولفت الرئيس اللبناني إلى أنه أجرى في موسكو لقاءات مع ممثلي أوساط المال والأعمال وأطراف روسية عدة، معربا عن أمله في أن تسهم هذه اللقاءات في تعزيز التعاون المشترك. وتطرق إلى ملف اعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ووصف عون قرار الرئيس دونالد ترمب بـ«اليوم الأسود». وأصدر الرئيسان في ختام محادثاتهما إعلانا مشتركا نشر الموقع الإلكتروني للكرملين نسخة منه، وتضمن 15 بندا ركزت على تطابق وجهات نظر البلدين حيال الملفات الساخنة والأزمات التي تشهدها المنطقة. وشدد الإعلان عن رؤية مشتركة بين موسكو وبيروت إلى أهمية تعزيز الدور المركزي للأمم المتحدة في تسوية النزاعات، وأعرب عن إدانة مشتركة للإرهاب في كل صوره وأشكاله.
وتطرق الإعلان في عدد من بنوده إلى الوضع في سوريا، مشددا على احترام وحدة وسيادة سوريا وأنه لا يمكن حل النزاع فيها إلا بالطرق السلمية. وشدد على رؤية مشتركة لأسس الحل تقوم على القرار الدولي 2254 ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري. كما شدد في أحد بنوده على «دعم المبادرة الروسية لعودة النازحين واللاجئين السوريين إلى بلادهم وتوفير الظروف المناسبة، لذلك من خلال إطلاق عملية بناء وتأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار»، ودعا المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى دفع هذا المسار والمساهمة فيه.
وأكد الإعلان المشترك ضرورة «التطبيق الكامل للقرار 1701 وضمان عمل مراقبي الأمم المتحدة بشكل كامل». كما لفت إلى موقف مشترك بدعم العراق في مواجهة الإرهاب، ونص بند آخر على دعم التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للمشكلة النووية الإيرانية.
ورافق عون في زيارته وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، والمستشارة الرئاسية، ميراي عون الهاشم. في حين شارك في المباحثات من الجانب الروسي وزير الخارجية سيرغي لافروف ووزير التنمية الاقتصادية مكسيم أوريشكين.
وكان الرئيس اللبناني أكد قبل اللقاء أنه يسعى إلى التركيز على «مواضيع متعددة من بينها بالطبع، ما يخص الشرق الأوسط، والأحداث الجارية فيه، وتداعيات الحروب الجارية في المنطقة، وما نتحمله من نتائج في هذا المجال». وزاد في حديث مع وسائل إعلام روسية أن «هناك موضوعا يهم الرئيس بوتين شخصيا، وهو موضوع المسيحيين في الشرق الأوسط، وقضية النازحين، وهنا تبرز المبادرة الروسية بشأن إعادتهم إلى بلادهم، وروسيا تؤيد موقفنا في هذا الاتجاه من البداية، بالإضافة إلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين روسيا ولبنان، وكذلك العلاقات الثقافية الحضارية بين شعوب البلدين، والتي يجب أن تتطور، بوجود مراكز ثقافية، ومدارس لغة، وحركة بشرية، نسميها السياحة».
وقال عون خلال لقائه رئيس مجلس الدوما الروسي، فياتشيسلاف فولودين إن ملف النازحين يشغل حيزا أساسيا من اهتمامه خلال الزيارة، محذرا من أن اللاجئين السوريين المقيمين حاليا في بلاده: «يمكن أن يتوجهوا في القريب العاجل إلى أوروبا من جديد، وذلك بسبب استيائهم من وضعهم الاقتصادي في لبنان». وعبر فولودين عن رغبته في التعاون مع البرلمانيين اللبنانيين، ووجه إليهم، من خلال الرئيس عون، دعوة للمشاركة في المؤتمر الدولي حول التنمية الذي سيعقد في موسكو بين 1 و2 يوليو (تموز) المقبل.
وفي مقر إقامته استقبل الرئيس عون بحضور الوزير باسيل والوفد المرافق، رئيس مجلس إدارة شركة «روسنفت» إيغور سيشين، التي رست عليها مناقصة إعادة تأهيل منشآت النفط في طرابلس، مع وفد من كبار المسؤولين في الشركة. وعرض سيشين للمشاريع المماثلة التي تقوم بها الشركة في روسيا وعدد من دول العالم، حيث تؤمن استخراج أطنان من الغاز والنفط، وتنتشر مصانع شركة «روسنفت» في 26 دولة. وقال إن «لبنان دولة استراتيجية بالنسبة إلى نشاطات الشركة، ونحن نتعامل مع شركات لبنانية وننسق معها بإيجابية في سبيل النهوض مجددا بمنشآت النفط في شمال لبنان». وشرح سيشين برنامج عمل الشركة في لبنان، وإمكانية توسيع الإطار الذي تعمل فيه نظرا للاهتمام الذي توليه بالوضع الاقتصادي في هذا البلد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.